غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

نورا غيث "صب لبن".. حكاية طعمها علقم وانتظار لنهاية "صبر أيوب"

نورا غيث "صب لبن"
شمس نيوز - مطر الزق

تحاول المسنة نورا التي تتباهى برؤية قبة الصخرة من شرفة منزلها في إطلالة مميزة جدًا، كتم غيظها قدر المستطاع، فهي تعاني بشكل لا يوصف مما يفعله المستوطنون بحقها، كانت تسير في شقتها بحالة متوترة جدًا، تخنقها رائحة القمامة، وبعينيها تشاهد استفزازات المستوطنين، تسمع ضحكاتهم واستهزائهم ومسبات لا تتوقف، حياة لا يتحملها إنسان، قبل سنوات قضم المستوطنون "سلالم" العمارة التي تسكنها نورا وكسروا نوافذ شقتها؛ لكنها أصرت بقوة وعزيمة استمدتها من الله تعالى بأن تصبر وتصمد حتى النهاية.

نورا غيث "صب لبن" ولدت (عام 1955) في منزل والدها الذي استأجره من المملكة الأردنية إذ منحته المملكة حينها حقوق إيجار محمية منذ ما قبل (عام 1950)، ولدت نورا يتيمة الأب، وتكفلت والدتها بدفع إيجارٍ منتظمٍ للمنزل، كان منزلها يطل مباشرة على مسجد قبة الصخرة، إذ يبعد حوالي دقائق قليلة جدًا عن أبواب المسجد الأقصى المبارك.

موقع منزل والد نورا غيث "صب لبن" كان كفيلًا لأطماع المحتلين منذ اللحظة الأولى لاستئجاره، وازدادت المعاناة الشديدة لنورا بعد مرور (12 عامًا) على ميلادها إذ توفيت والدتها؛ لتترك لها 3 شقيقات وشقيق واحد عاشوا معها الحياة بصعوبة شديدة بعدما فقدت "الأب والأم" خلال سنوات قليلة.

 

يتيمة الأب والأم

في اللحظة الأولى لوفاة والدتها انتقلت نورا وأشقائها للعيش بمنزل خالتها وعندما اشتد عودها عادت نورا وشقيقها إلى المنزل مرة أخرى، في ذاك الزمان كانت شقيقاتها الثلاثة قد تزوجن وانتقلن للعيش مع أزواجهن في المملكة الأردنية الهاشمية.

عاشت نورا وشقيقها في منزل والدها بشكل متوترٍ بعد احتلال مدينة القدس عام 1967، إذ جرى وضع بيتها تحت إدارة ما يسمى "حارس أملاك الغائبين"، بادّعاء أن ملكيته لليهود، ومنذ تلك اللحظة بدأت معاناة نورا وصراعها المستمر مع المحتلين.

أول خطوة بدأها المحتلون للتضييق على نورا تتمثل برفع نسبة إيجار المنزل بأضعاف كبيرة يصل إلى 12.5 ألف دينار في السنة، ونفس ذلك المبلغ لعائلة الكركي التي كانت تعيش في العمارة المقابلة قبل تهجيرها بعد سنوات عدة.

في عام 1975 تزوج شقيق نورا من فتاة فلسطينية بالضفة المحتلة، وعندما حاول الحصول على هوية شخصية، استغل المحتلون هذا الأمر وبدأوا بزيادة الضغط على العائلة، تقول نورا لـ"شمس نيوز": "لقد خير المحتلون شقيقي بين حصوله على الهوية الشخصية أو تسليم البيت، فرفض ذلك بشكل مطلق".

 

زواج نورا

لم تكن الحياة وردية أمام نورا التي تزوجت عام 1979 هنا أصيبت بالحيرة، هل تعيش في منزل زوجها وتترك منزل والدها المهدد بالاستيلاء من المستوطنين؟ أم تعيش وزوجها في منزل والدها؟ تقول: "كنت أرى ذكرياتي الجميلة مع والدتي في المنزل، كل الحجارة هنا معبقة برائحة التاريخ ويكفيني رؤية قبة الصخرة الجميلة جدًا".

تُحسس بيديها الناعمتين على حجارة منزلها القديمة في تلك اللحظة قررت نورا أن تعيش وزوجها مصطفى في نفس البيت؛ لتحافظ عليه وتحميه من المستوطنين، وزادت رغبة نورا بالعيش بمنزل والدها بعدما منع المحتل شقيقها للعودة إلى المنزل مطلقًا عام 1981 عندما كان في زيارة للأردن، تقول: "استغل المستوطنون سفر شقيقي للأردن فمنعوه من العودة إلى المنزل بشكل مطلق ومنعه من الوصول إليه".

وبعد مرور 5 سنوات تقريبًا تشققت جدران المنزل وبات من الضروري ترميمه؛ إلا أن الاحتلال رفض ذلك مطلقًا، تُشير نورا، إلى أنها رفعت قضية في محكمة الاحتلال لترميم المنزل؛ لكن المحكمة وقفت ضدها فمنعتها من ترميمه، بل زادت من قراراتها التعسفية بإصدار قرار بمنعي من دخول المنزل عام 1986.

استأجرت نورا منزلًا في بيت حنينا بالقدس، لتتابع قضيتها في محاكم الاحتلال، استمر ذلك مدة سنتين تقريبًا إذ تمكنت في النهاية من كسب قضيتها وعادت إلى المنزل بعزة وكرامة؛ لكن المفاجأة كانت بهدم المستوطنين للسلالم المؤدية إلى منزلها في الطابق الثاني من العمارة التي تسكن فيها ومصادرة "دكان" والدها.

اضطرت نورا لتعين نحو 5 محامين من (1986 حتى عام 2000) عندما رفع المستوطنون قضية ضدها تحت مزاعم واهية بأن الطابق الثاني بالعمارة السكنية من حقهم؛ لكن قاضي محكمة للاحتلال أصدر حكمًا لصالحها ببناء "سُلم" لها والعودة للسكن بمنزلها.

 

تطورات خطيرة

لم تستلم نورا غيث "صب لبن" مطلقًا لاستفزازات المستوطنين التي لم تتوقف فقد شهد منزلها تطورات خطيرة عام 2010 عندما تحولت أوراق منزلها من دائرة ما تُسمى "حارس الأملاك العامة" إلى جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية.

وعام 2016 أصدرت محكمة الاحتلال العليا قرارا يقضي بالسماح لنورا وزوجها فقط بالعيش في العقار 10 أعوام، وأمرت بطرد كافة أبنائها منه على أن يستلم المستوطنون المنزل عام 2026.

وف وأواخر 2018، عانت نورا من متاعب صحية صعبة وتنقلت بين المستشفيات ومنازل أبنائها لأشهر، فاستغل المستوطنون ذلك ورفعوا دعوى جديدة لإجبارها على إخلاء المنزل قبل الموعد المحدد بالمحكمة، بادعاء عدم مكوثها فيه.

وتماهى قضاء الاحتلال الإسرائيلي مع مطلب مستوطنيه وحدد 11 يونيو/حزيران الجاري موعدا أخيرا لطردها، لكن التضامن مع العائلة أفشل التنفيذ بالموعد المحدد. وينتظر المستوطنون أية فرصة تتراجع بها أعداد المتضامنين للسيطرة على المنزل.

 

منزل محاط بكل أدوات الرقابة والدناءة

منزل نورا تعرض لمراقبة شديدة جدًا، فمنذ عام 2018 نصبت حكومة الاحتلال كاميرات المراقب وبدا المستوطنون يزيدون من تضييق الخناق عليها ومحاصرتها بإلقاء القمامة داخل منزلها ورفع صوت الموسيقى وإيذائها كلما حاولت الخروج من المنزل.

بصوتها القوي تروي نورا حكاية البلاغ الأخير، كانت تجلس برفقة أبنائها وأحفادها في يوم العيد، أدت صلاة العيد في العراء وتناولت الطعام مع أبناءها وفجأة وصلت رسالة من المحامي إلى لزوجها: "عليكم إخلاء المنزل".

 

لن نستسلم مهما كلفنا الثمن

لكن نورا أصرت على البقاء والتمسك بمنزلها حتى النفس الأخير تقول: "سنصبر حتى يتعب من صبرنا الصبر وحتى إن صدأ الحديد لن نستكين ولن ننكسر أو ننهزم، سنحافظ على تاريخنا ومقدساتنا وأرضنا مهما كلفنا ذلك من ثمن".

وناشدت نورا جميع الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة والهيئات القانونية والجمعيات الخيرية بالاستمرار في زيارة منزلها لمنع المستوطنين من الاقتراب منه أو طردها لأن المنزل يحمل دلالات تاريخية مهمة لا يمكن التنازل عنها مطلقًا.