شمس نيوز/أحلام الفالح
في أحد محلات السوبر ماركت وسط مدينة غزة، لمحت صبيا لا يتجاوز الـ14 من عمره، يحاول إخفاء بعض المعلبات في حقيبته بعد أن سرقها، كان شعور الخجل متبادلا بيننا، خجل الصبي عندما رآني أنظر إليه، فوقف في مكانه وصوته يرتجف، ليتمتم بالقول "والله العظيم نفسي أتوب"، سألته ما اسمك؟ قال: حسن، ثم سألته لماذا تسرق يا حسن؟ ليجيب بكل جرأة "أبي بخيل"، ماذا تقصد بأبي بخيل؟.. يعني بطعمناش، بلبسناش، بيفسحناش، بيشتري لنفسه علبة العصير واحنا ما بشتري لنا، أمي بتبكي كثير وأنا ما يهون عليّ أمي تبكي".
أخذت أحدَّث نفسي: كيف ذلك؟ ما أقسى قلب ذلك الأب!! لا يستحق أن يكون أبا، سألت حسن: كيف عايشين؟ قال: زي هيك، قلت: له هل تأخذون كابونة, رد بحرقة: والدي يبيعها ..لم أعرف ماذا أقول له غير حرام السرقة يا حسن، بسرعة أجاب "يعني راح أروح النار؟".
هذه قصة واقعية حدثت مع الفتاة وعد أبو زاهر وطفل في أحد المحال التجارية بغزة، وهي مثال لكثير من الحكايات المشابهة التي يتسبب بها آباء نزعت من قلوبهم الشفقة على أبنائهم، حتى صار البخل سمة من سماتهم.. ليلجأ الأبناء إلى السرقة ليشبعوا رغباتهم.
طفل يكره عودة أبيه إلى المنزل، وآخر يحاول النوم قبل عودته، وغيره يتجول عند أقربائه في وقت الطعام ليتناوله معهم ويشعر بالجو الأسري المحروم منه، وآخر يحاول الاختباء في المحال التجارية لسرقة بعض المعلبات.. وفي المقابل أب بخيل يملأ بطنه بالطعام الجاهز وينسى أطفاله محرومين من قطعة خبز بسبب أنانيته.
أبي بخيل
اشتكت ابنة المواطن محمد.م لـ"شمس نيوز" من بخل والدها الذي يجني كل نهاية شهر مبلغا كبيرا كونه يعمل موظفا عسكريا في السلطة الفلسطينية، وعدم جلبه الطعام للمنزل إلا نادرا.
وأوضحت أنها وإخوانها الستة يعانون شح الطعام في المنزل وعدم توفره إلا مرات قليلة جراء بخل والدها وعدم شرائه لأساسيات الحياة، ويحاولون الحصول على ما يقيم أصلابهم من الأقارب، أو بسرقة بعض الطعام المعلب من محلات تجارية دون علم أحد، نظراً إلى بيات معظم لياليهم جياعا.
وأضافت أن والدتها تشترك مع الأب الذي يتركهم ينامون ليحضر الطعام الجاهز الذي لا يستطيعون إلا أن يشتموا رائحته في الشارع عند مرورهم من جانب المطعم، ورؤية بقاياه في المطبخ عند استيقاظهم، هذا التصرف الذي يسبب لهم جرحا نفسيا عميقا، انعكس بالسلب على اخوتها الذين يحلمون بالقليل من الطعام.
لا أعلم أين يذهب ماله
وبدموع باكيةٍ على أطفالها، تحدثت زوجة المواطن خضر زياد-اسم مختصر- عن بخل زوجها الذي يعمل صيادا، دون علمها أين يصرف ماله خاصة أنه لا يلبي احتياجات منزله، ويهتم بمصروفه الشخصي من طعام وشراب ودخان خارج المنزل.
وأضافت: لدي من الأبناء ثلاثة أولاد وأربعة بنات واحتياجاتهم كثيرة، ووالدهم لا يهتم لأمر أحد منهم، جدهم يحضر لهم بعض الطعام في كثير من الأحيان ليعوض فشل ابنه في الحياة الأسرية، واستهتار زوجي في مسؤوليته عن أبنائه يسبب الكثير من المشاكل مع أبيه.
صفة مذمومة
المتخصص النفساني والاجتماعي د.درداح الشاعر يرى أن طبيعة النفس البشرية تعبر عن الكرم والإيثار وتفضيل الغير، والبخل صفة ذميمة وشكل من أشكال الأنانية والافتتان بالذات، وتتعلق بخوف الإنسان على نفسه ومستقبله.
وقال الشاعر إن "حرمان الأب لأبنائه من حاجاتهم المادية يعني حرمانهم من حاجاتهم النفسية، بالتالي لن يكون هناك مشاعر والديّة، مما يُفقد الأب وظيفته التربوية، والأبناء يعيشون في حالة من القلق والتوتر والتأزم النفسي وكأن ليس لهم أباً.
وأضاف أنه على الأم أن تأخذ من مال الزوج ما يكفي أبناءها، لكن دون إسراف، ويجب على الأم أن تجلس مع زوجها في لحظات الصفاء تتدارس معه الأوضاع، وتبين له أن الأبناء هم أغلى ما يملك في الحياة الدنيا، وعليه أن يقدم حاجات أبنائه وكل ما يساعد على بره مستقبلاً، لأنه إذا فقد أبناءه صغاراً سيفقدهم في كبره.
وأشار د. الشاعر إلى ضرورة التخلص من ظاهرة البخل عند الأب من خلال تقديم نماذج من البخلاء وما يسبب ذلك من مساوئ على النفس البشرية عند الآخرين، والحديث عن محبة الناس له وكراهيتهم، ليدرك الانسان مخاطر بخله على النفس.
ونوًّه إلى أن الوالد البخيل إنما يبخل على نفسه،ومن يبخل على أولاده اليوم سيؤدي إلى بخلهم عليه مستقبلاً، وإن أكرمهم وهم صغار سيكرمونه في الكبر، حيث قال تعالى "إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها وما ربك بظلاّم للعبيد".
وصدق الشاعر حين قال: ليس اليتيم من انتهى ابواه من هم الحياة وخلفاه ذليلاً ...إن اليتيم هو الذي تلقى له أماً تخلت أو أباً مشغولا.