تشهد الأراضي الفلسطينية حالة من التغول الإسرائيلي بسبب الاعتداءات المتواصلة والإجراءات العنصرية وحالة التحريض تجاه أبناء الشعب الفلسطيني خصوصًا بعد مجيء الحكومة اليمينية المتطرفة برئاسة «نتنياهو» و«بن غفير» و«سموتريتش». يشن هذا المثلث صاحب الوجه العنصري البشع في الفكر والممارسة عدوانه بشكل غير مسبوق بهدف إحلال الاستيطان وضم الأرض الفلسطينية وفرض السيادة الإسرائيلية.
لا شك أن هذه الأهداف باتت مُعلنة وتعكس العقلية الإجرامية لحكومة الاحتلال، ففي ذات الوقت تلعب «إسرائيل» على مسألة تضليل الرأي العام الدولي لمواصلة جريمتها الكبرى بحق الفلسطينيين وارتكاب مجازر دموية نعيش ذروتها في ظل التهديدات التي تصدر عن قادة الاحتلال، واستهداف كل أشكال الحياة في الأراضي الفلسطينية لا سيما مناطق الضفة بشكل خاص.
بالتصريحات التي صدرت مؤخرًا للمتطرف «بن غفير» عبر القناة الـ12 العبرية التي دعا فيها إلى «منح المستوطنين الحق في التنقل على طرقات الضفة وحرمان الفلسطينيين منه»، والتي حظيت بدعم من «نتنياهو» زعيم العصابة، قد أحرق الوجه المزيف لإسرائيل ودعوتها للسلام الذي ينتقص من الحقوق الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، لذلك نحن أمام مرحلة خطيرة من العدوان الإسرائيلي المُركز في مناطق الضفة.
وباعتقادي أن هذه التعبيرات والتفوهات الإعلامية لقادة الاحتلال تأخذ منحى أكبر من التحريض لأنها في سياق الترجمة على الأرض من خلال عمليات القتل وهدم المنازل والتهويد والتهجير وطرد المواطنين من أراضيهم وزيادة انتشار المستوطنات بالضفة المحتلة. بالتالي التبجح والتباهي في ارتكاب الجريمة سلوك أبعد بكثير من المعاني السطحية التي تحتكم لرأي قانوني دولي خجول!
«بن غفير» حين يقول: «هذا هو الواقع، هذه هي الحقيقة، حقي في الحياة يسبق حقهم في حرية التنقل». هو يعلن أنه منذ سنوات طويلة، إسرائيل قد ضللت الرأي العام الدولي بهدف تحقيق إقامة كيانها الذي أقيم على دماء الأبرياء والعزل من الفلسطينيين، وأمام العالم كله. وتتلاقى هذه التصريحات الجديدة مع تصريحات المتطرف «سموتريتش» الذي قال خلال شهر مارس 2023م: «لا يوجد تاريخ أو ثقافة فلسطينية»، أي التنكر لوجود الشعب الفلسطيني، وهذه بحد ذاتها جريمة رُفضت من أوساط عديدة واعتبرت تحريض على العنف، ناهيًا عن مطالبته بمحو بلدة حوارة الذي حاول التراجع عنها بعد النقد الشديد الذي أحرج «إسرائيل».
وذكر تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» اليوم الاثنين 28 أغسطس 2023م، أن إسرائيل تقتل الفلسطينيين دون أي سبيل للمساءلة، وأنها ترتكب جرائم ضد الإنسانية تتمثل في الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين، الأمر الذي يتطلب من حلفائها لا سيما الولايات المتحدة الضغط عليها لوقف جرائمها، وتحقيق المساءلة.
وبصفته الأقوى وحليف دولة الإرهاب في المنطقة، من الطبيعي أن نجد الدور الأمريكي متخاذلًا مع الفلسطينيين، ومنحازًا لإسرائيل، وقريبًا من دور المُصلح الاجتماعي، والذي اعتاد أن يرفع شعار الهدوء والاستقرار في الأراضي الفلسطينية، لكنه فشل بمحاولاته أن يطل أمد الهدوء أمام الممارسات وإجراءات الاحتلال الفاشية التي باتت تهدد حياة شعب بأكمله وحقه في تقرير المصير، فلا يمكن أن يُساوى الضحية بالجلاد!
وسواء «بن غفير» أو غيره من قادة الإرهاب الإسرائيلي، هذا الموقف يتجدد في خضم الأحداث الميدانية ليؤكد أنه لا تراجع عن مشروع الضم الاستيطاني، وأن لا دولة للشعب الفلسطيني، والقرارات الدولية خارج حسابات إسرائيل، ففي شهر يوليو 2023 انتقد المتطرف «بن غفير» تصريحات للرئيس الأمريكي بايدن قائلًا: «لن نتنازل عن تل واحد أو بؤرة استيطانية في الضفة الغربية».
وتحاول الإدارة الأمريكية أن تحضر دائمًا بشخصية «المُنصف»، حيث كان آخر ردود خارجيتها على «بن غفير»: «تصريحات استفزازية.. وأن مثل هذه الرسائل ضارة بشكل خاص عندما تصدر من أولئك الذين يشغلون مواقع قيادية ولا تتناسب مع تحقيق تقدم في مراعاة حقوق الإنسان للجميع». كما أدان الاتحاد الأوروبي تلك التصريحات، مؤكدًا أن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتشكل عائقا أمام السلام وتجعل خيار «حل الدولتين» مستحيلًا، علمًا أن هذا الخيار قد انتهى أمام الإرادة الفلسطينية والمقاومة المتصاعدة بالضفة.
كما تطرق تصريح للاتحاد الأوروبي طلب فيه بأن تقوم العلاقات مع «إسرائيل» التي تمارس الإرهاب يوميًا بحق الفلسطينيين على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، في إشارة لدعوة «إسرائيل» الالتزام بالقانون الدولي وعدم تجاوزه، وعدم رفع شعارات مكشوفة تهدف لتبييض صفحتها السوداء أمام العالم.
وعقب مسؤولون سياسيون وإعلاميون إسرائيليون، أن الضرر السياسي والإعلامي والقانوني بسبب أقوال «بن غفير» هائل، وأن تفوهاته هي هجوم إعلامي ضخم ويكشف لأسفنا عن وجه الحكومة. وفق قولهم، وجاء ذلك بعد الردود الساخطة على وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التي وصفت النظام الإسرائيلي بـ«الابارتهايد».
تواصل تهديدات الاحتلال وأخذها أشكالًا متنوعة، وغياب المحاسبة الفعلية، والتماهي مع النظام العنصري الإسرائيلي الممتد سيجعل الاحتلال يرتكب المزيد من الجرائم بحق شعبنا، فليس أمامنا كفلسطينيين سوى مواصلة النضال وتصليب المقاومة الشاملة لشعبنا، باعتبارها السبيل الوحيد في ظل الأوضاع الراهنة، للدفاع عن حقوقنا الوطنية، والتصدي لمشاريع الاستيطان والضم الزاحف وسياسات التمييز العنصري والتطهير العرقي الإسرائيلي، إضافة إلى دعم جهود دائرة مناهضة «الأبارتهايد» في (م.ت.ف) التي تعمل على تشكيل جبهة عالمية لمناهضة الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني، والتي تُحضر لعقد مؤتمر دولي لمناهضة الأبارتهايد عبر إشراك المؤسسات الرسمية والغير رسمية والجاليات والسفارات الفلسطينية، ومخاطبة المنظمات الدولية ذات العلاقة.