كتب: أ. حسن لافي
أنهت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين مناورة "عزم الصادقين"، التي بدأت في 20/6/2020 واستمرت يومين، وطاول مسرح عملياتها جميع محافظات قطاع غزة، بمشاركة تشكيلات متعددة من وحدات سرايا القدس، وفي مقدّمها الوحدات الصاروخية والمدفعية. وجرى إطلاق أكثر من مئة صاروخ وقذيفة هاون من أماكن مختلفة في اتجاه أهداف محدّدة في عرض البحر، على نحو متزامن لتكتيك رماية جديد تطوّره تشكيلات سرايا القدس منذ معركة "سيف القدس"، وتستهدف من ورائه أمرين:
الأول: عدم الاكتفاء بإصابة هدف من خلال القصف الصاروخي، ويُعمل لتدمير الهدف بالكلية من خلال توالي القصف على ذلك الهدف.
الثاني: إرباك منظومات الدفاعات الجوية الإسرائيلية، خصوصاً منظومة القبة الحديدية، بإطلاق الصواريخ من مواقع جغرافية متعدّدة على هدف واحد، ما يحد قدرة القبة الحديدية على التصدي لهذا التكتيك في الرماية.
وتجدر الإشارة هنا إلى الدروس التي استخلصتها المقاومة الفلسطينية بفضل معركة "سيف القدس" العام الماضي، حينما كان معدّل إطلاق الصواريخ اليومي يقارب الـ 400، خصوصاً الصواريخ متوسّطة المدى، التي حوّلت مدينة عسقلان إلى مدينة أشباح، بسبب تركيز سرايا القدس صواريخها عليها، وهو ما أجبر الاحتلال على أن يعلن مدينة عسقلان مدينة منكوبة بعد انتهاء المعركة، وما يعد تنفيذاً عملياً لتهديد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، الأستاذ زياد النخالة "بأن المقاومة ستجعل "غلاف غزة" مكاناً لا يصلح للحياة".
مع أن أبو حمزة، الناطق باسم سرايا القدس أكّد أن "المناورات تأتي استكمالاً للإعداد والتجهيز، واستعداداً لأي معركة مقبلة"، من خلال قياس جاهزية ودمج تكتيكات وقياس إحداثيات والتنفيذ عليها ومعرفة دقتها، وبالتالي إرسال رسالة ردع عسكري تجاه الدولة الموقّتة "إسرائيل"، خصوصاً أن الشخصية العسكرية الأولى في سرايا القدس، الحاج أكرم العجوري، مسؤول الدائرة العسكرية في الجهاد الإسلامي، هو من أعطى اشارة البدء بالمناورة، إلا أن مناورة "عزم الصادقين" تحمل في طياتها أيضاً عدداً من الرسائل السياسية إلى جانب الرسائل العسكرية، أهمها:
مناورة "عزم الصادقين" تحمل في طياتها أيضاً عدداً من الرسائل السياسية إلى جانب الرسائل العسكرية، أهمها كسر موجة الثقة بالذات، التي شعرت بها "إسرائيل" بعد إمرار مسيرة الأعلام الصهيونية في القدس في 29/5/2022، من دون أن يكون هناك رد عسكري من قطاع غزة،
- كسر موجة الثقة بالذات، التي شعرت بها "إسرائيل" بعد إمرار مسيرة الأعلام الصهيونية في القدس في 29/5/2022، من دون أن يكون هناك رد عسكري من قطاع غزة، خصوصاً مع إنهاء "الجيش" الإسرائيلي مناورة "عربات النار"، التي سُوّقت على أنها أنهت جاهزية "الجيش" الإسرائيلي لأي معركة مقبلة تندلع من أي جبهة، ما انعكس على اندفاع "إسرائيل" تجاه التصعيد على جميع الجبهات، وخصوصاً على جبهة الضفة الغربية، التي اعتقدت أنها قادرة على كسر معادلة ربط الجبهات الفلسطينية بعضها ببعض، التي رسّختها معركة "سيف القدس"، وسعت تالياً "إسرائيل" إلى فرض معادلات اشتباك جديدة، مفادها عزل غزة ومقاومتها عما يدور من عمليات اغتيال واعتقال، وتهويد في الضفة والقدس ضمن خطة "كاسر الأمواج" الإسرائيلية، التي هدفها الرئيس إنهاء حال المقاومة في الضفة الغربية، من خلال إنهاء كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس.
لذلك من المهم قراءة مناورة "عزم الصادقين" في سياقه السياسي الذي دشّنته حركة الجهاد الإسلامي انطلاقاً من تصريح أمينها العام، الذي دعا القوى الوطنية والإسلامية إلى وقفة جادّة أمام الانتهاكات التي يمارسها الاحتلال، مشدّدًا على أن حركته "لن تقبل بهذا الإذلال المستمر"، وهو ما انبثق منه اجتماع طارئ للفصائل والقوى السياسية في 13/6/2022، في غزة بدعوة من حركة الجهاد، للاتفاق على ضرورة اتخاذ موقف وطني ملائم فيما يتعلق بكيفية مواجهة التغوّل والانتهاكات الإسرائيلية، في ظل الحراك الوطني لفصائل المقاومة في غزة لقطع الطريق على "إسرائيل" تجاه تغيير معادلات الاشتباك، يجري إطلاق صاروخ من غزة تجاه مدينة عسقلان إثر اغتيال ثلاثة من مقاتلي كتيبة جنين في شمالي الضفة، لينهي بذلك حال الهدوء، التي استمرّت بعد مسيرة الأعلام الصهيونية، وهنا تبرز أهمية مناورة "عزم الصادقين" السياسية، التي تؤكّد إصرار المقاومة الفلسطينية على تثبيت معادلة ربط الجبهات الفلسطينية، مهما كلف الثمن، وأن سرايا القدس، ومن خلفها المقاومة في غزة، لا تخشى الذهاب إلى المعركة إن تطلّب الأمر، والمناورة الصاروخية بالذخيرة الحية، أوضح طريقة لإيصال تلك الرسالة.
- تدرك المقاومة الفلسطينية أن الحال الإسرائيلية الداخلية، التي أنتجت حال الإجماع الصهيوني على إمرار مسيرة الأعلام الإسرائيلية، حال لحظية لا يمكن أن تستمر طويلاً، ويجب تالياً تذكير "إسرائيل" من خلال مناورة "عزم الصادقين" بأن قرارها الذهاب إلى أي حرب يرتبط بأثمان حقيقية ستدفعها الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وخصوصاً بعد إقرار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي أن الخطر الإستراتيجي على الأمن القومي الإسرائيلي هو الصواريخ. واختيار سرايا القدس أن تكون المناورة صاروخية لم يكن عشوائياً، خصوصاً أن المشهد السياسي الداخلي في "إسرائيل" قبل المناورة وفي أثنائها يشي بأنه ذاهب إلى دوامة الفوضى السياسية، التي تتطلب حتماً من "إسرائيل" تبريد الجبهات الخارجية، خصوصاً بعد إعلان رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت الذهاب إلى انتخابات مبكرة، إضافة إلى الرّغبة الأميركية والإسرائيلية المشتركة في إمرار زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة بهدوء، ما يضاعف أهمية توقيت مناورة "عزم الصادقين" وتأثيراتها السياسية.
مع أن المناورات الصاروخية في غزة تكون دوماً في اتجاه البحر، إلا أننا نعتقد أن تكتيك تلك المناورة، واقتصارها على الصواريخ ذات المدى المتوسط والقصير الموجهة نحو نقاط عائمة في البحر، يحملان إشارات إلى مستوى تهديد جديد تؤكّده سرايا القدس والمقاومة الفلسطينية ويتمثل في منصات استخراج الغاز الإسرائيلية، ومشروعات نقله عبر البحر المتوسط، ما يهدّد مخطط "إسرائيل" الإستراتيجي تحوّلها إلى مركز لنقل غاز شرقي المتوسط واستخراجه.