كانت عيناه تشتعل غضبًا ويُشيح بذراعه عاليًا وهو يصرخ بأعلى صوته: "بدك العمولة ولا راتبي؟"، ثم ضج المكان حول الموظف محمد المملوك الذي حاول الحصول على راتبه ليتمكن من إطعام أطفاله الصغار تزامنًا مع اشتداد المجاعة وارتفاع أسعار السلع والمنتجات الزراعية بشكل جنوني جنوب قطاع غزة، إلا أنه عاد بـ"خفي حنين".
بكل برودة أعصاب أجابه الصراف -المتعجرف- فيما يجلس خلف طاولته المستديرة: "العمولة بـ 25% بدك أهلًا وسهلًا ما بدك شوف غيري"، رد شخصٌ آخر على يمين المملوك: "بس هادي ربا!"؛ فنظر إليه الصراف من تحت نظاراته قائلًا: "غيري بسحب المصاري وعليها 30% عمولة، الله يسهل عليك يا عم".
وأضاف المملوك بحالة من الغضب: "يريدني الصراف بسبب رفع العمولة إلى 30% أن أخسر من راتبي 600 شيكل، هذا المبلغ الذي خسرته عنوة من هؤلاء الصرافين الربويين، أبنائي وأطفالي أبدا فيه منهم، سأحاسبهم جميعًا أمام الله -عز وجل-".
وفي زاوية أخرى من سوق دير البلح وسط القطاع تقف السيدة "أم يوسف المحتسب" بحالة مزرية، فيما تمتلئ عينيها بالدموع تقول لمراسل "شمس نيوز": "تلقيت مساعدة بسيطة من إحدى المؤسسات الخيرية خارج البلد لشراء ما تحتاج ابنتي وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لكن أمام ارتفاع العمولة لم أتمكن من سحب المساعدة".
رفعت السيدة أم يوسف كفيها إلى السماء تشتكي إلى -الله تعالى- سوء حالنا وتقول: "منكو لله.. مش بكفي الموت اللي إحنا بنموتو كل يوم، عشان تلاحقونا بلقمتنا!"، "الله ينتقم منكم هادي ربا واستغلال لحاجة الناس والفقراء".
وفي السياق ذاته لم يتوقع أبو أحمد محمدين، الذي عمت خيمته بالفرح والسرور عندما علم بصرف الرواتب ووصولها إلى الصراف، أن فرحته سرعان ما تنتهي بصفعة قوية من صراف -متعجرف-، إذ قال لمراسلنا: "وصل الحال بنا إلى الفقر المدقع ولم نتمكن من شراء الخضروات منذ أكثر من شهر، وعندما علمت بوصول الراتب وعدت أطفالي بشراء بعضًا من حبات الخضروات".
وذهب محمدين كما قال لمراسلنا إلى الصراف مبتسمًا أجابه الصراف بكل برودة أعصاب: "نأخذ عمولة 30% من الراتب"، وسرعان ما تغيرت حالة محمدين إلى الغضب، قائلًا: "أنا بعرف انه الصراف بطلب عمولة من (10% إلى 15% أما 30%) شعرت بصدمة قوية وعدت إلى البيت دون أن أشتري لأطفالي بعضًا من الخضروات".
لم يستطيع محمدين من كسر خاطر أطفاله، فبحث عبر مواقع الانترنت ليجد صرافًا آخر على منصة "فيسبوك" كاتبًا: "كاش مقابل 25% عمولة"، أشار إلى أن الموجود حاليًا صعب جدًا لكن الواقع يفرض علينا التعامل وردد -حسبنا الله ونعم الوكيل-.
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
لا يختلف أمر المواطن أبو محمود مسلم كثيرًا عن سابقيه إذ قال: "غريب أمركم يا صرافين، النسبة كانت 3% رفعتم النسبة لـ 7% والآن وصلت العمولة لـ 30% أرحمونا يا عالم مش هيك، إحنا شعب واحد، شعب معذب ومضطهد ونازح، خلونا نقف مع بعض ونشد أزر بعض، فوالله مال الحرب للحرب".
وفيما يخص شكاوى المواطنين في قطاع غزة من ارتفاع العمولة مقابل تحويل السيولة النقدية وما هي المعطيات المتوفرة لدى سلطة النقد حول هذا الموضوع، أفادت سلطة النقد أنها تشدد على أن المصارف المرخصة لا تستوفي أية عمولات على السحب النقدي أو على تنفيذ المعاملات الإلكترونية في القطاع وتنظر إلى قيام بعض الجهات باستيفاء عمولة من أي مواطن إنما هو نوع من أنواع الابتزاز المرفوض وهو إجراء مخالف للقوانين.
ويعيش الفلسطينيون في قطاع غزة ظروفًا استثنائية صعبة جدًا نتيجة استمرار حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" منذ أكثر من 401 يوم على التوالي، حيث دمرت خلالها "إسرائيل" معظم البنوك والمصارف؛ ما أدى إلى لجوء الآلاف من الأسر إلى الصرافين سواء في المكاتب أو المتجولين؛ ما جعل غالبيتهم يستغل حاجة الناس؛ فيرفع من سقف العمولة لتصل إلى 30٪ وأكثر من ذلك.