بقلم / أكرم عطا الله
لا أحد بات يتصور أن هناك حلاً قريباً لأزمة جامعة الأقصى، التي كانت نسيتها حركة «حماس» أثناء السيطرة على قطاع غزة وتذكرتها الآن، وقد تنضم أزمة الجامعة إلى مجموعة الأزمات المتراكمة في القطاع .. فبعد هذا العدد من الوساطات والمبادرات يتبدد الأمل في إيجاد حل لهذه المأساة التي طالت حوالى خمسة عشر ألف طالب، فجأة وجدوا أنفسهم ضحايا جدداً للخلاف السياسي وللنزاع على السيطرة والسلطة والصلاحيات والأموال.
لا أحد يهتم بالمواطن أو بمستقبله، وإلا لماذا أخذت تلك القصة كل هذا الوقت؟ ولو كان هناك انتخابات تشكل عصا غليظة على رؤوسهم لخافوا على مواقعه، ولكن لا شيء يخيفهم من مواطن تجرد من كل ممكنات قوته فباتوا يتصرفون بالوطن باعتباره ومؤسساته جزءاً من الملكية الخاصة أو أراضي البور التي تنتظر من يضع يده عليها، وفي ظل حالة البوار السياسي ينشغلون بالسيطرة والتسيّد. هذا هو الواقع.
جامعة الأقصى هي جامعة حكومية تسيرها الحكومة في رام الله، وتدفع رواتب العاملين فيها، والذين كانوا إلى ما قبل سيطرة حركة «حماس»، حوالى 650، ما بين أكاديمي وإداري، وفي غزة يطلقون عليها جامعة الفقراء لانخفاض الرسوم الدراسية فيه، حيث يدرس فيها أبناء الفقراء، وسارت في سنوات الانقلاب الأولى دون مشاكل إلى أن غادرها رئيس الجامعة فقامت وزيرة التعليم العالي السابقة بتعيين رئيس للجامعة ضمن الأسماء المرشحة، وللمفارقة كان الرجل محسوباً على حركة «حماس» وممثلها في لجنة العاملين.
رفضت حركة «حماس» التعيين لأنه صادر من رام الله، وأصرت على تعيين رئيس آخر وهو الآن يمارس صلاحية رئيس الجامعة دون موافقة الوزير، الأمر الذي أحدث أزمة بين الجانبين فشلت كل الوساطات في حلها سواء الشخصيات الاعتبارية أو العاملين أو القوى والفصائل. واتضح أن الطريق مسدود وكل يبدي قدراً من التعنت ولم يقدم أي من الطرفين أي مرونة للتسهيل على الوسطاء، فلا الحركة مستعدة للتراجع ولا الوزير مستعد لقبول من عينته حركة «حماس» وكسر قراره.
يبدو أن «حماس» اتخذت قرارها بالسيطرة على الجامعة رغم إدراكها وإدراكنا بأن سيطرتها على أي مؤسسة تعني خلق أزمة، فالسيطرة على القطاع تسببت بحصاره، والسيطرة على المعبر تسببت بإغلاقه، والسيطرة على سلطة الطاقة أدت لزيادة أزمة الكهرباء، وها هي الآن كأنها لم تر كل ذلك لتقرر متأخرة السيطرة على جامعة الأقصى لنجد أنفسنا أمام أزمة جديدة، وواضح أن الاستعصاء في الحل سيدفع الجامعة للإفلاس أو أن تسحب رام الله طاقمها وتدعوه للاستنكاف لتتأبط الحركة التي تحكم القطاع هماً جديداً يضاف إلى حملها الثقيل الذي تنوء به وتشكو انقطاع الرواتب.
الحركة ليست مستعدة للتراجع. هذا ما يتضح من مجمل الحوارات التي تمت وكنت شاهداً على بعضها قبل أشهر في مكتب الدكتور كمال الشرافي ولا يبدو أن رام الله مستعدة كذلك، فحركة «حماس» تمتلك القوة لتنفيذ قرارها الذي ينسجم مع حالة السيطرة المطلقة على كل شيء بالقطاع، والسلطة هذه المرة تمتلك القوة الأكبر سواء بالعاملين والذين ربما تصل رواتبهم إلى مليون دولار شهرياً أو حتى بالاعتراف بالجامعة والشهادة الصادرة عنها.
ليس مهماً أن تستمر الجامعة. المهم هو أن يتم «حمسنتها». هذا ما فهمته من أساتذة الجامعة والمحاضرين الذين التقيتهم والذين تم اعتقال بعضهم على يد الأمن في غزة، في إهانة تضاف إلى سلسلة الإهانات التي يبتلعها الفلسطينيون، وآخرها أن يتم اعتقال أستاذ جامعي دون أن يحدث ذلك هزة في المجتمع، فالأستاذ الجامعي يقع في مرتبة اجتماعية يفترض أنها تحظى بحصانة العلم والعلماء، إذ يشكل استدعاؤه انهياراً لمنظومة تراتبية لأي مجتمع.
الرواتب التي ترسلها رام الله للعاملين في الجامعة تجعلها قادرة على تقديم الخدمة للفقراء وتخفيض الرسوم، وتجعل وضعها المالي أكثر استقراراً من جامعات مثل الأزهر والإسلامية اللتين تراكمت عليها الديون وتلك هدية ومنحة يفترض أن نحافظ عليها بأسناننا، وتفرض على حركة «حماس» تجاهل معرفتها حتى بالجامعة، خاصة أنه جرى تعيين رئيس سابق مقرب من الحركة تمكن من إيجاد وظائف لأكثر من مائتي وخمسين أكاديمياً وإدارياً في الجامعة، وهؤلاء مقربون من حركة «حماس»، وهنا أصبحت تستفيد من الجامعة دون أن تدفع شيئاً، فلماذا الآن اقتربت من الجامعة وهي تدرك أن هذا الاقتراب يعني الدخول في أزمة زائدة ومعركة جديدة قد تكون نتائجها خسارة، سواء للجامعة أو الطلاب؟
أساتذة الجامعة لديهم قلق على مستقبلها ويعرفون أن تدخل حركة «حماس» في هذا الملف ستكون له تداعيات سلبية، إما بسحب شرعيتها أو بتحويلهم إلى مستنكفين أو برفع الرسوم، مسترشدين بالنماذج التي سيطرت عليها الحركة وتحولت إلى أزمة انتهت بالشكوى والمناشدات. هم يرغبون ببقائها كما هي طالما أن المركب يسير لصالح الفقراء وعند تعبيرهم عن هذه الرغبة تم اتخاذ إجراءات بحقهم، منها وقف تسعة عاملين عن العمل لمجرد كتابتهم على «فيسبوك»، والبعض تم نقله من كلية إلى أخرى بعيدة تماماً عن تخصصه كأن ينتقل دكتور كيمياء إلى كلية التكنولوجيا وأستاذ الأحياء إلى الكلية التقنية وهكذا.
عندما يسيطر الإسرائيلي على كل شيء يفترض أن علينا أن نتواضع في داخل السجن، فلا معنى لهذه السيطرة أمام عجز عن توفير أنبوبة غاز في لحظة يتبدى لدينا هنا جميعاً في غزة من أصغر مواطن إلى أكبر مسؤول، ولا معنى لهذه السيطرة عندما يظهر العجز الفاضح في توفير ساعة كهرباء أو كيس أسمنت. يبدو المشهد هزلياً إلى أبعد الحدود بل وإن أزمة الجامعة تظهر الهوة الكبيرة ما بين حديث حركة «حماس» عن الشراكة والانفتاح وبين السلوك الممارس.
كنا نتمنى على حركة «حماس» أن تتجاهل سلطة الطاقة وتبقي إدارتها تحت مسؤولية رام الله وأن تبقى منحة الاتحاد الأوروبي ذات العشرة ملايين شهرياً للوقود، ولكن فعلتها وأحدثت كل هذه الأزمة، فلم تترك غيرها ولم تستطع تأمين الكهرباء، فلم نعد نسمع غير الشكوى والاتهام والأمر قد ينطبق على الجامعة إذا ما أصرت على موقفها، ونخشى غداً من أن تحدث الأزمة ولا نسمع غير الشكوى والاتهام فلدى رام الله من الأوراق ما يجعل الجامعة تسير بلا أزمة، بل ويجعل لديها فائضاً يؤمن الموظفين الجدد الذين عينتهم حركة «حماس».
هذا وضع مثالي للحركة، فلماذا تتأبط الجامعة التي تمس الفئة الأكثر ضعفاً في مجتمعنا؟ الأمر ليس بتلك السهولة ويحتاج إلى تفكير هادئ يأخذ بعين الاعتبار التجارب المأزومة السابقة، فالسياسة موازين قوى وإمكانيات، وفي هذه الأزمة رام الله والوزير يمتلكان أوراقاً أكثر، فلماذا تصر «حماس» على أن تغامر بمستقبل الطلاب وبهذه الجامعة؟