خاص/ صابرين عزيز
بين الأقوال "لا ينكر ما هو مختلف عليه" و"الرأي الضعيف" التي بدأت بعد إصدار وزارة الأوقاف والشئون الدينية، في غزّة فتوى "تجيز إسقاطِ الدين عن المَدين المُعسِر واحتساب ذلك من الزكاة"، أخذت هذه العبارات للرد على محتوى الفتوى في الاختلاف، لكن القارئ العام لم يصل إلى ما يأخذه للطرق الصحيح.
صباح السبت، شرعت "شمس نيوز" في البحث والاتصال مع علماء الدين لتوضيح الاختلاف والوصول إلى القطعي في الشرع مع الدليل، لإقامة الحجة والتخلص من الشبهات في الرد على الآيتين المستدل بهما، حيث جاء في بيان الوزارة قوله تعالى ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ﴾, و﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ... وَالْغَارِمِينَ... ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ﴾.
حجة الموافق على الافتاء**
جاءت أقوال مفتي مشيخة الأزهرية في فلسطين، سميح حجاج، "إن الله جعل للزكاة ثمانية مصارف منها "الغارمين"، واحتساب الديون من الزكاة مراعاة لظروف الناس المادية، حيث سجن أكثر من 100ألف مواطن في قطاع غزّة على ذمم مالية، من باب التخفيف لا بأس به".
ومن باب الأمانة العلمية، وضح حجاج أنه "لا يجوز احتساب هذه الأموال من الزكاة، والمسألة فيها خلاف، إلا أنه لا ينكر ما هو مختلف فيه، فبعض الآراء تكون راجحة في زمان ومرجوحة في زمان آخر، لذلك المسألة فيها قولين، قول الجمهور بعدم جواز، والآخر جواز الاحتساب من زكاة الأموال، فمن أراد أن يأخذ بأي القولين فله ذلك، وأنا أرجح قول الشافعية وحسن البصري، أي الاحتساب".
وأضاف حجاج "الناس ترغب في تسديد المال، لكن "المش بإيدك بكيدك" فالقصد من الفتوى؛ إسقاط الدين بقصد مواساة الفقير وليس وقاية المال، حتى لا يفتح الباب على غاربه، أي يجب أن يكون الدين في الضروريات، وليس مقترض لأجل كماليات، ويجب النظر بماذا اقترض وفيما كان يتاجر؟"
وعن الخلافات المستقبلية، نصح حجاج أن تكتب ورقة عند الإبراء؛ قائلًا :"الأصل أن المتصرف هو المالك، وأن يكتب ورقة عند الإبراء توثق من قبل محامي وشاهدين، خشية من المستقبل، كما هو في حالة الدين، الكتابة أفضل حيث إذا تعارض ما في الصدور تطابق ما في السطور، يأخذ بالثاني، لأن الإنسان ينسى، لذلك أنصح الجميع في حال الإبراء أن يوثقوا عند محامٍ".
الفتوى ومحاذيرها**
في حين، أكد ماهر السوسي، أستاذ في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية، على أن الرأي الذي أسندت عليه الفتوى "ضعيف"، والأخذ فيه ينتج محاذير كثيرة، خاصةً إذا ما وافقت المشهور، حسب تعبيره.
وقال السوسي، إن أهم الأضرار التي قد تسببها هذه الفتوى للطرفين، "حرمان فئة من الناس من الزكاة؛ لأن جزء كبير من التجار سيمتنع عن الزكاة بحجة إسقاط الدين"، مضيفًا أن أصحاب الفتوى لم ينظروا إلى أسباب الدين، كما أنهم لم ينظروا إلى ما سيفقده التاجر من جزء كبير من ماله، مما يؤدي إلى إفلاسه.
ورأى أن الفتوى تعمل على زيادة المستدينين على أمل أن تسقطها الزكاة، أي أن هذه الخطوة تشجع على الإسراف بالأمر، كما أنها تؤثر على حركة الاقتصاد بشكل عام، ناصحًا "بعدم الأخذ بالفتوى وإعادة دراستها مرة أخرى والتريث قبل نشرها وإعلانها لأنها بحاجة لوضع المزيد من الضوابط قبل تنفيذه".
وتابع: "يجب النظر إلى الفقراء، فإذا أسقطت الدين عن الدائنين، سيتضرر الفقراء الذين كانوا يعيشون على زكاة التجار، ولهذا الموضوع حله، فلماذا نسلك طرق التفافية غير مشروعة، الدائنين تحل مشكلتهم بعودة رواتبهم، الحل واضح والأصل أن كل ذي حق يحصل على حقه".
ورد السوسي على ما أسند عليه البيان "الغارمين" قائلًا "الغارمون يعطوا من الزكاة ولا تسقط عنهم، والقرآن يقول "خذ من أموالهم" أي خذ من المال وادفع للناس، والزكاة أداء وليس اسقاط، فإن تعاطينا مع الأمر بهذا الشكل سننشئ مشكلة أخرى، وهي الفقراء الغير دائنين، الذين يعيشون على الزكاة".
ما ورد في البيان**
وقالت وزارة الأوقاف والشئون الدينية، الخميس، في بيان لها: "كثير من علماء السلف كعطاء ابن رباح والحسن البصري والإمام جعفر الصادق وابن احزم وغيرهم من المعاصرين كالدكتور يوسف القرضاوي والدكتور سلمان الداية ذهبوا إلى جواز إسقاط الدين عن المدين المعسر واحتسابه من الزكاة الواجبة على الدائن".
وحسب فتواها، إن من أعظم مقاصد الزكاة، انّتفاع المدين المعسر "الغارم" بها بقضاء حوائجه وتفريج كرباته، ولا شك أن وفاء دينه من أعظم حاجاته لما في ذلك من إدخال المَسرة على نفسه بإزالة ثقل الدين عن كاهله فينزاحُ عنه هَمُّ الليل والنهار وخوف المطالبة والحبس فضلاً عن عقوبة الآخرة.