تخيم مخاوف التصعيد في القدس والضفة المحتلة خلال رمضان المقبل على الأجواء الميدانية واللقاءات السياسية الجارية؛ وفقا لبوادر هذا التوتر الحاصل في الأرضي الفلسطينية خاصة مع ارتفاع وتيرة العدوان الإسرائيلي في كلِ الساحات الفلسطينية، وانفلات الأمور من عقالها نتيجة السلوك العدواني الإسرائيلي؛ الذي لا يجلب إلا ردوداً فلسطينية على نفس المستوى.
وما يعزز المخاوف من تفاقم الأوضاع الميدانية خلال شهر رمضان والأشهر التي تسبقه، تقاطعه -كما العامين الماضيين- مع الأعياد الدينية اليهودية، والتي يحاول خلالها المستوطنون الدينيون الصهاينة تعزيز اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، وفرض التقسيم المكاني والزماني داخل باحات المسجد الأقصى بوتيرة عالية، إلى جانبِ عوامل أخرى تزيد من حالة الاحتقان والتوتر في شهر رمضان، وهو ما ينذرُ بانفجار الأوضاع ليس في مدينة القدس فحسب، بل في المنطقة برمتها، وذلك وفق الكثير من التقديرات الإسرائيلية.
كتابٌ سياسيون ومختصون في الشأن الإسرائيلي أجمعوا أنَّ الحالة الميدانية في فلسطين على موعد مع شهر رمضان ساخن في مدينة القدس، وأنَّ السيناريوهات مفتوحة على الخيارات كافة، بفعل السلوك العدواني الإسرائيلي.
دوافع وعوامل التصعيد
الكاتب والمحلل السياسي حسن لافي يشير إلى أن هناك عوامل عدة دعت المُحللين السياسيين والأمنيين لدى الاحتلال للتحذير من انفجار الأوضاع في مدينة القدس خلال شهر رمضان المبارك.
لافي يوضح في مقال نشرته "شمس نيوز" أن أول هذه العوامل هو الاندفاعية العالية والثقة الكبيرة للصهيونية الدينية خاصة بعد نجاحها في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ووصول سيموتريتش وبن غفير ليكونا وزيرين في الحكومة، وفي الكابينت، وهو ما تعتبره "الصهيونية الدينية" غطاءً سياسيًا لمزيد من التهويد في المسجد الأقصى والقدس عامة.
أما المعيار الثاني الذي ذكره لافي فيكمن بتولي إيتمار بن غفير وزارة "الأمن القومي" المسؤولة عن الشرطة الإسرائيلية ووحدات حرس الحدود، وبذلك يصبح الأمن داخل مدينة القدس تحت سلطة بن غفير.
يشير في هذا المقام إلى الطرق الغوغائية التي وصل بها بن غفير إلى الحكومة، كذلك كيف كان فتيل إشعال معركة "سيف القدس"، من خلال نقل مكتبه لحي الشيخ جراح، والدعوة لمسيرة أعلام استفزازية تجاه المسجد الأقصى وباب العامود.
أما العامل الثالث -كما يرى لافي- فيكمن في ازدياد وتيرة المقاومة في الضفة الغربية والقدس، وارتفاع معدلات العمليات الفدائية الفلسطينية، وتأكيد غزة على قضية وحدة الساحات، ووحدة المواجهة الفلسطينية في حال كسر "إسرائيل" للخطوط الحمر في القدس والضفة الغربية.
يكمل حديثه "هنا، تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع أعداد العمليات الفدائية في مدينة القدس، يعزز من حالة التوتر داخل المدينة من جهة، ويؤكد على عدم نجاعة الحلول الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية من جهة أخرى، وبالتالي أصبحت مدينة القدس بشكل خاص والضفة الغربية بشكل عام كبرميل البارود الذي ينتظر شرارة الانفجار".
ورابع العوامل التي أشار إليها الكاتب لافي يكمن في نظرية (ما لم يحل بالقوة يحل بمزيد من القوة) ضد الغضب الفلسطيني من سياسات "دولة" الاحتلال، التي تنهجها حكومة الاحتلال.
ويببن هنا أن هذه السياسة قائمة من خلال دعوات الإغلاق الشامل على الفلسطينيين شرق القدس، والدعوة لعملية "السوار الواقي 2" في القدس، وتنفيذ سلسلة عقوبات قانونية ضد التواجد الفلسطيني، الأمر الذي سيتحول وفق ما يرى لافي لضغوط حقيقية في النقاش الأمني السياسي والعسكري داخل الكابينت، حتى ولو لم يمنح كل من نتنياهو ووزير الحرب يوؤاف غالنت موافقتهما على الاقتراح، واستغربا طريقة عرضه بهذه الطريقة الطفولية.
يكمل: "لكن هذا الأمر سيزيد من تطرف الآراء داخل الكابينت الإسرائيلي وداخل المؤسسة العسكرية والأمنية، كون ضعف قدرة اللاعبين الرئيسيين داخل الكابينت على مواجهة الصهيونية الدينية، من السهل جداً أن يترجم لهجمة كارثية غير مسبوقة على الفلسطينيين، ما يتطلب منهم أن يكونوا حاضرين بقوة لصدّها والتعامل معها".
وخامس عوامل اشتعال المنطقة خلال شهر رمضان المبارك وفق ما يرى لافي فيكمن في الوضع الداخلي الإسرائيلي، وازدياد الصراع اليهودي- اليهودي على هوية "إسرائيل" ونظامها الحاكم.
وأرجع هذا الصراع إلى خطة التعديلات القضائية، التي يسعى لتطبيقها وزير القضاء، يريف ليفين، بدعم من نتنياهو، والتي تسببت في إشعال حالة من التوتر الشديد داخل المجتمع الإسرائيلي، وخروج تظاهرات يوم السبت ضد الحكومة الإسرائيلية على مدار 6 أسابيع متتالية، وتزايد مؤيديها من مختلف الفئات السياسية والأمنية، الأمر الذي يجعل من فكرة تصدير الأزمة اليهودية الداخلية إلى الخارج الفلسطيني أحد السيناريوهات الممكنة للخروج من الأزمة اليهودية الداخلية، أو حتى تبريدها مؤقتاً.
المواجهة والحسم!
المحلل السياسي والمختصّ بالشأن الإسرائيلي د. أليف صباغ يشاطر لافي في توقعاته؛ إذ يقول: "شهر رمضان المقبل هو شهر المواجهة لأسبابٍ عدة منها، أنَّ (إسرائيل) ترى أن لديها القدرة الكافية لحسم الصراع في الوقت الراهن لأكثر من سببٍ، أولها تردي الوضع الفلسطيني والعربي، وثانيها اتفاق الحكومة الإسرائيلية والمعارضة على ضرورة حسم الصراع ومواصلة العدوان ضد الفلسطينيين، وثالثها تكبيل المقاومة في غزة بالوسيط المصري (الذي يتطلع إلى يحتاج إلى وساطة إسرائيل في اثيوبيا)، وتكبيل المقاومة في الضفة بالتنسيق الأمني من قبل الأجهزة الأمنية".
ويضيف: "السياسيون الإسرائيليون يعتقدون أنَّ الفرصة باتت مواتية لحسم الصراع في القدس، والآن بن غفير وزير الامن الداخلي يقول للإسرائيليين: لدي (حارس اسوار 2) في القدس، ويركز كل جهده في القدس، ويعتقد أنه إذا ما انتصر في القدس ينتصر في مواقع أخرى".
ويتوقع أليف صباغ إلى أنَّ الأشهر التي ستسبق رمضان المقبل ربما تكون ساخنة بالأحداث، تماماً مثلما جرى في شهر شباط/فبراير العام الماضي 2022 عندما اطلقت الحكومة الإسرائيلية قبيل رمضان حملة (كاسر الأمواج)، التي فشلت في كسر الفلسطينيين ومقاومتهم، بل على العكس من ذلك زادت المقاومة، واتسعت، وتعمقت وأصبحت مقبولة ومدعومة من كل أطياف الشعب الفلسطيني.
ويضيف: "الإسرائيليون بدأوا عمليات القمع والهدم والتهجير من أجل حسم الصراع مسبقاً (أي قبل قدوم شهر رمضان)، والدافع لذلك هو الشعور بفائض القوة، وضرورة حسم الصراع، وبالمناسبة هناك اجماع إسرائيلي على ذلك الأمر، والمعارضة والاختلاف تقوم على فكرة آليات القتل، والحسم".
وذكر "أنَّ ما يشجع الاحتلال على فكرة حسم الصراع، هو اعتقادهم بأنَّ السلطة لا تمتلك أدوات للمجابهة، وأنَّ الدول العربية لن تفعل شيئاً بما في ذلك الأردن والسعودية ودول التطبيع، وأنَّ المقاومة الفلسطينية لن ترد على العدوان بسبب تكبيلها في غزة بالوسيط المصري، وتكبيلها بالتنسيق الأمني في الضفة المحتلة، إلى جانب اعتقادهم أنَّ محور المقاومة مشغول في قضاياه الداخلية ومكبل فيها، على الأقل هكذا يفكر الإسرائيليون".
وأشار إلى انَّ أبرز أداة للتصدي للهجمة الإسرائيلية المقبلة والتي بدأت ارهاصاتها، هي الوحدة الفلسطينية على جميع الصُعد، سواءً الميدانية أو السياسية، كونها ستكون عاملاً مشجعاً لتضامن عربي واسلامي واسع، لافتاً أنه دون الوحدة الفلسطينية والاتفاق على مواقف مشتركة للتصدي للسيناريوهات المقبلة سيكون الفلسطينيون بمأزق كبير وصعب للغاية، ويتهدد قضيتهم بشكلٍ كبير.
تحذير من ضوء أخضر
أما الكاتب السياسي فايز أبو شمالة، فلفت إلى أن سخرية المعارضة والإعلام الإسرائيلي من حديث بن غفير عن القيام بـ"سور واقي 2" خاصة في القدس، لا تمنع الحذر من أبناء شعبنا.
وقال أبو شمالة في مقال له: "إذا سخرت المعارضة الإسرائيلية ووسائل الإعلام من تهديد بن غفير باقتحام القدس، فعلى الجماهير العربية في الضفة الغربية وغزة وفلسطيني 48 ألا تسخر من هذه التهديدات، وأن تأخذها على محمل الجد، وأن تستعد للمواجهة منذ اللحظة".
يتابع "استهداف الأحياء الفلسطينية في القدس هو المقدمة لاستهداف المسجد الأقصى، وهو المقدمة لإثارة الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين في كل مكان، وإذا اكتفى الفلسطينيون بالتفرج على اقتحام القدس، وإصدار بيانات الشجب والإدانة، فذلك يعني أن بن غفير قد حصل على الضوء الأخضر لمواصلة مشروعة في تهويد المسجد الأقصى، وكسر شوكة المقاومة".
ويرى أبو شمالة أن تهديدات بن غفير للقدس لا تبرئ رام الله ونابلس وجنين والخليل، ولا تغمض العين عن الأطماع الإسرائيلية في أرض الضفة الغربية، والتهديدات ضد القدس لا تعني استثناء فلسطيني 48 من الملاحقة، ولا تعني ترك غزة آمنة دون حصار ومباغتة عدوانية.
يكمل إشارته إلى أن أحاديث المفكرين والمحللين السياسيين الإسرائيليين قد توافقت كلها ـ بعد عملية الدهس البطولية في القدس ـ على أن غزة هي مصدر التحريض على عمليات المقاومة، وأن غزة هي رأس الأفعى وعليه يجب تصفية القيادات، والقيام بعملية عسكرية ضد قطاع غزة، مع تحميل تنظيمات غزة المسؤولية، بصفتها المحرض الأول والأساسي لما يحدث في الضفة الغربية.
الاحتلال يستعد!
تستعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي لخيارات التصعيد العسكري مع قرب شهر رمضان المبارك في شهر آذار/ مارس القادم، في ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس، وتصاعد أعمال المقاومة.
وقالت قناة "كان الإسرائيلية" إن هناك زيادة ملحوظة في عدد الإنذارات عن احتمال وقوع عمليات مقاومة، بعد أن تضاعف العدد ثلاث مرات في الأسابيع الأخيرة مقارنة بالفترة التي سبقتها.
وكشفت قناة "كان" عن نية جيش الاحتلال اتخاذ إجراءات عسكرية من بينها تعزيز القوات في الميدان، وانتشار وحدات هجومية لـ"إحباط" عمليات المقاومة المسلحة، خلال الأسبوعين المقبلين.
وفيما يليهما من أسابيع، أوضحت أنه سيتم الدفع بتعزيزات من حوالي 3 كتائب "دفاعية"، مع اقتراب شهر رمضان المبارك.
ووفق القناة الإسرائيلية، فإن "إسرائيل" تخشى من امتداد التصعيد في رمضان إلى أبعد من مناطق الضفة، ويصل إلى القدس، كما يخشى من تحول موجة التصعيد إلى انتفاضة عارمة.
وتطرقت القناة، إلى إن مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" ويليام بيرنز حذر خلال زيارته قبل أسبوعين لـ"إسرائيل"، من أن الوضع الأمني الراهن يشبه الفترة التي سبقت اندلاع انتفاضة الأقصى في عام 2000.
وتشهد الضفة الغربية منذ أشهر تصعيدا ميدانيًا ملحوظا على خلفية اعتداءات الاحتلال والمستوطنين المتواصلة بحق الفلسطينيين، ما أدى لاستشهاد 42 فلسطينيًا منذ بداية العام الجاري، بينهم 9 أطفال وسيدة مسنة.
في المقابل بلغت عمليات المقاومة في الضفة الغربية والقدس خلال شهر يناير المنصرم 1448 عملًا، من بينها 159 عملية إطلاق نار واشتباك مسلح، وأدت في مجملها إلى مقتل 7 إسرائيليين وإصابة 48 آخرين.