غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر بين غرابيب سود ..وداعش

بقلم/سطام المقرن

يعتبر مسلسل «غرابيب سود» من أضخم الأعمال الدرامية التي عرضت في شهر رمضان هذا العام، وحسب ما يرى القائمون على هذا المسلسل أنه يهدف إلى توعية المجتمع من الانسياق عاطفيًا خلف الشعارات الدينية الزائفة التي تخدم المصالح الإرهابية، كما يرون أيضاً أن «داعش ليس منظمة فحسب، بل هو فكرة، ولابد من محاربتها بفكرة أكثر تقدمًا وإقناعًا...»، والسؤال المطروح هنا: هل نجح هذا المسلسل في فضح الفكر الداعشي وتوعية المجتمع بخطر الانسياق إليه تحت ذرائع الدين، أم أنه كما يقول البعض انتقاد للإسلام وتعاليمه وليس داعش؟.

لقد أثار المسلسل خلال عرض الحلقات الأولى منه جدلًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك في الوسائل الإعلامية الأخرى، فالبعض يرى أن هذا العمل طائفي بامتياز، إذ يركز فقط على الإرهاب السني، ويتجاهل الإرهاب الشيعي، والبعض الآخر يرى أنه حرب على الإسلام وتعاليمه، وقد قدم خدمة مجانية للتنظيمات الإرهابية، وليس هذا وحسب، بل فيه تشويه للدين، ويشجع الناس على التطرّف!

وعلى هذا الأساس، يرى بعض النقاد أن مسلسل «غرابيب سود» وقع في خطأ توجيه الرسالة الفكرية والعمل الدرامي إلى فئة محافظة اجتماعياً ودينياً من خلال عرض بعض المشاهد التمثيلية المخالفة للعادات والتقاليد، مثل رقص النساء في النوادي الليلية، وانتقاد الحجاب المتعارف عليه، بالإضافة إلى الاستناد إلى قصص وأخبار مجهولة، مثل «نكاح الجهاد»، وبالتالي فإن هذه العوامل مجتمعة أدت إلى التأثير السلبي على الفكرة الرئيسية للعمل الفني، وبناءً على ذلك فإن أي انتقاد فكري للجرائم الإرهابية تحت إطار الدين لن يكون مجديًا أو مقنعًا لوجود شكوك أو عدم ثقة بالمحتوى لدى المشاهد العادي أو المحافظ بسبب تلك العوامل.

لا شك أن المسلسل انتقد بعض الممارسات والتفسيرات القديمة الموجودة في التاريخ الإسلامي، والتي يستند إليها التنظيم الإرهابي داعش في تبرير عملياته الإجرامية، الأمر الذي أوقع كثيرا من المشاهدين في حيرة من أمرهم، أو بعبارة أخرى سببت لهم صدمة في مسائل فقهية تعتبر من المسلمات أو الثوابت الدينية التي لا يجوز الاقتراب منها، مثل حد الرجم وفرض الجزية وغيرهما من القضايا الفقهية، فداعش يطبق مثل هذه المسائل الموجودة في الموروث الفقهي على أرض الواقع، وعند انتقاد ذلك واعتباره وحشية فكيف يستقيم انتقاد حد الرجم مثلًا وممارسات داعش؟ فالنظرة السائدة عند الناس أن الخطأ في التطبيق وليس في الفكرة ذاتها، ولهذا يعتقد البعض أن المسلسل يحارب الإسلام وتعاليمه، وهنا تكمن المشكلة والتحدي الأكبر لمواجهة الفكر الإرهابي، فهذا هو الداء المزمن الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية، ومعالجة هذا الداء هو الخطر بعينه.

لنأخذ على سبيل المثال إحدى الجرائم الوحشية لداعش، وهي اغتصاب النساء، فهذا التنظيم الإرهابي يبرر عمليات الاغتصاب تحت إطار «سبايا الحرب وملك اليمين»، وبالطبع فإن المسلم العادي يعتقد بشكل لا يقبل الجدال والشك أو حتى التأويل في أنه يجوز في أوقات الحروب أسر النساء وامتلاكهن وحتى بيعهن في سوق النخاسة، وبالتالي يجوز معاشرتهن خارج نطاق الزواج.

وعلى هذا الأساس، يقوم التنظيم المجرم داعش باغتصاب النساء، ويستغل في ذلك التفسيرات القديمة للنصوص الدينية في باب ما جاء في أسرى الحروب والتعامل مع الرقيق وملك اليمين، ويسرد على أتباعه آيات القرآن الكريم كما جاء في قول الله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) سورة المؤمنون، وفي قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) سورة النساء الآية 24.

وبناءً على ما سبق، كيف نقنع المجتمع الذي يؤمن بمشروعية الرق كحق أصيل للمحارب وإباحة المعاشرة الجنسية دون زواج بأن ذلك يدخل ضمن جريمة الاغتصاب، وأنه عمل وحشي وغير إنساني؟ بكل بساطة سيعتبر ذلك زندقة وردة عن الدين.. هذا من جانب.

ومن جانب آخر، كيف نقنع المجتمع أن سبي النساء ومعاشرتهن سفاحًا من العادات الجاهلية، وأن الإسلام قد فرض تشريعات لعتق الرقيق، ولا يجيز في الأساس معاشرة أي امرأة خارج نطاق الزواج؟

يقول أحد الباحثين في مجال علوم القرآن الكريم إن مفهوم «ملك اليمين» يخرج عن معنى أن تكون الأمة أو العبد، وإنما المقصود بذلك هو العهد والميثاق كما جاء في قوله تعالى (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) سورة النحل الآية 91، وبناءً على ذلك فإن المقصود بملك اليمين يكون بمعنى الملكة أو الخطبة قبل الزواج، ولا يوجد ذكر للتسري أو المعاشرة خارج نطاق الزوجية.

 ولهذا كان من الأجدر عند تناول الفكر الإرهابي سواء كان في الأعمال الدرامية أو في الخطاب الديني التطرق إلى الفهم الصحيح والمعاصر للمسائل الفقهية القديمة، والتي للأسف تستغل من قبل المنظمات الإرهابية في هدم جوهر الدين والتدين في المجتمعات الإسلامية، فهذه استراتيجية مهمة تتمثل في إعادة قراءة وفهم النصوص الدينية والأحكام الفقهية، ليس في مجال مكافحة الإرهاب وحسب، وإنما في جميع المجالات الأخرى التي تهم المسلم المعاصر في العصر الحديث.