شمس نيوز/تمام محسن
في التاسع من شهر أغسطس/آب للعام 2008، استسلم قلب "عاشق من فلسطين"، الشاعر الفلسطيني محمود درويش، على أحد أسرة مركز تكساس الطبي في هيوستن الأمريكية، للرحيل الأخير.
في ذاك اليوم، خذله القلب المسكون بحب قرية "البروة" وخروبتها العتيقة، بعد رحلة طويلة من الشعر والحب والوطن والاغتراب.
يعد محمود درويش من أبرز الشعراء الفلسطينيين والعرب، عُرف كأحد أدباء المقاومة والتحمت قصائده بالقضية الفلسطينية حتى سماه البعض بشاعر "الجرح الفلسطيني". ساهم درويش بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه.
ولد محمود درويش 13 مارس/آذار عام 1941 في قرية البروة في الجليل بفلسطين، ونزح مع عائلته إلى لبنان في نكبة 1948، وعاد إلى فلسطين متخفيًا ليجد قريته قد دمرت، فاستقر في قرية الجديدة شمالي غربي قريته البروة.
منذ أن تفتقت زهرة الشعر في روحه، كتب درويش بسخاء محموم، فقد ترك وراءه ما يزيد على 30 ديوانًا من الشعر والنثر بالإضافة إلى ثمانية كتب، ترجم شعره إلى عدة لغات. وفسر في رسالة إلى "شق البرتقال" الشاعر سميح القاسم بأن الكتابة تخفف عن "القلب بعض التلوث والأسئلة"، وتخفف عن شعبه "سادية العصر والأخوة-القتلة-".
لكن لم يستطع الشعر أن يخفف من وطأة المنفى على روحه، فكتب إلى صديقه سميح القاسم من باريس "لا أريد أن أصدق أن الشعر وسيلة للانتصار على شيء، أو حل لعذاب الضياع تحت المطر. ففي الشعر أيضًا غربة".
النشاط السياسي والمنفى**
اعتقل درويش أكثر من مرة من قبل السلطات الإسرائيلية منذ عام 1961 بسبب نشاطاته وأقواله السياسية، وكتب من هناك واحد من أشهر قصائده مخاطبًا والدته، غناها فيما بعد صديقه المغني اللبناني مارسيل خليفة، وكتب " أحنّ إلى خبز أمي..و قهوة أمي..ولمسة أمي..و تكبر في الطفولة..يومًا على صدر يوم".
في عام 1972، غادر درويش أرض الوطن متوجهًا إلى موسكو ومنها إلى القاهرة، وتنقل بعدها في عدة أماكن كبيروت وتونس وباريس، قبل أن يعود إلى فلسطين عام 1994 ليقيم في رام الله.
في عام 1988، انضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية عضوًا منتخبًا في اللجنة التنفيذية، ثم مستشارًا للرئيس الراحل ياسر عرفات.
كتب درويش إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي أعلن في الجزائر عام 1988، لكنه استقال من اللجنة التنفيذية بعد خمس سنوات احتجاجًا على توقيع اتفاق أوسلو.
مؤلفاته**
بدأ كتابة الشعر في المرحلة الابتدائية وعرف كأحد أدباء المقاومة، ولدرويش ما يزيد على ثلاثين ديوانًا من الشعر والنثر بالإضافة إلى ثمانية كتب، وقد ترجم شعره إلى عدة لغات، وأثارت قصيدته "عابرون في كلام عابر" انتقادًا إسرائيليًا حادًا وصل صداه إلى الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
أصيب درويش في السنين العشر الأخيرة من حياته، وهي التي أعقبت جراحة الشريان الأبهر، التي أجريت في باريس عام 1998، بحمّى الشعر، على حد قول الروائي اللبناني في تقديمه لديوان الراحل الأخير "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي". فكانت هذه الأعوام، أخصب أعوامه على الاطلاق، فيها نضجت تجربته وتألقت، وارتسمت صورته كأكبر شاعر عربي حديث.
إلى المنفى الأخير**
وارى جثمان "لاعب النرد" الثرى في الثالث عشر من أغسطس/آب بمدينة رام الله في قصرها الثقافي.
ترك رحيله ندبة في القصيدة العربية الحديثة وفي روح أصدقائه. فكتب شقه الآخر الشاعر سميح القاسم، راثيًا:
مَا مٍن حوارِ مَعك بعدَ الآن.. إنَّهُ مُجرَّدُ انفجارِ آخر!
تَخلَّيتَ عن وِزرِ حُزني
ووزرِ حياتي
وحَمَّلتَني وزرَ مَوتِكَ،
أنتَ تركْتَ الحصانَ وَحيداً.. لماذا؟
وآثَرْتَ صَهوةَ مَوتِكَ أُفقاً،
وآثَرتَ حُزني مَلاذا
أجبني. أجبني.. لماذا؟