المقال يعبر عن رأي كاتبه
بقلم / أكرم عطا الله
عندما يتعلق الأمر بالجرائم الإسرائيلية فإن المعيار واحد للحكم على الأشياء، فعندما اغتالت إسرائيل الشهيد باسل الأعرج ارتفعت الأصوات لتحمل السلطة المسؤولية والقصور بل وأبعد كتبت يومها «أن من يعتقد أن السلطة قادرة على حماية أي فلسطيني فهو مخطئ، ولكن الانقسام يجعل الفلسطينيين يتربصون لاستغلال أي شيء ضد الآخر للنيل منه والآن من يعتقد أن غزة قادرة على حماية أحد فهو مخطئ أيضا، فحال الفلسطيني واحد».
بكل أسف استطاعت إسرائيل أن تغتال في الضفة وفي تونس وفي سورية والآن تغتال في قلب غزة، وهنا يجب القول أيضا ان الفلسطينيين تمكنوا عندما قرروا اغتيال شخصية إسرائيلية كبيرة بحجم الوزير رحبعام زئيفي في قلب القدس على يد الجبهة الشعبية .. هذه مسألة طبيعية في سياق الصراع الطويل بين الفلسطينيين وإسرائيل ولم تتفوق إسرائيل وحدها.
اعتادت إسرائيل على التصفيات والاغتيالات في القطاع منذ سنوات طويلة بواسطة الطائرات ولم يخطر ببال أحد أن تقوم بهذه الجريمة بالشكل الذي تم وإلا لتم اتخاذ إجراءات مختلفة في حماية الشهيد مازن فقهاء، وإن لم تعف هذه الجريمة العارفين بالدور الحقيقي الذي يلعبه الشهيد في الإشراف على خلايا حركة حماس المسلحة في الضفة والذين يعرفون أن هناك اعترافات من قبل معتقلين تشي بمسؤولية الشهيد من عدم اتخاذ ما يكفي من إجراءات الأمان حيث اتضح أن هذا الرجل على هذه الأهمية يسير بلا مرافقين أو حراسات وبالتأكيد كانت تعرف إسرائيل أنه يتحرك وحيدا ما سهل عليها تنفيذ الاغتيال.
لم تنته التحقيقات كما يقول القائمون عليها حتى كتابة هذا المقال ولكن قطاع غزة مراقب جيدا من خلال الكاميرات المنتشرة في كل الأماكن، فهل تمكنت من رصد الجريمة وعدد المشاركين فيها وكيف تم التنفيذ والانسحاب؟ أم أن الكاميرات تم تعطيلها قبل التنفيذ؟ وبكل الظروف هذا حدث أمني كبير، لا بد وأن عملية كهذه تطلبت مراقبة لفترة طويلة من قبل عملاء ليس من الضرورة أن يكونوا هم المنفذين ولكن عملية الرصد التي تمت مسبقا لا بد وأن تكشف عن شيء مهم، وهنا يجب العودة للكاميرات الموجودة في الشوارع القريبة وتحليلها قبل أسابيع من الجريمة لمن كان يمر في الشوارع ومن دخل البناية ومن رصد، هذه مهمة الأجهزة.
جريمة الاغتيال تضع حركة حماس أمام ثنائية الخيارات الصعبة، إما أن ترد وفي هذا مغامرة كبيرة ونتائجها غير محسوبة وقد تستدعي حربا كلفتها عالية بل آخر ما تريده الحركة في الظرف الحالي، وإما أن تصمت وفي هذا أيضا ما يمس خطابها وخصوصا أنها بالغت في الحديث عن اغتيال باسل الأعرج وتحميل المسؤولية. وحتى أول من أمس، قبل اغتيال الشهيد مازن بساعات كانت إسرائيل قد قامت بقتل الشهيد محمد حطاب ابن مخيم الجلزون طالبت حركة حماس بالرد هنا فإن الصمت على الاغتيال في غزة يمس بخطابها الذي تقوله حين يتعلق الأمر بغيرها.
ولكن لماذا قامت إسرائيل باغتيال مازن فقهاء بالذات وبهذه الطريقة؟ ففي طريقة الاغتيال ما يعني مخاطرة كان يمكن أن تفشل وتنتهي بفضيحة لها كما حدث أثناء اغتيال الشهيد المبحوح في الوقت الذي يمكن أن تغتال من تشاء في غزة بواسطة الطائرات وباحتمالية مخاطرة صفرية فلماذا اختارت هذا الشكل بالذات؟
تقدر إسرائيل التي تضع سيناريوهات لكل شيء قبل الإقدام على أي فعل أن عملا بهذا المستوى لا يمكن تمريره، وهذا ما أكده البيان الصادر عن الجناح المسلح لحركة حماس وبالتأكيد فإن واحدا من بين السيناريوهات هو الرد الذي يستدعي ردودا ويستدرج الحالة نحو الحرب، فهل كان في نية إسرائيل جر المنطقة نحو هذه الحرب؟ ربما ... ولكن طريقة الاغتيال غير المعلنة تجعل من حركة حماس كأنها هي من أطلق شرارة الحرب أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي وخاصة أن أجهزة الأمن الإسرائيلية لم تعلن مسؤوليتها عن الاغتيال .. وهذا مختلف فيما لو قامت باغتياله بصاروخ كما تفعل في كل مرة ففي ذلك مسؤولية مباشرة واعتراف صريح.
صحيح أن عملية الاغتيال هي بمثابة اختبار للقيادة الجديدة لحركة حماس وجس نبضها وخصوصا بعد الحديث الإسرائيلي عن انزياح الحركة في غزة نحو التشدد والتركيز على شخصية القيادي يحيى السنوار كرئيس للحركة في القطاع، ولكن الرغبة الإسرائيلية بالتصعيد تنبع من اعتبارات إسرائيلية داخلية ازدادت مؤشراتها في الآونة الأخيرة سواء بالحديث عن القوة البحرية لـ»حماس» أو بالحديث عن الأنفاق واختراقها والصواريخ والمبالغة في كل شيء وتضخيم كل شيء.
لكن الاعتبارات الداخلية التي بدت ضاغطة في الداخل هي نذر الانتخابات التي يمكن أن تفضي إليها الخلافات التي بدأت تعصف بالحكومة سواء الصراع بين رئيس الوزراء نتنياهو ورئيس حزب «كولانو» موشيه كحلون حول سلطة البث وتراجع نتنياهو عن الاتفاق السابق أي دفع الأمور نحو أزمة قد تحل الحكومة، أو الخلاف بين ليبرمان ونفتالي بينيت حول رفض حاخامات مقربين من بينيت خدمة الفتيات في الجيش، أو ربما تفضي التحقيقات مع رئيس الحكومة بتهم الفساد والرشوة إلى نهاية مستقبله السياسي والذهاب نحو انتخابات، كل تلك كما درجت العادة تستدعي حربا كما الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل على غزة كلها كانت مرتبطة بالانتخابات، والأهم من ذلك لا أحد يتصور أن تنحل الحكومة ويغادر ليبرمان موقعه دون أن يخوض حربا يستعرض فيها نفسه كرجل امن وموقفه أثناء عدوان 2014 وتقرير مراقب الدولة وخصوصا أن ليبرمان اندلق بإلقاء ما يكفي من التهديدات قبل تسلمه وزارة الدفاع وتلك تضع مستقبله السياسي على المحك فيما لو ذهب للانتخابات خالي الوفاض.
من هنا، تتولد رغبة الحرب لكن دون أن تبدو إسرائيل هي من بدأها هكذا تفهم الحكاية، ولكن في ذلك ما يتطلب استدعاء العقل البارد لدى حركة حماس والتفكير دون اندفاع فالأمر خطير وهناك رغبة إسرائيلية بالتصعيد تتملك قادتها للحفاظ على مواقعهم في النظام السياسي وتلك ليست مسؤولية فلسطينية لذا يجب إجراء حسابات هادئة تقوم على استبعاد سيناريو الحرب وغير ذلك كل شيء مسموح، ما حدث جريمة كبيرة وصعبة لكن حذار أن تستدرجنا إلى حيث يتربص الإسرائيلي.