بقلم / أكرم عطا الله
عندما يتعلق الأمر بإسرائيل لا يتسع المجال لوجهات نظر بالمعنى الوطني أو القومي أو الديني حتى لأن فائض القوة الذي تعيشه اسرائيل في السنوات الماضية دفعنا ولا زلنا ندفع ثمنه، فالاعتقاد أن الاقليم تحطم ولم يبق دولة قوية سوى اسرائيل ومن يريد الحماية عليه أن يطرق البوابة الاسرائيلية جعل من بعض الدول العربية من يتحين الفرصة للزحف نحو تل أبيب.
وهنا أهمية اسقاط سوريا أو أية قوة أخرى للطائرة الاسرائيلية ليس فقط لجهة اسقاطها بقدر ما يتعلق الأمر بمن يرد اللكمة لإسرائيل وإن لم تتساوى معها في المقدار هذا في زمن الخنوع والخضوع وقد فعلها الجيش السوري أو حتى القوة الايرانية المتواجدة في سوريا والتي باتت تشكل أزمة للأمن القومي الاسرائيلي أو حتى حزب الله المهم أن هناك أحد تمكن من رد الصفعة.
الرأي العام الفلسطيني كان سعيداً وهو يتابع سقوط الطائرة التي ضربت غزة مراراً وكذلك الرأي العام العربي والاعلاميين والمثقفين الكتاب الذين لم تنحرف بوصلتهم القومية عن الصراع مع اسرائيل باستثناء قلة من الذين كانوا يتأهبون للسفر الى تل أبيب تطبيعاً أو تطويعاً أو اعتقاداً بأن الزمن أصبح اسرائيلياً بامتياز ولا قوة في الاقليم قادرة على أن تقول لا وأن على الفلسطينيين أن يستجيبوا لشروط الهزيمة.
لقد فقد العالم العربي اتزانه بفعل أحداث السنوات السبع الماضية وانهارت المعايير التي حكمته لعقود سابقة الى الدرجة التي لم يعد البعض يشعر أن اسرائيل باتت مشكلة باحتلالها بل أن الفلسطينيين الذين يديرون صراعاً معها هم المشكلة التي تعيق انفتاحهم على اسرائيل، هؤلاء أصيبوا بصدمة الطائرة كما تل أبيب وقد أشعلوا صراعاً مذهبياً استلوه من غمد التاريخ القديم ليطعنوا به حاضر العرب في قلب العواصم العربية لن تشفى منها قريباً .
انهار الاقليم وانهارت القيم وأصبح العالم العربي ضعيفاً الى أبعد الحدود ولم تعد قوة قادرة على مواجهة اسرائيل باستثناء ذلك المحور الذي ظل واقفاً وقلبه دمشق يمتد من طهران الى الضاحية بالرغم من تلقيه طعنات مميتة خلال السنوات الماضية وهذا ليس رأياً رغبوياً بقدر ما ينعكس في تقارير الأمن القومي الاسرائيلي التي تسميه "محور الشر" لذا فان أي حكم وطني بعيد عن المذهبية من الطبيعي أن يتمنى مزيداً من القوة لهذا المحور في مواجهة اسرائيل.
تصوروا لو سقطت سوريا بأموال الخليج التي تم ضخها من عواصم النفط بالمليارات والتي اعترف بها الشاهد من أهلها حمد بن جاسم وتصبح سوريا على دينهم تتجهز للانفتاح والتطبيع مع اسرائيل؟ كان ذلك سيكون يوماً حزيناً لكل فلسطيني وعربي، فالانقسام العربي في السنوات الماضية أظهر وضوح الرؤية من دول عملت بكل قوتها للإطاحة بدمشق وقوى دينية اقتربت من الحكم أحد زعمائها كان يدعو لإرسال متطوعين الى سوريا وأحزاب طالبت حزب الله بالانسحاب الفوري من سوريا أية سياسة تلك؟
عندما يتعلق الأمر بإسرائيل تذوب الفوارق بين كل الوطنيين والقوميين والأحرار في العالم إلا من أصابهم تيه المال والمصالح عندما يتساءلوا عن صراع طرفيه ايران واسرائيل ومع من عليك أن تقف مثلما فعل مراسل الجزيرة الذي فاجأ اسرائيل نفسها لأن اسرائيل بالنسبة له مثلها مثل أية دولة أخرى ولأن الأمر بحاجة الى التفكير مرتين وبحاجة الى استفتاء وقياس نسبة الأقلية والأغلبية، ان استطلاعه يشبه تماماً تلك الفتوى التي صدرت ذات يوم من الرياض بأن الشيعة أخطر من اليهود ولم نكن نعتقد أن تلك فتوى سياسية كانت تشكل مقدمة تمهيدية لما هو آت من اندلاق نحو اسرائيل.
الوجود الايراني في سوريا مشكلة لإسرائيل؟ فمرحبا به ، وحزب الله مشكلة مؤرقة؟ ندعو الله لإدامتها، الجيش السوري يرد على الطائرات الاسرائيلية؟ فله كل القوة وكل الدعم وكل الدعاء بالتوفيق دوماً هكذا الأمر ببساطة لا يحتاج الى معايير أخرى وهو شديد الوضوح إلا لمن فقدوا مجساتهم الوطنية والقومية وتساوت لديهم كل الأشياء ولم يعد احتلال القدس بالنسبة لهم يعني أي شيء، فهذه اسرائيل التي أدارت ظهرها لكل العرب ومبادراتهم السياسية حتى لأنها لم تعد تشعر بأن هناك من يستطيع ايذائها أو تحديها.
لقد انتهت المعارك في سوريا ودمشق وحلفائها يعيشون لحظات النصر وتلك أعطتهم قوة معنوية هائلة لأن من استمع لبياناتهم بعد اسقاط الطائرة يدرك الاتجاه العام لديهم حتى أن غزة البائسة التحقت بهم كأنها جزء من الفرح ولأنها تنتظر لحظة تشعر فيها بالزهو، وقد كانت لقد كان الرأي العام والحس الشعبي وهو أصدق القياسات يعكس موازين القوى في الشمال، يتابع ردود الاسرائيلي وهو يتابع الحدث راغباً في التهدئة ليدرك أن هناك من يجعل اسرائيل دولة ناجحة جدا في الحساب عندما يتعلق الأمر بالحرب في الشمال تحل معادلة الردع بنجاح شديد وهي لم تكن كذلك من قبل...!!!
المقال يعبر عن رأي كاتبه
نقلا عن / نبأ برس