بقلم /ياسر عرفات الخواجا
زاد الاستنزاف لحكومة الاحتلال بعد سلسلة من الفشل المتلاحق في منع عمليات المقاومة، الأمر الذي دفع قيادة الاحتلال إلى الدفع بعدة كتائب من الجيش إضافية لحماية المستوطنات وتعزيز والطرق المفصلية والرئيسة، وهذا الأمر سيكلف جيش الاحتلال كثيراً من الإرهاق والضغط؛ لأن زيادة عدد الفرق والألوية التي تتواجد في الضفة يعني استنزاف ما يفوق عما نسبته 65% من تعداد الجيش النظامي الإسرائيلي، كل هذا الجهد يأتي بهدف زيادة العمل الأمني والعسكري، ولكن على الرغم من ذلك فإنني أقول وبثقة عالية أن العدو لن يستطيع بكل هذا العدد وتلك الجهود الاستخباراتية والعملياتية القضاء على المقاومة ومنع العمليات في مناطق الضفة والعمق الصهيوني، وفي قراءة تحليلية سريعة لما يتم تداوله من تهديدات إسرائيلية بشن عمليات عسكرية أو اغتيالات في عدة ساحات مختلفة فإنني أضع بين أيديكم هذه القراءة التالية:
أولاً: ساحة غزة: هناك استبعاد لمسألة التواصل من غزة مع منفذي العمليات في الضفة الغربية، كون أن حركة حماس تعلم جيدا أبعاد ذلك؛ لأن الاحتلال الإسرائيلي في حال اكتشف ذلك فسيكون لهذا الأمر تبعات خطيرة جداً، فحماس في غزة تحافظ على نمط معين من الهدوء، سعيًا منها لعدم إدخال غزة بشكل أو بآخر في أية معركة مقبلة أو صدام مع الاحتلال سوى معركة التحرير المنتظرة -على حد وصفهم- وأنهم حالياً منشغلون من خلال تراكم وبناء القدرات والجهوزية لذلك، وربما كانت المعارك التي خاضها الجهاد منفرداً في حينها خارجة عن سياق رؤية وحسابات حماس رغم رد الجهاد كان منطقياً وطبيعياً في إطار الانتقام والرد على تجاوزات الاحتلال؛ لأن العدو في كل مرة هو من كان يتسبب في تلك المعارك من خلال عمليات الاغتيال المستمرة لقادة سرايا القدس.
ساحة لبنان: لا أعتقد أن اسرائيل ستقدم على أية خطوة من شأنها أن تدخلها في معركة موسعة ومتعددة الجبهات، فهي غير مستعدة لها على كل الصعد، وخصوصاً أن حالة الانقسام الداخلي في الكيان مازالت مستمرة وستأخذ في القريب مسارات أكثر تأثيرًا وتصعيدًا، هذا التآكل في الجبهة الداخلية أصاب العدو في مقتل، خاصة في الجيش أو ما يعرف بـ"بوتقة الصهر"، إضافة إلى حسابات مهمة تتعلق بقدرات حزب الله ومحور المقاومة العسكرية وكفائتها القتالية.
الساحة السورية: اسرائيل تعمل على الساحة السورية على مدار الوقت، وتنفذ فيها عمليات قصف لمواقع عسكرية حساسة واغتيال لقادة عسكريين سوريين وإيرانيين، وترى بالجبهة السورية الساحة الأفضل للانتقام وتنفيذ عمليات الاغتيال والظهور بصورة الجيش القوى الذى تصل ذراعه إلى كل مكان، إضافة إلى أن العمل في ساحة سوريا لن يدفعها لخوض مواجهة مستمرة ضمن قواعد الاشتباك المعهودة والمعمول بها منذ فترة طويلة.
ساحة الضفة: باعتقادي فإن الأنظار والجهد الاستخبارتى والعملياتى لحكومة الاحتلال سيصب بإتجاه الضفة الغربية؛ لأن المشكلة الأساسية التي تعاني منها حكومة الاحتلال وائتلافها الفاشي تكمن بفقدان الأمن وتصاعد العمليات الفدائية في منطقة الضفة الغربية، وإن كل المشاريع الاستيطانية التي أقرت لبدء العمل فيها على الأرض واستكمال مشروع الضم وحلم الدولة اليهودية أيضاً في الضفة الغربية؛ لذلك فإن الاحتلال وبعد هذا الإخفاق في مواجهة المقاومة سيدفع باتجاه عمليات انتقامية وربما تتسم بالاغتيال لتحقيق صورة ولو مؤقتة للنصر وإعادة شيء من الردع المتآكل، فربما يحقق له ذلك حالة من إشباع الرغبات الفاشية الانتقامية تجاه الشعب الفلسطيني، ويخرجها ولو قليلا من عقدة القضاء على المقاومة التي لم تستطع حلها إلى الآن؛ لذلك فإن التصريحات والتهديدات التي تم إطلاقها من قبل رئيس حكومة الاحتلال للبنان وغزة ناجمة عن الفشل في مواجهة العمل المقاوم المتصاعد هناك، وهي تهديدات جوفاء لا يجرؤ على تنفيذها حالياً بسبب تعقيدات المشهد الداخلي في الكيان كما أسلفنا؛ وخصوصًا أن حزب الله توعد بالرد على أية عملية اغتيال على الأراضي اللبنانية، وبالتالي خطوة كهذه من الممكن أن تقلب الطاولة وتفتح النار على كيان الاحتلال وتضعه في مواجهة حتمية متعددة المحاور والجبهات.
وختاماً: فإن اسرائيل تعيش في مأزق أمني وعسكري كبير نتيجة المقاومة في الضفة الغربية، وتدفع بالمزيد من الجيش لتغطية الحالة الأمنية هناك، فكيف بها إذا فتحت عليها عدة جبهات قتالية!. أعتقد أن اسرائيل لن تستطيع أن تقدم على هذه الخطوة، وستستمر في عملياتها في الضفة، إضافة إلى استمرار الضرب في الساحة السورية دون أن تقحم نفسها في مواجهة واسعة لا تحمد عقباها.