شمس نيوز / عبدالله عبيد
تتابع النكبات وتتوالى الويلات على أهالي قطاع غزة المدمر، فمن حصار جاوز عمره الثمانية أعوام وتشتد وطأته يوماً بعد يوم، إلى سلسلة حروب أتت على الأخضر واليابس، وقتلت الصغير والكبير، إلى ظلم ذوي القربى بحفر الأخاديد المائية، وعدم ادخار أي وسيلة لإعدام مليوني مواطن ببطء، ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، البحر من أمامهم والعدو خلفهم..
لم يكن أمام الغزيين بعد أن أغلقت مصر الأبواب في وجوههم وشاركت إسرائيل في حصارهم بإغلاقها المتنفس الوحيد "معبر رفح البري"، سوى البحث عن حياة أخرى تحت الأرض من خلال حفر الأنفاق ليقتاتوا منها، إلا أن "سلطات النظام المصري" قد حجبت شعاع النور عن الغرفة المظلمة، من خلال هدمها لمعظم الأنفاق الحدودية في رفح.
وبدأ الجيش المصري في أكتوبر الماضي مشروعا يهدف لإقامة منطقة عازلة على الحدود مع غزة، بدأ بتدمير مئات المنازل المصرية، ومن ثم بدأ في مشروع الخندق المائي الذي يسعى من خلاله إلى هدم الأنفاق بشكل كامل.
وتسببت المياه التي ضخها الجيش المصري بانهيار الأنفاق في منطقة رفح جنوب قطاع غزة، وسط تخوفات من أن تؤثر المياه المالحة التي واصل المصريون ضخها على التربة والخزان المائي الجوفي.
تخوفات المواطنون
عدد من السكان الذين يقطنون في المنطقة الحدودية برفح وأصحاب الأنفاق التي لا تزال تعمل، أعربوا عن تخوفهم الشديد من تلك الخطوة والتي تسببت بانهيار التربة، مما يؤدي إلى تدمير المنازل.
مؤمن الهمص، أحد المواطنين الذين يقطنون بالقرب من المنطقة الحدودية برفح، أشار إلى أن مشروع الخندق المائي يسبب مشاكل كثيرة في المكان الذي يسكنه، منها تدمير المنازل، نتيجة انهيار التربة.
ولفت الهمص في حديثه لـ"شمس نيوز" إلى أن برك المياه بعيدة عن المنطقة التي يقيم فيها نحو كيلو ونصف الكيلو متر فقط، موضحاً أن الحدود التي تطل على الجهة التي يسكن بها أصبحت عبارة عن مجرى مياه.
وقال مستغربا: إلى متى ستبقى مصر تحاصرنا؟ فهي أغلقت المعبر الوحيد في غزة ومن ثم هدمت البيوت التي تقع على المناطق الحدودية ومن ثم لاحقت أصحاب الأنفاق وأغلقتها جميعاً!!".
وأضاف المواطن الهمص: برك المياه هذه ستزيد من ملوحة الماء وبذلك كل مياه رفح ستكون مالحة بدرجة كبيرة لأنها تضخ من البحر، ناهيك عن الأراضي الزراعية التي ستنهار بالإضافة إلى المياه التي ستصل تلك الأراضي وتعمل على تدمير الزراعة والمحاصيل الزراعية".
تدمير الأنفاق
وكانت بلدية مدينة رفح دعت جمهورية مصر العربية إلى التراجع عن قرار ضخ المياه في الخندق المائي على الحدود مع قطاع غزة، موضحة أن ضخ المياه سيعرض مباني المواطنين القريبة من الحدود لخطر الانهيار المفاجئ، بما يشكل خطورة فعلية على حياتهم.
ليقول (م.خ) صاحب نفق تم تدميره، إن رفح قد انعدمت من الأنفاق بشكل كامل، بعد ضخ السلطات المصرية المياه عبر الخنادق التي أقامتها في المنطقة الحدودية".
وأضاف (م.خ) لـ"شمس نيوز": أنفاق رفح على الشريط الحدودي تدمرت بالكامل، وأتوقع تدمير المنازل الواقعة في المنطقة خلال الأيام القادمة"، لافتاً إلى أن هدم الأنفاق قد حرم عمالا كثيرين من مصدر رزقهم".
عقوبة جماعية
ومنذ أكتوبر/ تشرين أول الماضي، تعمل السلطات المصرية على إنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وتحديدا في مدينة رفح، وبعرض 2 كيلومتر من أجل "مكافحة الإرهاب" كما تقول السلطات المصرية.
ليوضح المحلل السياسي، وليد المدلل أن الخنادق المائية ما هي إلا استكمال لحلقات حصار قطاع غزة، مستبعداً أن يكون لها علاقة بالأمن المصري، حسب إدعاء السلطات المصرية.
وقال المدلل لـ"شمس نيوز": لا يمكن أن يتحقق الأمن لمصر، من خلال تدمير البيئة المصرية والفلسطينية المجاورة لها، أو تدمير فرص العيش بغزة"، جازماً تأكيده أن ما يحدث ليس له علاقة بقضية الأمن"، بل العكس إن ما يحدث هو تخريب للأمن المصري ووضعه في مهب الريح".
وشدد على أن هذا المشروع "انتهاك صارخ للقانون الدولي باعتباره اعتداء على البيئة"، لافتاً إلى أن الحكومة المصرية ذاهبة إلى أبعد حد في عداوتها للشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وأضاف المحلل السياسي: هذه الترتيبات التي توصف بأنها أمنية تمثل عقوبة جماعية للشعب في قطاع غزة، يدفع ثمنها كل إنسان فلسطيني يعيش في غزة".
قنبلة نووية
وحذر مسؤولون حكوميون فلسطينيون في قطاع غزة، من خطورة إقدام السلطات المصرية على حفر قناة مائية على الحدود بين القطاع ومصر.
ليبيّن المهندس مازن البنا، نائب رئيس سلطة المياه في قطاع غزة، أن النتائج المخبرية لهذه المياه أشارت إلى أنها مياه شديدة الملوحة مجموع الأملاح الذائبة فيها 28 ألف مليجرام في اللتر وهي تقترب من مياه البحر، وهي أضعاف مضاعفة من تركيز مياه الشرب، مبينا أنه في حال وصولها إلى الخزان الجوفي ستعمل على تدميره وسيصبح غير صالح للاستخدام.
وأشار البنا متحدثا لـ"شمس نيوز"، إلى إمكانية تسبب هذه الخنادق بتدمير الأمن المائي في غزة، وتدمير قطاع الزراعة؛ لأن آبارا زراعية ستدمر بالكامل، وستتلف آبار البلديات، وبالتالي سيعطش الفلسطيني داخل محافظة رفح وقد ينتشر هذا ليصل إلى خان يونس، بحسب اعتقاده.
ولفت إلى أن المياه حتى اللحظة تسببت بانهيارات في التربة بسبب وجود الأنفاق، منبهاً إلى خطورة انهيار المباني السكنية والطرق والبنى التحتية فيما يخص شبكات المياه وشبكات الصرف الصحي.
وحذر البنا أيضاً من هجرة سكان الشريط الحدودي لمنازلهم، خاصة من مخيمات اللاجئين كون الانهيارات تهدد حياتهم، واصفاً هذا المشروع بأنه "قنبلة نووية".
ومن الناحية القانونية، أوضح نائب رئيس سلطة المياه أنه على الرغم من كون هذا المشروع داخل الأراضي المصرية، ولكنه يؤثر على الخزان الجوفي المشترك بين الأراضي الفلسطينية والمصرية "فهو مخالف للقانون الدولي وللقواعد الدولية المنصوص عليها" مطالبا الأمم المتحدة ومؤسساتها ومنظماتها المعنية بشئون البيئة أن تتدخل بشكل سريع وعاجل لوقف هذا المشروع.
ومنذ عزل الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بمصر، في يوليو/ تموز 2013، وما أعقب ذلك من هجمات استهدفت مقارًا أمنية في شبه جزيرة سيناء المتاخمة للحدود مع قطاع غزة، شددت السلطات المصرية من إجراءاتها الأمنية على حدودها البرية والبحرية مع القطاع، حيث طالت تلك الإجراءات حركة أنفاق التهريب المنتشرة على طول الحدود المشتركة، مع إغلاق معبر رفح البري وفتحه استثنائياً على فترات زمنية متباعدة لسفر الحالات الإنسانية من المرضى والطلبة وأصحاب الإقامات والجنسيات الأجنبية.