غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الحفريات وهيئات الهيكل.. عدوان مستمر ضد الأقصى

بقلم: صالح لطفي

يعيش المسجد الأقصى المبارك في السنوات الأخيرة حربا صامتة لا هوادة فيها مع المؤسسة الإسرائيلية على مختلف أذرعها ونشاطاتها سواء كانت هذه الأجهزة رسمية أو منبثقة مباشرة عن مؤسسات تتبع الحكومة الإسرائيلية أو منظمات وهيئات مدنية صهيونية علمانية أو دينية صهيونية أو حاريدية صهيونية، وسواء تمولت من الحكومة الإسرائيلية أو من مؤسسات صهيونية وصهيونية مسيحيانية عالمية.

ومنذ حظر الحركة الإسلامية والمؤسسات والهيئات الفاعلة من أجل المسجد الأقصى المبارك يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ازداد تغول هذه الأذرع ليصل إلى حد الوقاحة التي صدرت عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عشية عيد الفصح من أن اليهود يدخلون الأقصى دون خوف أو وجل وذلك بفضل سياسات التعاون مع الأردن وحظر الحركة الإسلامية.

ونعالج قضيتين حاضرتين غائبتين في موضوع المسجد الأقصى: دور هيئات ما يسمى جبل الهيكل في التخطيط الذكي والصبور لإقامة هيكلهم المزعوم من منطلق سياسات الأمر الواقع برسم القوة والغلبة، والحفريات تحت المسجد الأقصى كسلاح علمي أركيولوجي يسعون لإثبات حقهم المزعوم عمليا، بعدئذ تعرضت رواياتهم الدينية للكثير من الاهتزاز العلمي على مستويات الرواية الدينية، وعلى مستويات التفسيرات اللاهوتية التي شرعت تخضع في العقود الأخيرة للفعلين السياسي والأيديولوجي الصهيوني.

في الـ13 من الشهر الجاري أرسل نتنياهو رسالة شديدة اللهجة ومليئة بالعلو والصلف إلى الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، يحتج فيها على دعم بلاده لقرار اليونسكو الذي تبنى قرارا لا يعترف بوجود أي علاقة لليهود بموقع المسجد الأقصى بناء على اقتراح من ممثلين لعدد من الدول العربية، وفق ما ذكر موقع القناة العبرية الثانية، معتبرا هذا الدعم "مهزلة تاريخية" وأنه "منحاز للتطرف" وأن مطالب المسلمين كحق خالص لهم في المسجد الأقصى تطرف يجب أن يحارَب.

مما ورد في نص الرسالة " التأييد الدولي لجهود الفلسطينيين بتكذيب التاريخ اليهودي والإبقاء على أسطورة العدوان اليهودي في المسجد الأقصى (قضية) ليست غير أخلاقية فحسب، وإنما خطيرة جدا". 

هكذا وبكل صلف يعتبر نتنياهو ما يجري من اعتداءات يومية على المصلين أمام الكاميرات وبالبث المباشر أسطورة. وقد دفعت رسالته رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس إلى الاعتذار، معتبرا ما فعلته بلاده بأنه قرار "مؤسف ومحرج".

هذه الرسالة توضح لنا الأبعاد الأخلاقية والسياسية المتوشحة بالأيديولوجيا والتاريخ والقوة التي يوظفها نتنياهو ومعسكر اليمين من أجل فرض السيطرة على المسجد الأقصى تمهيدا لتقسيمه في المرحلة الأولى ومن ثم بناء الهيكل المزعوم مكان قبة الصخرة المشرفة.

دخول الصهيوني يهودا جيلك إلى كنيست إسرائيل مؤخرا، بدلا من موشيه يعلون المستقيل من حزب الليكود على خلفيات صراع قيمي أخلاقي في العلاقة بين السياسة والعسكرة، سيكون تحديا آخر للمسلمين عموما ولأبناء الشعب الفلسطيني. فقد صرح فور دخوله أنه سيكون الممثل لجماعات الهيكل ولقضيته داخل الكنيست وفي مختلف الأروقة، وبذلك يضاف إلى جوقة الصهاينة الرسميين المنادين باقتحامات الأقصى شخص آخر مع فارق بسيط، إذ يدعو جيلك فورا إلى تقسيم المسجد الأقصى والشروع ببناء معبد لليهود بزعم حقهم التوراتي وموافقة الكثير من دول العالم على هذا الطرح.

ويلاحظ في العقود الثلاثة الأخيرة تراجع حاد في مواقف حاخامات إسرائيل فيما يتعلق بـ"دخول المسجد الأقصى والصلاة فيه" بالذات من المدرسة الدينية الصهيونية "مدرسة الراب كوك"؛ فبعد أن كانت فتاوى الرامبام والرامبان تتصدر المشهد السياسي الديني في إسرائيل فيما يتعلق بحرمة دخول المسجد الأقصى، باتت المدارس الدينية على مختلف توجهاتها، إلا بعض المدارس الدينية الحاريدية الأرثوذكسية (الحاخامية السفارادية والليتوانية الإشكنازية) تقول بجواز دخول المسجد الأقصى دون الوصول أو النظر إلى قبة الصخرة، حيث يعتقد أنها مكان معبدهم (الهيكل) بحجة معرفتهم الدقيقة لمكان الهيكل. 

ومن أمثال هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الحاخامات: حاييم دروكمان وداف ليئور وناحوم اليعازر رابينوفتش واليعازر فيلدمان ودافيد دوكوفيتش، وجميعهم من الحركة الدينية الصهيونية.

تعمل هذه الجمعات على تحقيق مجموعة من الأهداف ضمن خطة موزعة الأهداف والغايات، وتقسم عمليا إلى أهداف عامة وخاصة. أما الأهداف العامة المعلن عنها في نشرات هذه الهيئات فيمكننا تلخيصها بما يلي: بناء الهيكل، دفع موضوع الهيكل ليكون المحور الثقافي والتربوي في المجتمع الإسرائيلي، العمل على تحقيق السماح العلني لليهود للصلاة في ساحات المسجد الأقصى، العمل على "تخليص جبل الهيكل من المحتل المسلم"، التركيز على تجهيز وتحضير أدوات العبادة الضرورية لتأدية الطقوس الدينية في الهيكل.

وبناء على ما سبق فهناك أهداف كبيرة وأخرى متوسطة وثالثة تمهيدية. الهدف الكبير يتمثل في بناء الهيكل على منطقة قبة الصخرة، والهدف الوسيط هو إعداد المجتمع الإسرائيلي تربويا وثقافيا وذهنيا من أجل الاقتناع أولا بضرورة الصعود إلى المسجد الأقصى "جبل الهيكل" عبر تحطيم تابو فتاوى الحاخامات الحاريدية المبنية على أقوال الرامبام والرمبان، ومن ثم الدفع بعجلة بناء الهيكل الثالث مكان قبة الصخرة والصلاة فيه. أما الهدف الثالث فيتمثل في إعداد الحاخامات وسدنة وخدمة الهيكل.

يعتقد الحاخامات وكافة المدارس الدينية أن مكان الهيكل يقع بالضبط مكان قبة الصخرة، حيث ساحة الصخرة، مع اختلافات فيما بينهم في مساحته، إذ يعتقدون أن الـ"صخرة الأساس (إيفن هشتاياه) التي تعتبر عندهم الركن الأساس للهيكل موجودة في داخل قبة الصخرة، حيث المغارة".

تشير الإحصائيات التي يعكف كاتب هذه السطور على دراستها المتعلقة بالهيئات الناشطة والفاعلة من أجل الهيكل إلى وجود ما يقارب 53 هيئة تعمل من أجل بناء الهيكل، وتنقسم هذه الهيئات من حيث العمل إلى عدة أقسام، حيث يتم تقسيم الأدوار بشكل دقيق ومرسوم بين هذه الهيئات التي تتمول بمئات الملايين من الدولارات سنويا لتنفيذ أجنداتها ونشاطاتها التي تنقسم ما بين السياسي والثقافي والإعلامي والتربوي والعلمي البحثي والعملياتي (الاقتحامات) وتأسيس وبناء المتطلبات الدينية وفقا لأحكام التوراة لبناء الهيكل. 

وعلى سبيل المثال لا الحصر: ملابس الكهنة، التدريب على قيام الكهنة بأعمالهم، الصخور التي سيبنى منها الهيكل، البقرة الحمراء التي بذبحها وحرقها ونثرها سيسمح لليهود بدخول المعبد، الذبح العادي، الأبخرة وأنواعها التي يجب أن تستعمل، آنية الأبخرة.

في هذا السياق، ثمة تماه مطلق بين الحكومة الإسرائيلية وهذه المجموعات الناشطة، وتقوم الحكومة بتمويل العديد من هذه المؤسسات والحركات والمعاهد، وتهيئ الطريق لجلب الأموال من يهود الشتات من أجل تحقيق غاياتهم، وقد نجحت هذه المجموعات باختراق حزب الليكود، وهناك العشرات من النواب في الكنيست الإسرائيلي ممن يدعمون علنا فكرة بناء الهيكل إلى جانب قبة الصخرة، وآخرون لا يترددون في المطالبة بهدم مسجد قبة الصخرة وبناء الهيكل الثالث.

وقد بدأت الحفريات في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى قبل قرابة 155 عاما، ولكنها أخذت دفعات قوية بعد احتلال إسرائيل للقدس والبلدة القديمة، إذ تعتبر إسرائيل علم الآثار وبالتالي الحفريات جزءا أساسيا من مباحث هويتها.

في حقل الحفريات يعمل أكثر من جسم وهيئة، فهناك الحكومة الإسرائيلية والجامعات والمؤسسات الدينية وهناك شركات خاصة، ولكن الجميع يعمل تحت مظلة الدولة ورعايتها وعلمها المسبق بكل ما يجري من حفريات. وفي السنوات الأخيرة يتم رصد هذه الحفريات وإخراج ما يريدونه منها للعلن خاصة ما يرون أنه يخدم أجنداتهم المتعلقة بحقهم الديني المزعوم.

علم الآثار "الإسرائيلي التوراتي" لا يمكن فصله عن السياسة فهو مجند بالمطلق من أجل تأكيد الرواية الإسرائيلية في حقهم على هذه الأرض وفي القلب منها القدس والمسجد الأقصى المبارك، وما لم تحققه إسرائيل بالسياسة تحققه من خلال علم الآثار لتتم عملية التهويد وانتهاك التاريخ وتزويره برسم القوة والحمايات الدولية.

لم تتورع المؤسسة الإسرائيلية منذ احتلالها للقدس والمسجد الأقصى عن ممارسة التدمير المنهجي للآثار الإسلامية المكتشفة من جراء الحفريات في محيط وأسفل المسجد الأقصى بعد أن أذهلهم حجم الآثار الإسلامية وفنها المتقن، وهو ما دعا بعد أكثر من أربعين عاما على الحفريات مجموعة من علماء الآثار الإسرائيليين إلى قول الحقيقة التي أربكت المؤسسات الإسرائيلية العلمية والرسمية وغير الرسمية التي حفرت على مدار عقود، والتي كلما تعمقت في طبقات الأرض ازدادت الاكتشافات الأثرية الإسلامية من العهود الأموية والعباسية ومن العهود الرومانية والبيزنطية، وهو ما كان يعني أن لا وجود للآثار اليهودي -بمفهومها التوراتي والتلمودي والميكرائي- في محيط وتحت المسجد الأقصى المبارك.

وكان على رأس هؤلاء العلماء عالم الآثار من جامعة تل أبيب يسرائيل فينكلشتاين، وهو ما يؤكده باحث الآثار الفلسطيني عبد الرازق متاني بالقول "الحديث لا يدور عن حفريات أثرية بقدر ما هي محاولة لرسم رواية تاريخية وفرضها على أرض الواقع. لذلك لم تتوقف الحفريات للحظة واحدة تحت المسجد الأقصى وفي محيطه، وقد تكونت شبكات من الأنفاق في محيط المسجد الأقصى هددت بعض البيوت الفلسطينية داخل البلدة القديمة، وتعتبر حفريات مدينة سلوان غرب المسجد الأقصى آخر تقليعات الحفار الإسرائيلي وربطها في ساحة البراق والناحية الغربية للمسجد.

وكانت جمعية آلعاد الاستيطانية الناشطة في مجال الحفريات قد حصلت على حكم قضائي لإدارة شؤون الآثار في محيط المسجد الأقصى خاصة القصور الأموية، ومدينة سلوان. ولا تزال عمليات الحفر قائمة وإن في صمت مطبق، وتركزت في السنوات الأخيرة في جنوبي المسجد الأقصى (شفييل همكفائوت- طريق المطاهر) وما يسمونه حومات هعوفل كناية عن القصور الأموية لأنها أقيمت على مكان مرتفع، والحفريات في مدينة سلوان الموصلة إلى ساحة البراق غربي المسجد الأقصى المبارك.

وتبين الصور والتصاميم المتوفرة حفريات المؤسسة الإسرائيلية في حارة المغاربة وشبكات الأنفاق أسفل باب السلسة، وهو ما يؤكده باحث الآثار كتاني في دراساته الأثرية ذات الصلة بالقدس والأقصى، حيث يشدد على أن المؤسسة الإسرائيلية لن تتوقف عن الحفريات، حتى لو انهارت بيوت عربية على رؤوس أصحابها في سلوان.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".