قررت القوات المسلحة الألمانية، في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخها، توظيف أئمة ودعاة لمساعدة الجنود المسلمين ضمن الجيش على أداء شعائرهم التعبدية وتثقيفهم دينيًا، بحسب صحيفة “بيلد” الألمانية. وأفادت الصحيفة أن وزارة الدفاع الألمانية وثقت الخبر، لافتة أن الحاجة إلى الأئمة ضمن صفوف الجيش ترجع لوجود واحد من كل خمسة جنود من المهاجرين ينتمي إلى الدين الإسلامي بشكل عام؛ وهو ما يشير إلى تزايد عددهم في صفوف الجيش.
وأشارت الصحيفة إلى صعوبة إيجاد أئمة “بسبب تشعب الإسلام إلى طوائف ومذاهب”، لافتةً إلى إنشاء مركز استشاري للجنود الذين ينتمون لديانات مختلفة في مدينة “كوبلنس” بمقاطعة راينلاند بالاتينات، غربي البلاد. وأفاد البيان، الصادر عن وزارة الدفاع، أنه يحق لكل جندي أن يحصل على مساعدة حول أداء عباداته الدينية التي لا تزعج الآخرين.
وقالت دراسة صادرة عن المركز الألماني للإعلام، التابع لوزارة الخارجية، بعنوان “حياة المسلمين في ألمانيا”، إن المخطط تنفيذ اندماج المسلمين بدلًا من الانعزال. وأضافت الدراسة أنه رغم أوجه النقص في مجال التعليم وتطوره، فإن دراسة للمكتب الاتحادي للمهاجرين واللاجئين بعنوان “حياة المسلمين في ألمانيا” أوضحت أن الاندماج الاجتماعي للمسلمين أفضل كثيرًا من صورته النمطية.
وبتكليف من “مؤتمر الإسلام” الألماني، تم في عام 2008 استطلاع آراء أشخاص ينحدرون من عدة بلدان إسلامية في إطار دراسة مثلت جميع أنحاء ألمانيا وأُجريت لصالح المكتب الألماني للاندماج واللاجئين، وتستند الدراسة على معلومات عن 17 ألف شخص، وتدور حول الانتماء الديني؛ أكدت نتائجها أن قرابة 4 ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا، ومن ثم؛ فإن المسلمين يشكلون جزءًا مقداره نحو 5% من سكان ألمانيا، وقرابة ربع الأشخاص المنحدرين من أصول مهاجرة في ألمانيا، أما أكبر طائفة منهم فهي من السنة بنسبة 74%، يليها العلويون بنسبة 13%، ثم الشيعة بنسبة 7%.
وتشير الأرقام -حسب الدراسة- إلى أن قرابة 45% من المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا وينحدرون من أصول مهاجرة يحملون الجنسية الألمانية، وما يقرب من 2.6 مليون منهم ينحدرون من تركيا، بينما يبلغ تعداد المنحدرين من دول جنوب شرق أوروبا كالبوسنة والهرسك وبلغاريا وألبانيا 550 ألف شخص، أما ثالث أكبر جالية مسلمة في ألمانيا فيبلغ تعدادها 330 ألف مهاجر من بلدان منطقة الشرق الأوسط كلبنان والعراق ومصر وسوريا.
وعدد المهاجرين المنحدرين من بلدان شمال إفريقيا، من المغرب في المقام الأول، فيصل إلى 280 ألف مسلم يعيشون في ألمانيا. أما الجزء المتبقي فيشكله المسلمون المهاجرون من دول آسيا الوسطى/ رابطة الدول المستقلة وإيران وجنوب شرق آسيا وباقي الدول الإفريقية، إضافة إلى ذلك يتضح أن الكثير من الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة من هذه البلدان هم من غير المسلمين؛ فعلى سبيل المثال، لا ينتمي 40% من مهاجري إيران إلى أي من الديانات، ومن بلدان أخرى تسكنها أغلبية مسلمة كالعراق كانت هجرة الأقليات الدينية كبيرة، ولذلك السبب؛ لا يمكن الاستدلال بشكل تلقائي على دين المهاجرين المقيمين في ألمانيا من التركيبة الدينية لبلدانهم الأصلية.
وقالت الدراسة إن الغالبية العظمى من المسلمين في المانيا متدينون إلى حد كبير؛ فالتدين يميز بشكل خاص المسلمين من أصول تركية أو أولئك المنحدرين من بلدان إفريقية. وفي ممارسة الشعائر الدينية اليومية كالصلاة والاحتفال بالأعياد الدينية والالتزام بالتعاليم الدينية المتعلقة بالأطعمة الحلال والصيام، توجد هناك اختلافات كبيرة بحسب المنطقة التي ينحدر منها المهاجرون المسلمون، وبحسب الطائفة، وبنسبة الثلث يتوزع عدد المسلمين إلى ثلاث مجموعات: الأولى تؤم المسجد بشكل متكرر والثانية بشكل نادر والثالثة لا تقصده على الإطلاق، وعلى الرغم من أن التدين والممارسات العبادية واضحة بشكل كبير عند المسلمين؛ إلا أن عضويتهم في الاتحادات والروابط الدينية نادرة نسبيًا (20%).
وطبقًا للدراسة، فإن الغالبية العظمى من المهاجرين من بلدان إسلامية (بنسبة 80%) يمتلكون دخلًا مكتسبًا خاصًا بهم كدخل أساسي، أما النسبة العالية جدًا في المستقلين وظيفيًا، التي تتراوح بين 20 و34%، فتظهر استعدادهم لتكفل نفقاتهم الحياتية بنفسهم، والاعتماد على المساعدات الحكومية يظهر بشكل خاص في مستويات التعليم العالية والمنخفضة جدًا، لكن في الوقت نفسه يتضح أنه حتى المهاجرين من دون شهادة دراسية مندمجون في سوق العمل بشكل كبير.
ورصدت الدراسة معدل الاندماج بين المسلمين، وقالت إنه بدأ يحقق بعض الخطوات؛ فبالنسبة للمهاجرين المسلمين من أصل تركي في ألمانيا أوضحت مختلف الدراسات أنه بالنسبة إلى اندماجهم في المجال الهيكلي، كالحصول على تحصيل دراسي والمكانة في سوق العمل على سبيل المثال، يأتون بعد جاليات المهاجرين من قوميات أخرى من دول العمال الضيوف في منطقة جنوب أوروبا أو المهاجرين من هذه الدول.
لكن نتائج الدراسة تظهر بشكل تكميلي أن المهاجرين من أصول تركية يحتلون مرتبة سيئة نسبيًا في مجال التعليم، أيضًا مقارنة بالمهاجرين من دول يشكل المسلمون غالبية سكانها، ويتضح هذا الأمر بشكل خاص من خلال التقديرات السيئة للغاية للنساء التركيات من جيل المهاجرين الأول. ومع مرور الأجيال، يبرز بشكل عام ارتقاء مستوى التعليم بشكل واضح، بين النساء في المقام الأول. كما أن فرصة استخدام المؤهلات المكتسبة في سوق العمل موجودة لدى جزء ليس بالقليل من المهاجرين.
ونقلت الدراسة عن وزير الداخلية الألماني، فولفغانغ شويبله، قوله إن “مؤتمر الإسلام” قطع شوطًا كبيرًا في تحقيق أهدافه، لاسيما في إطار تقبل الآخر والأحكام المسبقة؛ وأن هدفه يتجلى في المساواة بين الإسلام والديانات الأخرى في ألمانيا، وأضاف أن: “الاندماج أولوية من أولويات مؤسسات المجتمع المدني”.
وقامت 8 مؤسسات ألمانية كبيرة بتأسيس مجلس جديد يضم خبراء في شؤون الاندماج والهجرة. وقد أحدثت هذه الخطوة صدى طيبًا لدى الحكومة، وفي مختلف الولايات الألمانية؛ وأكد سياسيو الحكومة الائتلافية الألمانية في قمة الاندماج الثالثة وجود “حالة تحوّل واسعة النطاق في سياسة شؤون الاندماج في جميع أرجاء ألمانيا”.