شمس نيوز/ ولاء جبريل
يحكى أن الأسرة الفرعونية الخامسة، هم أول من اخترع أكلة الفسيخ (السمك المملح)، بعدما اهتموا بتقديس نهر النيل ، إذ كان للفراعنة عناية بحفظ الأسماك، وتجفيفها وتمليحها وصناعة الفسيخ والملوحة واستخراج البطارخ.
وفيما بعد أصبحت "الفسيخ" تلك الأكلة الشعبية، من معالم أول أيام عيد الفطر المبارك، التي ترسم الفرح والسرور على وجوه المواطنين في قطاع غزة، إذ تبدأ الأسواق ببيع السمك المملح في أخر أيام شهر رمضان المبارك.
فلا يخفى على أحد منا أن الطبق الرئيسي على موائد الغزيين في أول أيام عيد الفطر هو " الفسيخ" إلى جانبه طبق" صلصة السمك" المتعارف عليها، حيث تنتظر النساء في الصباح عودة أزواجهن وأبنائهن من صلاة العيد؛ لتناول تلك الأكلة التي تعج شوارع وأزقة مدينة غزة برائحتها أثناء القلي.
و"الفسيخ"، عبارة عن تعتيق السمك وحفظه لمدة تزيد عن الشهر في أوانٍ مخصصة، مع إضافة كميات كبيرة من ملح الطعام "الصوديوم"، بالإضافة إلى الكركم؛ لإعطائها اللون الأصفر الذي يتميز فيه، ولعمل الفسيخ تستخدم أنواع محددة من الأسماك مثل "البوري، والجرع، والجنوي، والتركي".
يعد الفسيخ مصدر رزق للكثير من المواطنين، يقوم تجار"الفسيخ" بـ"تفسيخ" السمك أي تمليحه وتخزينه وتنظيفه، قبل شهر رمضان بعدة أسابيع، معتبرين أن عيد الفطر موسم خصب لبيعه للمواطنين المقبلين عليه بكثافة حيث يُقدر استهلاك المواطنين بآلاف الكيلوات في يوم العيد الأول.
ويُرجع أحد التجار إقبال الغزيين على تلك الوجبة للعادة والتقليد الذي توارثته العائلات من أجدادهم، علاوة على سعر الوجبة المنخفض، بالإضافة إلى الشهية والمذاق الجذاب التي تحققه الوجبة لمتناوليها.
وعن أسعار "الفسيخ" في الأسواق الغزاوية، تقول السيدة رائدة التي تقوم بعمله وبيعه في سوق الشيخ رضوان، أن سعره ارتفع هذا العام، هناك أنواعا كثيرة للفسيخ وأسعار متنوعة تناسب الجميع، ومنها فسيخ براميل 13شيكل، فسيخ رينغا 18 شيكل، فيما يباع فسيخ رينغا ماغاريه (30-35) شيكل، فسيخ أصفر (15-25-35) شيكل، فسيخ أصفر نوع سروس 15 شيكل، فسيخ أصفر نوع جرع 20 ش فسيخ أصفر نوع بوري 20 شيكل.
أما المواطنة هادية ظاهر تفضل إعداد الفسيخ بنفسها حيث تقوم بشراء السمك وتمليحه وخزنه في مكان معتم لمدة أسبوع؛ معللة ذلك بتخوفها من قيام بعض التجار بتفسيخ الأسماك الفاسدة أو عدم نظافة التخزين أو درجة ملوحته.
وتجهزه صباح العيد مع صلصة البندورة والبصل وتجمع أوﻻدها كطقس أساسي يتكرر على مدار الأعياد يدخل البهجة على أسرتها.
فيما تلفت ابنتها منال لفائدة الفسيخ من وجهة نظرتها، تقول: "انتظر صباح العيد بشغف بعد صلاة العيد نقوم بتجهيز الفسيخ، رغم العطش الذي يسببه إﻻ أنه يطهر الجهاز الهضمي ويخفف من الإصابة التلبك المعوي، إلى جانب مذاقه وطقوسه المبهجة، لذلك أحرص على تناوله".
ويعتقد أهالي قطاع غزة، أن تناول الفسيخ بعد صيام شهر كامل مفيد للجسم ومطهر للمعدة، بسبب كثرة أملاحه.
من جهته، حذر دكتور مازن السقا، أخصائي تغذية، في حديث له مع "شمس نيوز"، من الإفراط في تناول "أكلة الفسيخ" موضحًا أنه يجب الانتباه إلى أن هناك بعض الباعة يقومون بصنع الفسيخ من سمك غير طازج، إذ أن هذا النوع من الأسماك تكون فيه نسبة أملاح ليست بالقليلة، قبل أن يوضع عليه الملح ليصبح "فسيخ"، وبالتالي الملوحة تمنع من ظهور علامات الفساد إلا عند وضعه بالزيت للقلي.
ويضيف: وهنا يسبب هذا السمك الغير طازج والذي يحتوي على نسبة ملوحة كبيرة، مشاكل صحية للمواطن من إسهال وتقيؤ، وألام في المعدة
في المقابل، هناك أسماك طازجة توضع عليها نسبة أملاح ليست بالقليلة، وبالتالي يمكن تناولها ولكن باعتدال، بإتباع مبدأ "تذوق" كون "أكلة الفسيخ" عادة موسمية، ولا غنى للمواطن عنها، ونصح بأكل قطعة واحدة من الفسيخ، بحسب الدكتور.
وأكد السقا، أن الإفراط في تناول "أكلة الفسيخ" بحدث اضطرابات في القلب من خلال رفع ضغط الدم بشكل سريع، و وتساعد على هلاك الكليتين، فيما تزيد من نسبة التهابات المسالك البولية.
وحول النصائح الصحية للمواطنين في موسم "الفسيخ" تابع السقا لـ "شمس نيوز": " يجب عدم الإكثار من أكل الفسيخ، ومعرفة مصدره جيدًا، حتى لا يكون "الفسيخ" تالفاً، واتباع مبدأ "تذوق" ".
فيما نصح أصحاب الأمراض المزمنة، ومن يتناولون أدويه الضغط و الكرتيزون و أدوية الهرمونات، بعدم تناول " أكلة الفسيخ" نهائيًا، مؤكدًا أنه لا يستطيع منع هذه الأكلة الشعبية، ولكن يمكن تحذير المواطنين من الإسراف في أكلها
ورغم تحذيرات الأطباء من تناول الفسيخ بكثرة، إلا أنها تبقى أكلة شعبية وعادة موسمية لا يمكن تغييرها أو الابتعاد عنها، بل و يقبل عليها الغزيون بشغف، ويتناقلون طرق إعدادها خلال زيارة الأهل والأصدقاء في أيام العيد.