قبل أيام، وفي استعادة لمشاهد اغتيالات قديمة للموساد في تونس؛ من “أبو جهاد”، وحتى هايل عبدالحميد (أبو الهول) وآخرون، ضرب الموساد من جديد في صفاقص التونسية، وهذه المرة لرجل مهم نذر نفسه لأمته، وصراعها مع المشروع الصهيوني.
محمد الزواري، مهندس له سيرة الرجال؛ من لدن نضاله مع حركة النهضة واعتقاله في سجون “بن علي”، وحتى عمله مع قسم التطوير العسكري في كتائب القسام.
لمحمد الزواري سيرة الأبطال الكبار، وله نهايتهم أيضا. إنها الشهادة في سبيل الله، تلك التي تمنحه حياة أخرى، هو فيها عند ربه حي يرزق، ويا لها من حياة ويا له من رزق.
كان الشهيد كان أول دفعته بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، واستثمر عبقريته في مجال تصنيع الطائرات بدون طيار، وساعد حركة حماس في هذا الإطار.
ولعلها من المرات النادرة التي لا يخفي الصهاينة جريمتهم طويلا، فقد كشفوا عنها سريعا، وإن بطريقة غير رسمية، عبر صحفيين مقربين من الدوائر الأمنية؛ لم يتوفقوا عند الاعتراف بالجريمة، بل أضافوا إلى ذلك شرحا للمبررات أيضا.
في هذا السياق، نقل رونين بريغمان، أهم معلقي الشؤون الاستخبارية عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها: “اتهامات السلطات التونسية للموساد بالمسؤولية عن اغتيال الزواري لا تخلو من الصحة”، مضيفا”عادة إسرائيل أن ترد على الاتهامات الموجهة للموساد بتنفيذ عمليات اغتيال بالقول: لا تعليق، لكن ما حدث اليوم مختلف قليلا”.
أما أورن هيلر؛ معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة، فقال:”الزواري معروف بعلاقاته الوثيقة بحركة حماس وبعضويته في ذراعها العسكرية “كتائب عز الدين القسام”، مشيرا إلى أنه كان يساعد الحركة على بناء قدراتها في مجال إنتاج الطائرات بدون طيار، وهو الذي مكّنها من استخدام هذه التقنية لأول مرة خلال حرب 2014.
ونقل عن مصادر أمنية قولها إن خطورة الزواري “لا تتمثل فقط بالأفعال التي قام بها في الماضي، بل بما يمكن أن يفعله في المستقبل”، مشيرا إلى أنه حماس كانت تعوّل عليه من أجل تصنيع طائرات بدون طيار “انتحارية”، قادرة على ضرب أهداف في العمق الإسرائيلي.
في الجانب السياسي للقضية، يمكن القول إن اغتيال الزواري هو جزء من مسلسل اغتيالات طويل للموساد هدفه ضرب عناصر القوة في المقاومة الفلسطينية، وقضية محمود المبحوح ليست بعيدة، فضلا عن مسلسل اغتيالات الداخل الذي لم يتوقف.
في ذات السياق تأتي عملية الاغتيال في ظل مشاعر الغطرسة التي تجتاح الكيان بسبب الحريق الذي أشعلته إيران في المنطقة، والذي يتيح لها حتى الضرب في سوريا دون رادع، إضافة إلى مجيء ترامب (العاشق للصهاينة) إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، مع وجود صديق حميم في الكرملين، إلى جانب أصدقاء من العرب لا يتورعون عن تقديم الخدمات الأمنية بحماسة مدهشة!!
أيا يكن الأمر، فالزواري شهيد بطل، تفتخر به حماس، وتفتخر به فلسطين وكل الأمة، ومن خلفه سيأتي آخرون من أهل العلم، وأهل الإرادة، ممن سيواصلون المشوار. ففي فلسطين وفي هذه الأمة الكثير من هؤلاء، وإن لم تسعفهم الظروف في كثير من الأحيان.
سلام على محمد الزواري، وسلام على تونس وأهلها، وعلى جميع الشهداء إلى يوم الدين.