تدل هذه النظرية بمفهومها على طبيعة الدور المطلوب فى مواجهة هذه التحديات والمؤامرات التي تعدُّ وتفرض من أطراف أقليمية ودولية.
هذا الأمر الذى يدفع بالآخذين بهذه النظرية لاستحضار كل عوامل المواجهة، والاستعداد لدرء تلك المخاطر وتقويضها، من خلال خطط ورؤى تعدُّ مسبقا للعمل بها، فالشعب الفلسطيني وكل قواه الحية التي تجمع على رفض هذه المؤامرة ألا تكتفى بالشجب والاستنكار، وأن تشكل حالة من التهيؤو المبادرة، فى مواجهة الجهد الذى يسعى لخدمة الحاجة الأمنية للاحتلال. ومن خلال التحرك الفعلي لهذه المبادرة يمكن أن نقول بأن هذه الجهود العملية بمجملها ستكون محبطة ومقوضة للجهود الداعمة للمؤامرات التي تفرض على شعبنا من قبل المجتمعين فى قمة شرم الشيخ التي تدعو فى كل مخرجاتها إلى ضرب وإنهاء الانتفاضة فى الضفة الغربية.
ما سيجرى غدا فى قمة شرم الشيخ من اجتماع مشبوه بالتأكيد سوف يدعو إلى مؤامرة جديدة، كما سبقه قمة العقبة فى الاردن. لقد كان عنوان هاتين القمتين: "الأمن الإسرائيلي" على حساب الدم الفلسطيني، وقد تجلى ذلك العنوان فى مجزرة ما قبل العقبة، ومجزرة ما قبل شرم الشيخ.
هذه النزعة "السايكوبتية" الإجرامية التي تمارسها قيادة الاحتلال، من ارتكاب المجازر فى حق الشعب الفلسطيني هي فى طبيعة الأمر تعبر عن حقيقته وبنيته العنصرية الفاشية. وكأن ملخص هذا العنوان يتمثل فى جوهر هذه القمة العلنية وتلك اللقاءات السرية، والتي يتم فيها البحث عن سبل وطرق محاصرة المقاومة التي باتت تشكل حقيقة و عقبة عملية فى وجه المشروع الصهيونى المتمثل بفعل الأحزاب الدينية اليمينية وبرنامجها الفاشي، وتخلق صورة مؤثرة وهامة فى مشهد الصراع اليومي مع الإحتلال، وإلا لماذا كل هذا الاستدعاء الدولي والإقليمي لهذه القمم الأمنية المتلاحقة؟.
مرة آخرى تصر السلطة على حضور قمة شرم الشيخ، وهذه المرة هي أكثر إصرار من قمة العقبة؛ لتؤكد من جديد تجاهلها للإرادة الفلسطينية الوطنية الجامعة، ووحدة موقفها الرافض لهذه اللقاءات العبثية. ولكن السلطة تأبى إلا أن تتماهى مع الموقف الصهيوأمريكى؛ لإخراج حكومة نتنياهو من عزلتها، وإخراجها من المأزق الأمني الذى تعيشه، وبهذا الإصرار على المشاركة تقدم من جديد خدمة مجانية للعدو على حساب الدم الفلسطيني، وتضع نفسها من جديد فى فوهة الاحتلال فى مواجهة الشعب الفلسطيني. والغريب في الأمر أن السلطة تصر على المشاركة وكأنها نالت حقاً من حقوق الشعب الفلسطيني فى قمة العقبة.
هذه اللقاءات والمؤامرات هدفها الرئيسي القضاء على الثورة، هذه الثورة التي بدأت بشرارة كتيبة جنين، ومن ثم ترعرعت ونمت وأنبتت فى كل مخيم ومدينة كتيبة وتشكيلاً للعرين، هذا التمدد والاستمرارية بنقل هذه التجربة لم يتأتى فى ظروف طبيعية ومهيأة، بل جاء فى خضم معركة شرسة واستنزاف فى المداد البشرى تمثل باستهداف جيش الإحتلال لهذه الظاهرة القاهرة له من خلال "حملة كاسر الأمواج"، والتي لم يدخر فيها العدو أي جهد أمني أو عسكري إلا واستخدمه للقضاء عليها، لكنه فشل فى إنهائها والسيطرة عليها على مدار أكثر من عام.
*لكن السؤال!* لماذا تعقد مثل هذه القمم الأمنية على هذا المستوى؟؟... بالتأكيد ليس لوقف العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني، والسعي لوقف الإجراءات والسياسات والممارسات التي تستهدف وتستبيح الدم والأرض والمقدسات الفلسطينية، بل هي قمة أمنية بحتة، لا تقام ولا يعدُّ لها إلا بعدما يكون الاحتلال قد غرق فى وحل الفشل الأمني والعسكري.
فللأسف قمة شرم الشيخ لم تعقد بعد قمة العقبة إلا من أجل البحث عن طوق نجاة ومخرج للمأزق الأمني الذي يعيشه كيان الاحتلال جراء المقاومة والانتفاضة التي تشهدها الضفة بما فيها القدس، وخشية من توسع رقعة المأزق الأمني تسعى كل هذه الأطراف المجتمعة وكل حسب دوره لتحقيق مصلحة واحدة، وهى المحافظة على الأمن "الإسرائيلي" من خلال تطويق المقاومة.
*الخلاصة*: التاريخ يعيد نفسه، فإن الأسباب التي دعت لقمة شرم الشيخ الحالية هى ذاتها التي استدعت لقمة شرم الشيخ التي جرت فى 25-06-2007م، وسينتج عنها نفس التفاهمات والنتائج الأمنية السابقة التي تدعو فى مجملها إلى حماية "أمن إسرائيل"، وكل ما دون ذلك من البنود الأخرى لن يكون هنالك أهمية عملية لتنفيذه، وخاصة من الطرف "الإسرائيلي"، وهى فى حقيقتها تعدُّ من الزوائد بنظر الاحتلال، وما يهم الأمريكان والإسرائيليين منها فقط هو ضخ كل الجهود لتلبية وتوفير الأمن للمواطن الصهيوني...لكن هذه الجهود ستفشل كما فشلت أختها عام (2007م) أمام إرادة وصلابة شعبنا ومقاومته الباسلة.