تقلق الأم إذا خالف طفلها أوامرها وفقد أعصابه، وتصبح أمام خيارين: إجباره على طاعتها وتحمل صراخه وضرباته، أو الاستسلام لغضبه، فيدرك الطفل نجاح خطته.
وفي الحالتين، تتساءل الأم ما إذا صارت رهينة نوبات غضب طفلها واستغلاله نقطة ضعفها المتمثلة في خشيتها من انفعاله.
ما اضطراب التحدي؟
يشيع الربط بين اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة "إيه دي إتش دي" (ADHD) وبين العدوانية المفرطة، لكن نادرا ما يلتفت الأهل إلى اضطرابات السلوك العدواني الأخرى.
وفسّر باحثون في "المعهد الوطني للصحة العقلية" في الولايات المتحدة ذلك بالإفراط في تشخيص اضطراب فرط الحركة حتى صار حالة صحية مقبولة اجتماعيا، خصوصا لدى الأطفال الأميركيين البيض. في حين تم تشخيص أقرانهم من أصول أفريقية باضطراب التحدي المعارض "أو دي دي" (ODD)، وهو اضطراب سيئ السمعة ومرتبط بسوء السلوك.
ويُعرف أساتذة علم النفس في جامعة "ديكن" الأسترالية اضطراب التحدي المعارض بأنه "نمط من السلوكيات العدائية والمتحدية الموجهة نحو شخصيات تتولى مسؤولية مباشرة عن الطفل أو المراهق، مثل الوالدين والمدرسين".
ففي حالة الأطفال، يتجادل الطفل المصاب بالاضطراب مع الوالدين، ويرفض الانصياع لأوامرهما، ويدخل في نوبات غضب إذا خالفا أبسط توقعاته. وتصعب السيطرة على سلوكياته في تلك الأوقات، مما يضر بالحياة اليومية للأسرة. أما في حالة المراهق، فتتطوّر سلوكياته العدوانية لتتخذ أشكالا أخرى، مثل تهديد الآخرين أو ضربهم أو تخريب ممتلكاتهم.
ولا يشير كل انحراف في سلوك طفلك إلى إصابته باضطراب التحدي المعارض، إذ من الطبيعي أن تظهر سلوكيات عدوانية بين الأطفال في عمر 3 سنوات، وكذلك في بداية مرحلة المراهقة. لكن الأطباء النفسيين يشككون في تشخيص الطفل بالاضطراب إذا تخطى الطفل سن 8 سنوات، ورافقت عدائيته اضطرابات نفسية أخرى، وتكرر تمرد الطفل وغضبه واستمرت نوبات غضبه إلى فترة تتجاوز 6 أشهر وأثرت على تحصيله الدراسي وعلى علاقاته بالأصدقاء والعائلة، وصار يكافح من أجل التكيّف مع القواعد المطبقة داخل النظام المدرسي.
ما الفرق بين اضطراب التحدي المعارض وفرط الحركة؟
يميل الأهل والأطباء، على حد سواء، إلى الخلط بين اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وبين اضطراب التحدي المعارض. وغالباً ما يصنّفون مرضى الاضطرابين تصنيفا عنصريا أو جندريا، أو يعتبرونهما وجهين لأعراض متماثلة.
ويعود جزء من ذلك إلى أن 40% من المصابين باضطراب فرط الحركة تظهر عليهم لاحقا أعراض من اضطراب التحدي المعارض. كذلك تظهر على 10% من المصابين باضطراب التحدي المعارض أعراض من اضطراب فرط الحركة. وعلى الرغم من أن الاضطرابين يصيبان الطفل نفسه في مراحل عمره، فإنهما حالتان منفصلتان.
وأوضحت "عيادات كليفلاند" الأميركية الفرق بين اضطراب التحدي المعارض، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
الأول يرتبط بسلوك الطفل وكيفية تفاعله مع الوالدين والأشقاء والمدرسين، وتظهر أعراضه في سن الثامنة، وتشمل ما يلي:
- انتهاكات خطيرة للقواعد والأعراف الاجتماعية وربما تنطوي على خرق للقانون.
- الهروب من المنزل أو السهر خارج المنزل.
- التصرف بعدوانية تضر الآخرين، مثل التنمّر أو الضرب أو تعذيب الحيوانات أو الكذب أو السرقة أو الإضرار متعمدا بممتلكات الآخرين.
في حين يُعرف اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بأنه اضطراب في النمو العصبي، يظهر في سن الثالثة، وتشمل أعراضه ما يلي:
- تشتت انتباه الطفل بسهولة.
- فرط قلق الطفل.
- اتباع أفكاره نمطا عشوائيا.
- الحساسية والعدوانية الشديدتان.
ولا ينبغي الشك في الأمر إلا إذا استمرت الأعراض أكثر من 6 أشهر، وأضرّت بحياة طفلك اليومية.
هل ينبغي الخوف من اضطراب التحدي؟
يشيع اضطراب التحدي المعارض بين الأطفال وتصل نسبة الإصابة به إلى 16%، وفق "الجمعية الأميركية للطب النفسي" التي ترى أن 50% من حالات اضطرابات السلوك تعود إلى أسباب جينية، موضحة أن الفقر والعنف وانفصال الوالدين تُعد عوامل محفّزة لإصابة الأطفال به.
وأشار باحثون في طب الأطفال بجامعة كاليفورنيا في أغسطس/آب الماضي، إلى أن 69% من الأطفال الذين تعرضوا لشاشات الهواتف والتلفاز حتى 4 ساعات يوميا سيصابون باضطراب التحدي المعارض بعد عدة أشهر حتى لو لم يكن المحتوى الذي تعرّضوا له عنيفا.
في المقابل ذكرت مجلة "الأكاديمية الأميركية للطب النفسي للأطفال والمراهقين" إلى أدلة تؤكد فعالية التدخل المبكر للسيطرة على أعراض الاضطراب، ومنع تضرر مستقبل الطفل الأكاديمي والاجتماعي، إذ ينجح العلاج النفسي والسلوكي في 67% من الحالات بعد متابعة لمدة 3 سنوات.
أما 10% من الحالات التي لا تتلقى رعاية مناسبة، فمن المرجح أن تعاني من اضطرابات إضافية بعد سنوات، من مثل:
- اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
- القلق.
- اضطرابات المزاج، وتظهر في ذلك الوقت سلوكيات أكثر عدوانية.
- اختلالات اجتماعية وعائلية على نحو ملحوظ.
لذلك ينبغي تدوين أعراض الاضطراب التي يظهرها طفلك لمراجعتها مع الطبيب، وتجنب الصراع مع الطفل خلال فترة العلاج، وتوفير مساحة آمنة لتفريغ غضبه بعيدا عنك، مع الأخذ بالاعتبار أن مراقبة طفلك مهمة وإن كان في تلك المساحة الآمنة.