قيل في القدم إن الحاجة أم الاختراع.. هذا المثل طبقه بشكل فعلي، خريج تخصص هندسة المعدات الطبية، عبد الله رشاد البابا، البالغ (23 عامًا)، حينما استطاع دمج سنوات تعلمه بالجامعة، مع احتياجاته واحتياجات والده.
البابا صعبت عليه معاناة والده مع أطباء الأسنان، وتكرار زيارته لهم، لعدة أسباب، أهمها الوضع الصحي لوالده والذي يستخدم الكرسي المتحرك، بالإضافة إلى أن أطباء الأسنان غالبًا ما تكون عياداتهم في الطوابق العلوية؛ الأمر الذي يرهق والده.
هذا الأمر دفعه بصحبة ثلاثة من زملائه الجامعيين لابتكار "وحدة الأسنان المحمولة"، من خلال تحويل حقيبة سفر بلاستيكية إلى وحدة صحية تحتوي على جميع احتياجات أطباء الأسنان، مزودة بعجلات، يمكن للأطباء التنقل بها واصطحابها إلى منازل المرضى.
البابا أشار إلى أن هذه الحقيبة تساعد من هم في حالة والده الكبير في السن والذي يعاني من إعاقة، وكذلك فئات أخرى تواجه آلام الأسنان دون الاستطاعة للتوجه إلى عيادات توجد غالبيتها في طوابق عمارات ومبانٍ، وتفتقر إلى الكهرباء أحياناً؛ بسبب انقطاعها وتعطل المولدات؛ ما يضطر المرضى إلى الصعود بمساعدة أشخاص من الشارع.
وقال لـ"شمس نيوز": "إلى جانب مشكلة صعود الأشخاص الكبار في السن وذوي الإعاقة، وفرت جائحة كورونا أسباباً إضافية لتنفيذ الابتكار، باعتبار أن احتمال انتشار الفيروسات مرتفع جداً داخل عيادات الأسنان، كما أن الحقيبة تعالج رهبة الأطفال من عيادات الأسنان، وتجعلهم يتلقون العلاج في المنزل وسط أهاليهم".
البابا الذي يقطن شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة، لفت إلى أن تلك المنطقة تفتقر لعيادات الأسنان، فيما يتركز الأطباء في وسط المدن، وهذ الأمر شجعه وزملاءه للعمل على هذه الابتكار.
يضيف: "في كثير من الأوقات تأتي اتصالات لأطباء الأسنان من المرضى في أوقات متأخرة بالليل، أو بأوقات الإجازات الرسمية، وهذا يرهق كاهل الأطباء عندما يفتحون عياداتهم في هذه الأوقات من أجل حالة واحدة؛ لذلك هذه الحقيبة تساعدهم على علاج الحالات في منازلها".
مكونات الحقيبة
تتكون الحقيبة من جزئين كما يقول البابا، إذ أن الجزء الأول هو القسم الميكانيكي، والذي يتضمن الحقن وتوصيلات شفط سوائل الفم، تعمل من خلال توربين طاقة ضغط وشفط الهواء، بالإضافة إلى توصيلات أدوات الحفر.
ويتكون الجزء الثاني على التجهيزات الهيدروليكية، مثل الموتور وخزان السوائل، وتنقل الحقيبة البالغ وزنها 16 كيلوغرامًا باستخدام عجلات من البلاستيك الصلب الذي لا يتعرض لاهتراء، أي أقل من عُشر وزن كرسي علاج الأسنان في عيادة الطبيب البالغ 150 كيلوغراماً.
عبد الله البابا استطاع تأمين بعض الأدوات اللازمة لتجهيز الابتكار، وأعاد تدوير آلات وأدوات كهربائية أخرى، إلا أنه واجه نواقص كثيرة في تنفيذ عشرات التجارب.
يقول "جمعت أجهزة وخردوات كثيرة، وبحثت عن معلومات لأدوات يمكن أن يستخدمها، فقادني ذلك على سبيل المثال لا الحصر إلى تحويل مطفأة حريق إلى خزان لمحاولة توفير ضغط الهواء اللازم لنقله عبر قنوات بلاستيكية، لكن المحاولة لم تنجح فأحضر أدوات أخرى وصولاً إلى محرك ثلاجة لضخ الهواء اللازم، وهو الإجراء الذي حقق النجاح المطلوب".
طموحات وآمال
يطمح عبد الله البابا وفق حديثه إلى أن تتحول فكرة "وحدة الأسنان المحمولة" إلى مشروع يمكن أن يستفيد منه جميع مرضى الأسنان، ويلقى الدعم اللازم من الجهات المختصة والجامعات، ونقابة أطباء الأسنان، لاحتواء هذا المشروع.
يتحدث البابا: "في قطاع غزة العمليات المتخصصة، وتركيبات الأسنان، والحالات المستعجلة تعالج في عيادات خاصة وليس عيادات حكومية أو تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهي مكلفة وتحتاج إلى وقت، لذا انتظر تطوير الابتكار لوضع لاصق صنع في غزة عليه".
وأعرب عن أمله بالحصول على منحة دراسية؛ لتطوير ابتكاراته في ألمانيا التي تعتبر بين الدول الأكثر تطوراً في هندسة المعدات الطبية.
وأكمل البابا حديثه "أنا مستعد لنشر ثقافة هذا الجهاز والترويج له، خاصة وأنه يوفر ميزة استخدامه في أي وقت وأي مكان، كما أنه يعالج مشاكل اجتماعية مختلفة".
وأشار إلى أن الأطباء بحاجة لإرشادات في شأن آليات استخدامه، مشيرًا إلى أن فكرة الابتكار إنسانية بحتة قبل أن يكون جهازاً يمكن تسويقه في شكل واسع، مبينًا أن الهدف الأول لهذه الفكرة هي الوصول إلى المسنين والمصابين وذوي الإعاقة من خلال تسهيل تنقل الأجهزة الطبية، وبلوغ سكان في مناطق تعاني من تهميش.