يقف الشعب الفلسطيني مقاتلاً كريماً بسخاء لا يُضاهى في شتى ميادين المواجهة وعلى مختلف مستويات البذل والعطاء، لأنّ قضيةً بمستوى فلسطين تتطلب شعباً استثنائياً قادراً على تحمل هذه المسؤولية العظيمة، وبالوجوب والنتيجة فإن هذا الشعب العظيم يقدم في المراحل الاستثنائية والمنعطفات الخطيرة قيادة تليق بالمكان والحدث، جديرةً بتحمّل الأمانة ومستحقةً للتقدم والثقة.
"قادت عملية الهروب من سجن غزة المركزي إلى إشعال الانتفاضة الشعبية عام 1987، فحركة الجهاد الإسلامي كانت العنوان الأكبر في الانتفاضة، حتى أن كُتاباً إسرائيليين كتبوا عن ذلك وقالوا إن من حق الجهاد أن تتباهى بكونها من دحرجت صخرة الانتفاضة، وهناك تقارير إعلامية وأمنية وسياسية تتحدث عن هذا التاريخ"، كان هذا حديثاً للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة ضمن مقابلة أجرتها معه إحدى شبكات الإعلام العربية.
سليل المؤسس الأشجع
الفلسطيني القادم من رحم المعاناة وبرصيد كبير من التحدي قائداً للتنظيم السياسي الفلسطيني البارز والمعروف بالتزاماته الثابتة رغم المتغيرات، هو زياد النخالة "أبو طارق" الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الذي ابتدأ تجاربه في مسقط رأسه خان يونس بالفقد حيث استشهد والده على يد قوات الاحتلال الصهيوني عام 1956 أثناء حرب العدوان الثلاثي، ليطل على المشهد الفلسطيني بأقسى تفاصيله.
إنه المقاتل الفلسطيني الأسير ثم المبعد إلى القائد الأكثر صلابة والمقدام حد كسر الحدود والتوقعات، العسكري أصلاً؛ بخلفيته العسكرية التي كوّنها تأسيسه لأوّل جناح عسكري مسلح يتبع حركة الجهاد الإسلامي ومهمته تنفيذ العمليات ضد الوجود الصهيوني في فلسطين، الداعي في كل مناسبة تسمح له بذلك إلى ضرورة التمسك بخطاب الحض على القتال والجهاد، وعدم مغادرة هذا الخطاب إلى مربعات لطالما وضعها -وتضعها الجهاد-محط التساؤل والريبة.
مثّلت رفقته للأمين العام المؤسس د. فتحي الشقاقي المحطة المهمة في سيرته السياسية النضالية وعمله الجهادي، وقد أكسبه القرب من الشقاقي قرباً من كل أبناء الحركة وجمهورها؛ فـ "الشقاقيون" هم المقبلون على القتال الواضحون حتى عند التناقضات والضبابية في المشهد والملتزمون بالمبادئ من دون أي تردد أو مواربة، وهو ما تكرس ولم يُختلف عليه في حركة الجهاد بمجيء النخالة أميناً عاماً ليكون خير خلف لخط الأمانة العام الأوضح.
الضفة الغربية، الذهاب إلى أبعد مما يظن الاحتلال
جاء أبو طارق ليزيد من حسابات الخطر الصهيونية فهو "العبقري حد الجنون والأكثر تطرفاً" كما وصفه جهاز الأمن العام الصهيوني "الشاباك"، عندما حضر أميناً عاماً للجهاد نتيجة لانتخابات داخلية كانت بعد مرض الأمين العام السابق د. رمضان عبد الله-رحمه الله-.
تُعد الجهاد الإسلامي بقيادة النخالة لاعباً أساسياً في الضفة الغربية اليوم مع تزايد حالة الاشتباك المسلح وتفاعلاتها، فكتيبة جنين التي أسسها عناصر سرايا القدس هناك مثلت نموذجاً تم العمل على تكراره لكتائب في عدة مدن ومخيمات في الضفة، وأصبحت حالة الاشتباك التي احتلت مساحات واسعة من حديث الإعلام المحلي والإقليمي بعد أن شغلت الرأي العام الصهيوني والمؤسسة الأمنية في إسرائيل هي الحالة التي تتبناها الجهاد ويحافظ النخّالة على الالتزام بها والتعهد بدعمها وتطويرها والاتجاه نحو العمل على تبني استراتيجية شاملة بخصوصها، بل واعتبر أبو طارق أن ما يجري في الضفة الغربية وعلى وجه الخصوص في مدينة القدس المحتلة ونابلس وجنين ومخيم شعفاط، هو تحدٍ للشعب الفلسطيني ومقاومته، مما يتطلب مستوى عالياً من الاستعداد والعمل.
جاء تأكيد النخالة خلال حوار قناة الميادين معه، أنّ ما يجري في الضفة الغربية اليوم "ليس عفوياً"، بل هو "مقاومة وانتفاضة مسلّحتان، وثورة حقيقية وجدية في مواجهة الاحتلال، ونحن نبذل كل ما نملك من أجل تصعيد هذه الانتفاضة، وعلينا أن ندفعها في كل اتجاه"، بل وكشف عن جهود "لتطوير قدرة المقاومة في الضفة الغربية، وتمددها إلى فلسطين المحتلة عام 1948.
ولعله القائد الأبرز الموجود اليوم والذي ذُكر في مناطق الاشتباك والمواجهة في الضفة، وطيّرت له التحايا لدعمه وتبنيه حالة الاشتباك القائمة، يحضرنا والد الشهداء أبو رعد خازم وهو يتحدث في مهرجان إحياء ذكرى انطلاقة الجهاد والذي أقيم في 5 ساحات هي "غزة وجنين وبيروت ودمشق وصنعاء" تطبيقاً لعنوان وحدة الساحات المنشود، المجاهد خازم الذي حضر في المهرجان وجدد التحية للقائد النخالة من ساحة الشهيد الجهادي محمود طوالبة -أحد قادة معركة جنين البطولية عام 2002-في جنين.
كما أشاد جمال حويل العضو في المجلس الثوري لحركة فتح أثناء تشييع أحد الشهداء بمقاومة كتيبة جنين وسرايا القدس فيها، كما وجه التهنئة للقائد النخالة الذي -بحسب وصفه-أوجد جيلاً، وخلق معادلةً للرعب في جنين العصية على الانكسار.
"أم المعارك" والظهور النموذجي للقائد الفلسطيني الوحدوي
"معركة وحدة الساحات كانت أم المعارك بالنسبة لحركة الجهاد الإسلامي" هكذا صرّح النخالة. فقد خلقت جولة القتال الأخيرة التي أدارتها سرايا القدس والتي أطلقت عليها عنوان "وحدة الساحات" جواً من الاحتضان الشعبي في الشارع الفلسطيني لحركة الجهاد الإسلامي. والتي أطلقت فيها قيادة الحركة عبر أمينها العام الإشارة لسرايا القدس للرد العسكري على العدوان الصهيوني الذي يستهدف قطاع غزة.
وقد كان أبو طارق واضحاً منذ البداية عند توجيه أمر الرد -عبر شاشة الميادين- لقواعد سرايا القدس العاملة في الميدان –مخاطباً بذلك الشعب الفلسطيني- بأننا لن نرفع سقف الوعود إلى مراحل غير واقعية، بل إن مهمتنا وما سنقوم به هو صد العدوان والقتال والذهاب إلى المواجهة انطلاقاً من مسؤولياتنا الملقاة على عاتقنا كمقاومة الشعب الفلسطيني وسنصنع صموداً يُسجّل للمقاومة ونصراً على الاحتلال ولن نسمح له بكسر المعادلات التي تثبتت في مواجهات سابقة.
كما قدمت الحركة في جولة القتال قادة كباراً في سرايا القدس شهداء على رأس قائمة ضمت فرساناً من مقاتلي السرايا من مختلف ألوية قطاع غزة. هذا كان بالتزامن مع التزام الحركة بالرد العسكري على العدوان الصهيوني وتحمل الأعباء الرئيسية في هذا الرد ميدانياً بشكل منظم ومستمر حتى آخر دقائق جولة القتال مما لاقى إطراء وإشادة كبيرين من الجماهير الفلسطينية ومن المختصين والمحللين.
ثبّتت الأيام القتالية حركة الجهاد الإسلامي كرقم صعب في المعادلة السياسية الفلسطينية وغير قابل للكسر أو التجاوز، بتوسيع قاعدتها الشعبية وتعميق حركيّتها الجماهيرية بما جذّر ارتباطها بالشارع الفلسطيني، واستمر القائد النخّالة في الظهور الملتزم بمكانته وبتطلعات شعبه في خطابه للشعب الفلسطيني بكل مكوناته في مستوى عالٍ من الوضوح ولم الشمل وحشد الطاقات، وقد تحدث منذ إشارة البدء بأن كل مكونات وتشكيلات المقاومة ستعمل في الميدان كقوة واحدة وعلى قلب رجل واحد.
وقد أكد لاحقاً بعد انتهاء المعركة بالمستوى الوحدوي نفسه وعلى النَفَس الفلسطيني ذاته المُقّدِّر لكل جهد ومكان لعمل مقاوم، وهو الذي قال في الحوار الذي أجرته معه قناة الميادين بتاريخ 10تشرين الأول/أكتوبر2022 عند الحديث عن إطلاق عنوان "وحدة الساحات" على المعركة الأخيرة "في الحقيقة نحن عنينا الكلمة بكل ما تعنيه بالتحديد، أولاً وحدة الساحات ربط قطاع غزة بالضفة الغربية، وربط الوضع الفلسطيني الداخلي بالوضع الفلسطيني الخارجي، وأيضاً الانفتاح على كل ساحات المقاومة".
يؤمن القائد النخّالة بالذهاب إلى أقصى حدود المواجهة عندما يتطلب الواقع أن يكون ذلك، وقد صرّح بأنه يؤمن بفاعلية المواجهات التي تكون شاملة فهي تكون ذات جدوى أكثر، ولكن عندما لا يكون هناك خيارات فتذهب لوحدك إلى المعركة.
القائد الصادق الذي لا يتحرّج من "أخطائنا"
يتفق الكثيرون على أن زياد النخّالة هو القائد الفلسطيني الصريح والواضح والصادق الذي يخاطب شعبه بكل صدق وجرأة في أكثر الظروف ضبابية وأشدها تناقضاً، وهو ما يسجله له المختصون والمحللون ويثبته هو في كل موقف شجاع يتبناه ويطلقه تجاه الجميع، وقد كان الناصح والمتسائل الواضح لرفقاء العمل المقاوم قبل غيرهم وأمام أعين الشعب. بل إنه قدم نموذجاً قلَّ نظيره سياسياً؛ بأن كان قادراً في مخاطبته لشعبه وفي حديثه لفلسطين على أن يقدم قرارات معينة بأنها ربما تمثل أخطاء كان من المفترض ألا يتم أخذها، وهو ما كان وقع صداه مؤثراً في الشارع الفلسطيني الذي وجد في أبو طارق نموذجاً استثنائياً للقائد الذي يصدق شعبه.
كان قد استعرض القائد النخالة لقاءه مع مندوب الأمم المتحدة عام 1988، واعتبر أن القبول بذلك اللقاء-في حد ذاته-من الممكن أن يكون خطأً، لكنه برر قبوله بالقول إنهم شعروا أن اللقاء كان مهماً للحركة التي كانت تقود عملاً كبيراً في مقاومة الاحتلال وإشعال الانتفاضة الأولى.
أثار القائد النخالة عقب معركة "وحدة الساحات" الكثير من رد فعل الشارع الفلسطيني الإيجابي عندما تحدث بصراحة في لقائه مع قناة الميادين وقال "من الأخطاء التي يمكن أن أسجلها على نفسي، أننا قبلنا بوقف إطلاق النار بعد 50 ساعة، نعم من الأخطاء الاستراتيجية.. وكان يجب أن نستمر، وهذا كان سيحدث مفعولاً أكبر"، كأن نبض الشارع في فلسطين يردد بأن هذا القائد الذي يسجل على نفسه خطأً في أخذ قرار استراتيجي هو قائد جدير بالثقة ومستحق للاحترام وحريٌ بأن يُسمع ويُنصَت إليه ويقود حركة كبيرة كالجهاد.
فلنقدم القائد أبو طارق بما يحمل في ذاته من مؤهلات وحضور والتزام شخصيةً فلسطينيةً رافعة، هو قائدٌ جديرٌ بالثقة مُستحقٌ لقيادة شعبٍ بطل.