بقلم: مهند عبد الحميد
مصير حوالي 300 الف مهجر سوري جديد يجلب القلق والحزن والغضب والاحساس بالعجز، بشر وآدميون وضعوا في شروط غير إنسانية مجحفة وشديدة القسوة، هؤلاء اضطروا للهرب من وسط الدمار، فأغلقت الحدود أمامهم وبقوا محاصرين بين قصف النظام وحلفائه بالصواريخ والبراميل المتفجرة، وبين حدود مغلقة، وجدوا أنفسهم يعيشون في أرض صحراوية مليئة بالعقارب والأفاعي بلا حماية، وبدون مقومات حياة ضرورية تجعل الأطفال وكبار السن باقين على قيد الحياة. الدولة الاردنية أعلنت انها لم تعد تحتمل إيواء لاجئين جدد بعد موجات الهجرة والتهجير السابقة. ودولة الاحتلال التي تفاخرت بإنسانيتها طوال سنوات الحرب السورية، أغلقت الحدود أمام اللاجئين السوريين وحشدت الدبابات لصد أي محاولة لتدفقهم الى أراضي سورية تحت الاحتلال – الجولان- وهي التي تفننت في قتل وإعاقة الشبان الفلسطينيين الذين اخترقوا أو حاولوا اختراق الحدود سلميًا مع قطاع غزة، فضلًا عن موقفها غير الانساني من المهاجرين الأفارقة. ولا يغير من حقيقة الموقف الاسرائيلي استعراض تقديم المساعدات الانسانية للاجئين الذين يمنعونهم من الدخول. هكذا يتجمع اللاجئون الجدد على أرض صحراوية، أمامهم حدود مغلقة، وخلفهم دمار وأرض محروقة بالبراميل المتفجرة، وليس من خيار لهم غير الصبر والاحتمال الذي لا يحتمل.
لم تعد المعركة بين فاشيتين وحلفائهما محط اهتمام أو اكتراث حول من يفوز، لأن النتيجة من حيث المضمون (سلب الحرية) واحدة، وكلاهما غدرتا بالشعب السوري شر غدر وضيقتا خياراته إلى حد العدم نسبة إلى توقه للحرية، ووضعتاه بين خيار العودة إلى فاشية النظام والقبول بعبوديته، أو القبول بفاشية الأصولية الدينية والقوى الدولية الاستعمارية والرجعية الاقليمية التي وفرت المظلة لها. لقد نجحت الفاشيتان في هزيمة الانتفاضة الشعبية السورية باقتدار، بعد نصف قرن من تقاسم الاستبداد وفرض اشكال من الهيمنة والتدجين والترهيب. وبعد مسلسل الاتفاقات التي كان عنوانها الحرص على سلامة جماعات الإرهاب وقياداته وتأمين ممرات وملاذات آمنه لها وليذهب الشعب إلى الجحيم.
ما يهم الآن وقف النزيف وعدم إضافة ضحايا ودمار ومعاناة وبؤس للشعب السوري. بعد أن بلغ السيل الزبا. النظام هو جوهر الأزمة كونه غير مكترث بمعاناة اغلبية الشعب السوري بل يزيدها سوءًا على سوء من خلال مواصلة التدمير والتهجير المتواصل، ولا يكتفي النظام بالتدمير والتهجير بل يعبث بالمناطق التي يعيد سيطرته عليها وتمارس قواته ومليشياته النهب والتنكيل بالمواطنين، ولا يمكنهم من العودة الى أماكنهم، وهذا يفسر ذهاب المنكوبين إلى كل الاتجاهات ما عدا مناطق سيطرة النظام إلا بمستوى محدود.
يستفحل الغدر بسورية الشعب، حيث لم يعد موته ودماره وتهجيره يحرك ساكنًا، لا رسميًا ولا شعبيًا. الان يتم الانقضاض على درعا رمز الانتفاضة الشعبية السورية ومفجرتها. وكأن المؤسسات الدولية السياسية (مجلس الأمن) والانسانية المعنية بشؤون اللاجئين وما يتعرض له المدنيون من أهوال غير موجودة في أحسن الأحوال، وقابلة بما يحدث في أسوأ الاحوال ثمة تجاهل وعدم اكتراث وصمت قل نظيره إزاء معاناة 750 ألف سوري يعيشون في محافظة درعا، تشرد 270 ألفا حتى يوم أمس بحسب أحدث إحصائية دولية. والمحزن هو الصمت الشعبي العربي إزاء محنة السوريين، التي عبر عن انكسار الشعوب التي انتفضت والتي ايدت الانتفاض، كان الاختراق شبه الوحيد للصمت الشعبي العربي حملة شعبية اردنية بعنوان (افتحوا الحدود بنقسم الخبزة نصين) أطلقها نشطاء أردنيون تطالب بفتح الحدود أمام المنكوبين السوريين. الصمت يأتي على خلفية صفقة أميركية روسية اسرائيلية، يتم بموجبها حسم أمني عسكري لمصلحة النظام واعلان فصل الختام لتقاسم النفوذ واعتماد الادوار. لم يعد الحل السياسي مطلوبا، وهو الحل الذي كان من شأنه التخفيف قليلا من معاناة الشعب السوري، ووقف النزيف الذي أدى الى هلاك حوالي نصف مليون سوري، والذي من شأنه تقليص المظالم التي قادت الى الانفجار الهائل .
هل ستكون معركة درعا هي الحلقة الأخيرة في الحرب السورية؟ معركة درعا ومن قبلها معارك الغوطة والزبداني وحلب وحمص، هي حلقات ضمن مسلسل الحسم العسكري الامني وإعادة تثبيت قبضة النظام وحلفه الخارجي. منذ البداية استبعد النظام وحلفاؤه الحل السياسي، واعتمدوا الحل الأمني العسكري الذي يعني في المحصلة الاخيرة، فرض حل سياسي يعبر عن منتصر ومهزوم، و إذا كانت التوازنات الاقليمية والدولية لا تسمح بمنتصر ومهزوم من بين الوكلاء، فان التفاهم الروسي الامريكي الاسرائيلي سمح بتمرير معادلة منتصر وهو النظام وروسيا، وجرى التبرع بالمعارضة الاصولية التي انتهى استخدامها راهنا، ووضعت المعارضة المستأنسة على الهامش، وكان الثمن المقابل هو تهميش العامل الايراني ومنع استخدامه الاراضي السورية في تعزيز نفوذه الاقليمي، والتزام النظام باتفاقية فك الاشتباك مع اسرائيل ببنودها المعلنة وغير المعلنة التي تحافظ على هدوء دائم مع اسرائيل، بإضافة عامل جديد هو الرعاية الروسية. الفائز في هذه الحالة هو اسرائيل وروسيا والنظام الاسدي الذي أصبح في إطار علاقات تبعية لروسيا، ومقبول من الغرب لطالما كانت اسرائيل راضية. كان المهزوم الاكبر هو الشعب السوري الذي كانت هزيمته عنصرا مشتركا للمعسكرين.
لا مناص من الاعتراف بهزيمة الانتفاضة الشعبية بجهود الفاشيتين ولمصلحتهما بقطع النظر عن الفاشية المنتصرة، وفيما أذا تقدمت روسيا وتراجعت أميركا أو فيما إذا اختفت اوروبا من المشهد السياسي والانساني ودخلت في غيبوبة اسمها رُهاب الهجرة والمهاجرين. الاعتراف بهزيمة انتفاضة الشعب السوري التي شارك في صناعتها المعارضة غير المستقلة والمتماهية مع الاسلام السياسي وتنظيماته الفاشية، تحت ضغط قوى التدخل الخارجي. إن الاعتراف بالهزيمة يعني المراجعة وإعادة بناء القوى الديمقراطية السورية المستقلة، وإعادة بناء التحالفات مع قوى ديمقراطية عربية وعالمية. وعزل القيادات الملتزمة بأجندات خارجية والتي اعتقدت انها ستكون على سدة الحكم حتى لو أتت على ظهر دبابة امريكية.
ولكن يبقى السؤال، من يتولى ويتكلف إعادة بناء البلد المهدم؟ في شرط ضعف القدرات الروسية، هل ستدفع دول الخليج استحقاقات إعادة البناء بقرار امريكي مقابل انحسار النفوذ الايراني، ام ان الدعم الاوروبي والخليجي سيشترط ادخال تعديلات في شكل الحكم دون المس بالنظام، كأن يكون ثمن إعادة البناء راس الاسد.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"