تحمل هند أبو ريا طفلها الرضيع عطايا (تسعة أشهر) وتسير بجانبها ابنتها إلين (ثلاثة سنوات ونصف) متجهة بسرعة صوب عيادة وكالة دير البلح وسط قطاع غزة؛ لتطعيم أطفالها من شلل الأطفال، فقد بدأت وزارة الصحة في غزة بالتعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين -أونروا- ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسف "حملة التطعيم الطارئة ضد مرض شلل الأطفال في قطاع غزة" لجميع الأطفال أقل من (10 سنوات- مواليد 1 أغسطس 2014 فما بعد).
وكانت وزارة الصحة أكدت انتشار مرض شلل الأطفال فيما سجلت حالات عدة في القطاع، ما أدى لانتشار مخاوف كبيرة لدى النازحين والمواطنين من تفشي المرض ما دفعهم للمطالبة بإدخال التطعيم لإنقاذ الأطفال من هذا الوباء.
وبصعوبة تمكنت الجهات الأممية من إدخال "تطعيم شلل الأطفال" إلى قطاع غزة عقب سماح الاحتلال الإسرائيلي بإدخالها دون أي هدنة إنسانية تذكر سوى أن الاحتلال حدد بعض الأماكن ونقاط طبية معينة كمناطق آمنة لتطعيم الأطفال على مدار 9 أيام بمعدل 3 أيام لكل منطقة من مناطق وسط وشمال وجنوب القطاع، على أن تمتد لمدة 8 ساعات يوميا بين الساعة (6:00 صباحا و14:00 عصرا).
تقف هند أمام طابور طويل من الناس داخل ساحة عيادة الوكالة تنتظر أخذ اللقاح لأطفالها وتقول لمراسل "شمس نيوز": "الخوف الذي سيطر على قلوبنا من انتشار الفايروس بين الأطفال في خيام النزوح هو الذي دفعنا لتطعيم أطفالنا خشية على صحتهم".
وتضيف هند: "منذ اندلاع الحرب وحتى الآن انتشرت العديد من الأمراض المختلفة سواء أمراض جلدية أو أمراض صحية ونفسية"، مستذكرة إصابة طفليها بمرض الجدري؛ إلا أنها تؤكد بأن هذه الأمراض يمكن تجاوزها بسبب توفر بعض الأدوية رغم أنها شحيحة جدًا.
وحاولت هند التوجه مبكرًا إلى عيادة الأونروا لتلقي اللقاح والعودة مبكرًا إلى خيمتها؛ لكنها تفاجأت بعدد كبير من الأهالي ينتظرون مثلها، تقول: "الناس لديها وعي وهي تخشى على أبنائها من الإصابة بهذا المرض الخطير على صحة اطفالها لذلك هناك إقبال كبير على أخذ الجرعة".
وفي زاوية أخرى من ساحة عيادة الوكالة غرب دير البلح يحاول المواطن سيد محمد الدبجي الخروج من بين الصفوف إذ يقول لمراسلنا: "جئت هنا لتطعيم أطفالي خشية من إصابتهم بشلل الأطفال يؤدي إلى سوء حالتهم الصحية للأبد".
وبرر المواطن الدبجي وجوده مبكرًا بين صفوف الأهالي لتطعيم أطفاله في عيادة الوكالة، خشيته من انتهاء التطعيم نظرًا لقلة الأعداد المتوفرة مقارنة بعدد الأطفال في القطاع، ويقول: "أخشى من انتهاء التطعيم ومنع الاحتلال من إدخاله في المرة القادمة لذلك تواجدت مبكرًا لتطعيم أطفالي".
ووجه المواطن الدبجي رسالة للعالم: "يجب أن تتوقف الحرب بأسرع وقت وإنهاء معاناة 2 مليون و200 ألف إنسان في قطاع غزة وإنقاذ الأطفال من أمراض تصيب أجسادهم بشكل مرعب وغريب، نحن نواجه أمراض أول مرة نسمع بها في حياتنا لا سيما الأمراض الجلدية الصعبة".
لا تختلف آية بربخ عن سابقيها كثيرًا فهي توجهت مبكرًا إلى عيادة الوكالة لتطعيم أطفالها خشية من إصابتهم بمرض شلل الأطفال وتقول لمراسلنا: "عندي طفلين بدي أطعمهم وأنا خايفة اكتير من الأمراض التي انتشرت بشكل كبير والتي أصابت أبنائي عشان هيك أنا خايفة وبدي اطعمهم من شلل الأطفال".
تضيف آية: "أتمنى من العالم يطلعوا لأطفالنا والوضع الي إحنا فيه، الأطفال يعانون كثيرًا من الامراض والتلوث وسوء التغذية والنوم بين الحشرات والزواحف وفي خيام أطفالنا ضاعوا يا عالم انقذونا".
وأمام اصطفاف الأهالي خلف بعضهم البعض توجد طاولة صغيرة تحتوي على صندوق بلاستيكي مليء بلقاحات التطعيم من شلل الأطفال، وخلف الطاولة تقف الموظفة إيمان أبو ربيع تطلق ابتسامتها للأطفال من أجل السرعة في تطعيمهم ولمنحهم الامن والأمان.
تقول أبو ربيع وهي موظفة في إحدى المؤسسات الأممية: "الحمد لله هناك إقبال كبير وتفهم واسع من الأهالي بضرورة تطعيم أطفالهم، كنا نخشى ضعف الإقبال بسبب انتشار شائعات عبر الانترنت بخطورة التطعيم".
وأكدت لمراسلنا أن التطعيم لا يضر أي طفل فهو لخدمة أطفالنا وإنقاذهم من تداعيات المرض الخطيرة، مبينة أنها واجهت وجميع العائلات في قطاع غزة صعوبات كبيرة منذ اندلاع الحرب منها صعوبات في مواجهة الأمراض الجلدية الناتجة عن قلة النظافة وشح توفر مواد التنظيف التي يمنع الاحتلال إدخالها متعمدًا".
وتشعر أبو ربيع بمخاوف عدة من بينها خشيتها من انتهاء الجرعة الأولى وعدم سماح الاحتلال بإدخال الكمية الثانية من التطعيم، إضافة إلى أنها تشعر بالخوف جراء استمرار الحرب فهي لا تستطيع الخروج من خيمتها وتقديم المساعدة الصحية للأطفال خشية من القصف والاستهداف الإسرائيلي العشوائي الذي أدى لخروج الكثير من المناطق الآمنة عن الأمان".
ودعت أبو ربيع العالم بضرورة وقف الحرب الإسرائيلية قائلة: "اليوم انتشر مرض شلل الأطفال وقبل فترة من الزمن انتشرت أمراض جلدية خطيرة وإذا استمرت الحرب ربما تنتشر أمراض مختلفة لا نعرفها بسبب نقص المنظفات وسوء التغذية وشح الأدوية وعدم التشخيص الطبي الصحيح".
وكانت مبادرة حملة التطعيم ضد شلل الأطفال جاءت بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 16 أغسطس/ آب الجاري، عقب إعلان وزارة الصحة الفلسطينية تسجيل أول إصابة مؤكدة بفيروس شلل الأطفال في غزة لطفل عمره 10 شهور.