استيقظت فلسطين، قبل أمس، على وقع زغاريد الأمهات الواثقات بنجاح أبنائهن في نتائج امتحانات التوجيهي، كما واستهل الآباء صباحهم بتجهيزات الحلويات والزينة للاحتفال بأبنائهم فور صدور النتائج. هكذا هُم الفلسطينيون، رغم الاحتلال والصعاب والقيود، يتميزون بمختلف المجالات، ليؤكدوا للعدو الصهيوني أنّهم سيبقون شوكة في حلقه، وخنجراً في قلبه، يقاومونه بكل الطرق والوسائل المتاحة.
كالعادة، وفي كل سنة، تُذهلنا فلسطين بنسب النجاح شبه الكاملة، والمعدلات العالية والمميزة التي وصلت إلى 68.2% لكل الفروع والاختصاصات، والتي شهدت تقدما بنسبة 4% مقارنة بالعام الماضي. خاصة في ظل جو دراسي غير ملائم للطلاب، فهم يدرسون على وقع أصوات القنابل والقذائف، وهدم البيوت، والاعتقالات، واعتداءات المستوطنين، والحواجز التي تُعيق وصولهم إلى مدارسهم، ناهيك عن الاشتباكات والمعارك التي تحصل بين الآونة والأخرى، والتي تترك آثاراً نفسية صعبة لدى الطلاب بشكل عام، ولدى من تعرّضوا لأذىً مباشر، كفقدان أحد أقاربهم، أو أسر أحد أفراد عائلاتهم، بشكل خاص. فعلى الرغم من كل ما سبق من عوائق، إلا أنّ الفلسطيني لا يترك قلمه كالمقاوم الذي لا يتخلى عن سلاحه، فهم ينتشلون قرطاسيتهم من تحت الركام بعد كل معركة، ويتوجهون لمدارسهم لكسب المعرفة والعلوم التي هي أحد مفاتيح تحرير فلسطين. فالفلسطينيون يرون بالتعّلم واجباً وطنياً وتحدياً من التحديات للحفاظ على هويتهم وانتمائهم.
الطالب يقدّم الامتحانات، وشهيد عند استلام النتيجة!
هو الطالب مجدي العرعراوي الذي ارتقى شهيداً خلال العدوان الأخير على جنين، وحصل على نتيجة 90,4% كما توقع وأخبر والدته قبل استشهاده، والذي لم يدعه الاحتلال يجني ثمار تعبه، ويتذوق حلاوة النجاح، ويرمي قبعته عالياً في السماء… فتجرّع والدا الشهيد وعائلته غصة الحزن مرتين؛ مرة على فراق فلذة كبدهم، ومرة على عدم تمكنهم من تقبيل ابنهم المتفوّق ومعانقته، والاحتفال به كسائر العائلات الطبيعية في العالم. وعلى الرغم من ذلك، لم يفوّتوا فرصة الاحتفال بنجاحه وتفوقه، وإن كان على قبره، حيث وزعوا الحلوى، وتقبلوا التهاني.
وقبل استشهاده، لم تمر فترة الثانوية العامة على عائلة مجدي بشكل طبيعي، فقد اعتُقل قبل شهرين من استشهاده، وأُطلق سراحه بعد انتهاء الامتحانات التجريبية للثانوية العامة، وتحدثت والدته عن أيامه تلك: “اجتهد مجدي كثيرا، وكل الأساتذة تعاونوا معه وساعدوه في المواد التي تأخر عنها كثيرا، وعدني أنّه سيرفع رأسي عالياً يوم النتائج، لكنّه نال الشهادة وهو أشرف ما ينال”.(1)
وهناك في الجهة الأخرى، الطالب ياسين أبو عون الذي تفوّق بمعدل 82,4%، لكنّ قضبان الاحتلال منعت والده الأسير من مشاركته الفرحة بنجاحه، بل وتركت غصة لدى الأسير الذي كُبلت يداه اللتان تمنى لو حملتا البقلاوة والشوكولا، لتقديمها للمحبين والمباركين بتفوّق ابنه.
يقول الطالب أبو عون: “يقع علينا كأبناء للأسرى والشهداء الفلسطينيين حمل مضاعف، يتطلب منّا النجاح والتفوق لإدخال الفرحة إلى قلوب أهالينا الذين انتزع الاحتلال فرحتهم بالأسر أو الاغتيال”.
ويُهدي نجاحه لوالده في سجون الاحتلال الإسرائيلي ولأهالي الشهداء والأسرى ولأهالي محافظة جنين المقاومة الصابرة القوية. (2)
هذا هو الحال في فلسطين، رغم الأتراح نجد الأفراح، ورغم المعاناة نجد الإبداع، فأجنحة الفلسطينيين لا تُقص، ولا تُكسر. اليوم، فلسطين تعمّها السعادة والبهجة، والعدو الصهيوني يكاد يشتعل قهراً من نتائج التوجيهي، فليس من مصلحته أن يولد المبدعون والمتفوقون في فلسطين. هذا اليوم بالتأكيد ليس يوم سعده، إنّما كابوسه الذي يتمنى لو ينتهي، ولكن عبثاً يحاول، فلا فناء لفلسطيني يقاوم بسلاح العلم والإبداع.