مرة أخرى تظهر جنين بكبريائها وعظمتها لتجسد موقفاً شجاعاً يحسب لها دائما, خرجت جنين بمقاومتها ورجالها ونسائها واطفالها الى شوارع المخيم رفضا لسياسة الاعتقال السياسي التي تمارسها السلطة الفلسطينية بشكل ممنهج بحق المقاومين الفلسطينيين, السلطة تعمل وفق نظرية «نحن هنا» لكي تستعيد مكانتها المفقودة لدى إسرائيل والإدارة الامريكية والمجتمع الدولي ودول عربية كثيرة, لكن مشهد التظاهرات التي خرجت في الضفة وقطاع غزة ولبنان كان مزلزلا لها, ويحمل رسالة واضحة لا تقبل التأويل مفادها ان المقاومة هي الخيار, وان الحاضنة الشعبية تلتحم بمقاومتها الفلسطينية وتحميها من كل من يحاول المساس بها, انتشرت عناصر الامن التابعة للسلطة في كل مدن الضفة, واحاطت بالأقسام البوليسية والميادين من كل الاتجاهات, كي تمنع المواطنين من التظاهر ضد سياسة الاعتقال السياسي, لكنها فشلت امام قوة التحرك في الشارع الضفي, وباتت السلطة تحاول البحث عن مبررات لاعتقالاتها التي طالت العشرات من أبناء الفصائل الفلسطينية, وتحديدا من أبناء حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى, وخرجت أجهزة امن السلطة بتصريحات مستفزة و»كاذبة» ان الاعتقالات ليست على خلفية سياسية, بل على خلفية جنائية, وان من أسبابها حرق قسم للشرطة في بلدة جبع’ وقد زجت السلطة بحركة فتح لكي تبرر الاعتقالات السياسية وتقول ان دوافعها جنائية, فأصدرت فتح بيانا جاء فيه «وللتوضيح إن الاعتقالات في بلدة جبع قلعة الأحرار جاءت على خلفية حدث جنائي تمثل بحرق جزء كبير من مركز شرطة جبع وحرق مركبة الشرطة وتضرر سيارات مدنية لا ذنب لها وخسائر مالية كبيرة وإطلاق نار مباشر على الشرطة بهدف القتل علما بأن عناصر الشرطة من ارقى الشباب ومشهود لهم بدورهم المجتمعي البناء، والاعتقالات طالت جزءا من أبناء حركة فتح وهذا دليل أن خلفية الاعتقال جنائية وليست سياسية كما يدعي البعض، أو كما يحصل في غزة العزة من قيام حماس باعتقال عدد كبير من كل التنظيمات وخصوصا أبناء حركة فتح وموت قسم منهم في سجون حماس» حسب البيان المنسوب لحركة فتح.
ونحن نتساءل عن الاعتقالات التي تمارسها السلطة في رام الله وطولكرم والخليل وبيت لحم, واعتقال رئيس مجلس طلبة جامعة بير زيت عبد المجيد حسن من امام منزله برام الله, والاعتداء عليه بالضرب, واعتقال عدد من زملائه في الجامعة, واعتقال قيادات وكوادر من حماس والجهاد وفصائل أخرى مقاومة, هل كان ذلك أيضا بسبب حرق قسم شرطة جبع؟!, ان مثل هذه المبررات الواهية مستفزة تماما للمقاومين, وللفصائل وللشعب الفلسطيني, وقد تعقد الأمور بشكل اكبر, لان المقاوم الذي يضحي من اجل شعبه ووطنه لا يمكن ان يقبل ان يتم تصنيفه على انه معتقل على خلفية جنائية, فهذا الامر فيه تجاوز خطير لتضحيات كبيرة قدمها هذا المجاهد البطل الذي يحمل روحه على كفه, ويناضل لأجل شعبه, ثم يزج به في النهاية داخل السجن وكأنه مجرم جنائي لا سمح الله, لذلك على السلطة وأجهزتها الأمنية ان تتخلص من هذا الخطاب اللا اخلاقي المنحط والقذر والذي يعبر عن عقلية مريضة غارقة في مستنقع التنسيق والتعاون الامني القذر مع الاحتلال الصهيوني, هؤلاء النفر من المتنفذين داخل السلطة سال لعابهم عندما وعدهم بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني بتسهيلات اقتصادية, فتسابقوا على تقديم فروض الولاء والطاعة له, واراد كل منهم ان ينال النصيب الأكبر من كعكة نتنياهو المسمومة والتي تأتي على انقاض ودماء واشلاء الشعب الفلسطيني, «إسرائيل» تعلم تماما ما تفعله تجاه السلطة, وخطواتها محسوبة تماما وليست عشوائية, فهي تقرأ عقلية رجالات السلطة جيدا, وتلعب على وتر التنافس والتسابق بينهم نحوها كي تحقق اكبر المكاسب لصالحها, وفي النهاية لا تمنحهم الا الفتات, وتبقى تعد لجولة جديدة من التنافس بينهم لتحقيق مكاسب اكبر, وهكذا دواليك الى ان يتحقق «لإسرائيل» ما تريد, وهكذا تستخدمهم إسرائيل للوصول الى «مآربها», فكيف يمكن ان نتخلص من هؤلاء, يجب ان تقوم حركة فتح بهذا الدور وتفضح هؤلاء النفر المتنفذ داخل السلطة, ففتح حركة مقاومة في الكثير من الشرفاء ويجب ان تطهر ثوبها من هذه الادران, وتتخلص منهم لانهم يشوهون صورتها, ويأخذون من تاريخها النضالي والثوري الكبير.
الى متى ستبقى السلطة تحاور معارضيها بالسلاح، وتستنفر عناصر الأجهزة الأمنية لقمع الشارع الفلسطيني, والى أي مدى تراهن السلطة على المضي بهذا المسار التوتيري المتصاعد إرضاء لإسرائيل ومن اجل حفنة دولارات, وعلى ماذا تراهن سلطة محمود عباس التي تستسهل اعتقال الفلسطينيين على خلفية الانتماء السياسي, من يراهن على «إسرائيل» فهو يراهن على سراب, ومن يعتقد ان «إسرائيل» ستمنحه دولة عاصمتها القدس الشرقية فهو يهذي ويعيش أحلام اليقظة, الحقوق لا تمنح, انما تنتزع انتزاعا يا سيد عباس, وما يمكن ان يقربك من حلم الدولة هي المقاومة التي تكفر بها, وهؤلاء المجاهدين الاطهار الذين تقوم باعتقالهم والزج بهم في سجونك في اريحا وغيرها, تمهيدا لتصفيتهم على يد الاحتلال, او اعتقالهم من خلال تسليمهم يدا بيد للإسرائيليين كما حدث في مرات سابقة مع قيادات فلسطينية كبيرة, احمد سعدات, وخالدة جرار, ومروان البرغوثي, وفؤاد الشوبكي, ومجاهدين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي, وأخيرا فان البيانات التي أصدرتها الفصائل الفلسطينية مؤخرا تؤكد أن استمرار الاعتقال السياسي سيكون له آثار سلبية على اجتماع الأمناء العامين المزمع عقده نهاية الشهر الجاري في القاهرة, وبدأت تعلو الأصوات بمقاطعة هذه الحوارات ما لم يفرج عن المعتقلين.