كتبت: رغدة عسيران
بعد اعتقال الشيخ بسام السعدي في 1/8/2022، من منزله في مخيم جنين، بالطريقة الهمجية التي صورتها وسائل الإعلام، استغربت بعض الأصوات من استنفار "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، في قطاع غزة، ومطالبتها بالإفراج الفوري عنه. يجيب كتاب "قبس من نور المسيرة" على هذا الاستغراب وعلى التساؤلات التي صدرت في ذلك الحين، كونه يبرز، من خلال سرد مسيرة الشيخ بسام السعدي، مكانته المعنوية والاجتماعية والنضالية والسياسية في المجتمع الفلسطيني، وخاصة في مخيم جنين، مخيم البطولة وراية الجهاد.
يسرد الكتاب سيرة عائلة الشيخ بسام السعدي، التي تم تهجيرها من قرية المزار التي احتلها المستوطنون الصهاينة في العام 1948، وهي القرية التي تنتمي اليها عائلة السعدي والتي شهدت اعتقال المجاهد القسامي الشهيد فرحان السعدي الذي اعدمته القوات البريطانية في العام 1939. ينتمي الشيخ بسام السعدي الى هذه العائلة المجاهدة التي تصدت للاحتلال البريطاني والغزو الصهيوني منذ البداية، فيتذكّر كيف كان يستمع، في طفولته، الى قصص بطولات الثوار الذين فجرّوا ثورة 36-39 الى جانب الشيخ عزالدين القسام واستمروا، بعد استشهاد القسام، في مقارعة الأعداء.
من خلال مسيرة الشيخ بسام السعدي، نقرأ بعض محطات تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر بعد النكبة واللجوء عام 1948، كما يراه الشاب السعدي (مواليد 1960) : احتلال باقي فلسطين وأراض عربية في العام 1967، معركة الكرامة في العام 1968، الحروب العربية المتنقلة ضد المقاومة الفلسطينية (الأردن ولبنان)، حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 وانصياع الرئيس أنور السادات للإرادة الأميركية لمنع تقدم الجيش المصري، وبداية مسار المفاوضات تحت الرعاية الأميركية، ثم اجتياح لبنان عام 1982 وارتكاب المجازر ومقاومة الاحتلال بقيادة حزب الله ثم التحرير في أيار 2000 وانعكاس المقاومة والتحرير على الشعب الفلسطيني.
مسيرة الشيخ بسام السعدي هي مسيرة مخيم جنين، منذ نشأته في العام 1952، الى الآن ومسيرة الآلاف من اللاجئين الذين نهضوا وبنوا وتعلموا وواجهوا صعوبات اللجوء، ثم انخرطوا في الثورة الفلسطينية وشكّلوا قواتها الطليعية.
يتذكّر الشيخ السعدي شهداء المخيم منذ الاحتلال الصهيوني، وانتفاضة الطلاب عام 1976 ودور الطفلة نجاح محاميد التي اعتقلها العدو، وانتفاضة 1987 التي شارك فيها أهل المخيم وارتقاء الشهداء واقتحامات المخيم ومدينة جنين وقراها المتكررة والاعتقالات، قبل ان يتم التوقيع على اتفاق أوسلو المذل والمشؤوم.
يسرد الشيخ بسام السعدي مطاردته منذ بداية الانتفاضة (1988) ثم الابعاد الى مرج الزهور مع 415 قيادياً من الحركة الإسلامية الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) في العام 1992، والعودة الى المخيم بعد سنة من الإبعاد، والعمليات البطولية التي هزّت كيان العدو قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، وملحمة مخيم جنين البطولية (2002)، والاقتحامات المتكررة المصحوبة بالاعتقالات واغتيال المقاومين المستمرة الى اليوم، ومن بينهم نجلي الشيخ السعدي، إبراهيم وعبد الكريم، بعد ملحمة جنين.
مسيرة الشيخ السعدي هي أيضا قصة لقائه مع الفكر المقاوم الذي كان يبحث عنه والذي يربط الإسلام بالقضية الفلسطينية، وبداية تشكيل أولى نواة العمل العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. هي قصة مسيرة الحركة في منطقة جنين وخاصة في المخيم، من خلال مجاهديها وشهدائها، وعملياتها النوعية، وأيضا من خلال عملها الاجتماعي والدعوي، الذي مثله الشيخ بسام السعدي، والتي تؤكد على العمق الجماهيري للحركة وصدق انتمائها الى شعبها.
يتذكّر الشيخ السعدي أول لقاء له مع الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي، الشهيد د. فتحي الشقاقي في غزة، ولاحقا في مرج الزهور، ويذكر توّسع الحركة في المنطقة وبداية نشاطها العسكري مع "عشاق الشهادة" ويتابع نموّها، وعملياتها البطولية التي أرّقت العدو.
تتابع مسيرة الشيخ السعدي حياة الأسرى في سجون العدو، المعاناة والتعذيب خلال التحقيق، حيث كاد أن يستشهد خلال ما يسمى "التحقيق العسكري"، حيث "قدم للأجيال الفلسطينية نموذجا يحتذى في الصمود والتحمل والنجاح"، والإهانات، ولكن أيضا التحدي اليومي للسجانين ولحكومتهم، وكيف حوّل الأسرى، والشيخ بسام السعدي تحديدا، هذه السجون النازية الى مدرسة فكرية وسياسية، تخرّج سنويا المئات من الكوادر السياسية والأكاديمية.
كان الشيخ يرفع معنويات الأسرى، ببثه "قصصًا ومواقف جرت معه خلال المطاردة لإخوته وأصدقائه في السجن من منطلق تعميق التجربة لدى الآخرين، وتوعيتهم بحسن التصرف عند المطاردة، والذي في الغالب ما يؤدي إلى الإفلات من الاعتقال الحتمي مستشهدًا ببعض المواقف التي أكدت له من خلال التجربة الحيّة أن جيش الاحتلال وجهاز مخابراته ليسا أسطورة كا يحاول أن يسوّق".
تروي مسيرة الشيخ السعدي جهوده المستمرة من أجل وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة المقاومة ضد الاحتلال، إن كان في السجن أو خارجه. في السجن، يتحدّث الشيخ عن وثيقة الاسرى التي أصدرها ممثلو التنظيمات الفلسطينية في سجون العدو (سجن هداريم حيث التقت قيادات من عدة تنظيمات) ومحاولة السلطة الفلسطينية توظيفها ضد المقاومة، فاضطرت الحركة الانسحاب من التوقيع عليها. وقبل ذلك، مناقشة الوثيقة داخليا وإدخال بعض التعديلات من قبل حركة الجهاد الإسلامي عليها، وثم الانتقادات التي صدرت من قيادة وكوادر الحركة، والبلبلة التي أحدثتها. "فهو لا يتخيل أن يقف يوما موقفا يزعج فيه قيادته التي ينتمي اليها، ويجلها ويحترمها ويقدر رأيها ونهجها، وقال لمن هم حوله: لو أمرني الدكتور القائد رمضان عبد الله شلح أن ألزم زنزانتي لشهر ولا أخرج منها لامتثلت دون أن أبحث عن السبب، فنحن أهل الالتزام والانضباط".
كما تروي مسيرة الشيخ السعدي مرحلة الإبعاد الى مرج الزهور (في حنوبي لبنان)، وهي الرواية الأولى الصادرة عن أحد المبعدين من حركة الجهاد الإسلامي، والتي تضيف الى الروايات الأخرى اللقاءات مع ممثلي الحرس الثوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله في لبنان، الى جانب الأحزاب العربية الأخرى التي جاءت لتتضامن مع المبعدين وتساعدهم في صمودهم، ودور القائد زياد النخالة في تلك المرحلة الصعبة التي عاشها المبعدون.
يقول السعدي في هذا الصدد: "توثقت العلاقة بين المبعدين من حركة الجهاد، والأستاذ زياد نخالة، بحكم أننا أصبحنا تحت مسؤوليته، وكان مسؤولًا عن كل احتياجاتنا، فكان يأتي لزيارتنا يوميًا أحيانًا، أو في الأسبوع مرتين... للحقيقة والتاريخ (أبو طارق) نال ثقة المبعدين كلهم، وإذا تكلم بكلام كان وفيًّا له، وإذا قطع عهدًا أبرّه، وكان المجاهدون يتعاملون معه بأريحية، ولم يقصر بأحد، وأحيانًا كان يحضر معه أولاده، ليعرفهم على المبعدين، ويعمق فهمهم للقضية الفلسطينية من خلال مثال حيّ على تشريد الاحتلال الصهيوني لهذه النخبة من مجاهدي الشعب الفلسطيني."
في الختام، كتب المحرر والكاتب عصري فياض، "خلال توثيقي لحلقات مذكراته الطويلة، لم يأت ولو مرة واحدة على طموح شخصي له في هذه الحياة... بل كان كل كلامه الذي نقلته بأمانة ودقة عن الهم العام للشعب الفلسطيني، وأمة العرب والمسلمين، والمسيرة الطويلة العظيمة"، وقد تم "توثيق هذه التجربة لكي تستفيد منها الأجيال الحالية واللاحقة، بالرغم من أنها لم تنته بعد"...
*كتاب: "قبس من نور المسيرة"، الشيخ المجاهد بسام السعدي يتذكر، تحرير الكاتب عصري فياض
منشورات مؤسسة مهجة القدس 2022