غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر سقط القناع عن القناع

بقلم: حسين حجازي

بعد سبعين عامًا أو الدرجات السبع التي تؤدي نزولًا أو ارتدادَا إلى ما يسمى نهر الشارون او الجحيم في المثيولوجية الإغريقية، أقدمت النخبة الاسرائيلية الحاكمة وهي نخبة سياسية وأيديولوجية يرى الكثيرون أنها الأكثر ضحالة من الناحية الثقافية والفكرية، قياسًا بذكاء وتفوق النخبة الاسرائيلية المؤسسة للدولة، على سن قانون في الكنيست يعيد تعريف ما هية اسرائيل باعتبارها دولة تقوم على الحق اليهودي.

وهو تعريف لا يأتي بجديد سوى التخلي عن الغلاف أو القناع السابق الذي طالما حافظت النخب الإسرائيلية السابقة على التمسك به، والابقاء عليه كجزء من خطابها الدعائي الموجه إلى الخارج. ولكن أما الاّن ولم يعودوا يرون في الخارج سوى هذا الأحمق دونالد ترامب، الذي يواصل كالفيل في المثل الشهير تكسير وتحطيم كل شيء، وفي القلب من ذلك المعايير الليبرالية والقيمية التي طالما حافظت عليها المنظومة الدولية، فما عاد شيء يهم.

والواقع أن ما يفعلونه اليوم هو نوع من تبديل الجلد والتساوق مع ما يمكن اعتبارها في بعض الدول الأوروبية وبعد انتخاب ترامب في أمريكا، صعود الموجة اليمينية القومية الشعبوية. وكأن هذه الدولة لا تنفك عن إحداث هذه الانتهازية في التماهي للمرة الثانية في تاريخها، محاكاة النبرة أو الريح الخارجية. المرة الأولى في الانحياز الذي قام به القادة الإسرائيليون الأوائل، إلى جانب التماهي مع النزعة لليبرالية الديمقراطية للغرب بعد الحرب العالمية الثانية. أما المرة الثانية اليوم فليس أدل عليها سوى المقامرة بالاصطفاف إلى جانب ترامب ورئيس الوزراء المجري ومن على شاكلتهم.

هذه إذا قد تكون لحظة تاريخية فاصلة بين مرحلتين، إذا كانوا قد تبرعوا من تلقاء أنفسهم بما لا يمكن وصفه بغير ذلك، أي تعرية أنفسهم من أي ستر أو غطاء. وقالوا من الآن وصاعدًا لكل العالم: انتبهوا نحن لسنا دولة احتلال، اّخر احتلال فقط، يؤكد على الذكرى الكريهة لحقبة غابرة من الاستعمار لا يزال العالم يشعر إزائها بالخزي والعار ويريد أن ينساها، ولكن "موتوا بغيظكم" نحن النسخة الثانية من دولة جنوب إفريقيا العنصرية.

هكذا قدموا ذلك بأنفسهم وربما تحت تأثير الغرور أو قراءة مضللة وخاطئة للواقع، بدافع شخصي لرجل يُحَقق معه وزوجته وابنه بطريقة غير مسبوقة بالفساد. ولكنه يريد أن يمحو ذلك كلطخة سوداء في سجله بحثًا عن إرث سياسي يتجاوز فيه عقدة بن غوريون.

ولكنه أيًا تكن هذه الدوافع المستترة للكشف أمام الملأ عن الصورة الحقيقية للدولة، فان ما يحدث هو وضع اسرائيل في حالة الدفاع خارجيا أمام العالم، ولكن هذه المرة ليس إزاء الجرائم التي ترتكبها ضد الفلسطينيين المسالمين على الحدود مع غزة، ولكن ازاء تعريف هويتها الجديدة.

فَمَن بعد الاّن حول العالم سوف يتحمل أن يستمع إلى بنيامين نتنياهو ومحدثيه وهم يتحدثون عن إسرائيل على أنها واحة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي؟، وكم دولة في العالم ولا سيما في الغرب سوف "تقبض" بعد الان الكذبة التاريخية عن التوازن بين يهودية الدولة والديمقراطية؟

وربما قد تكون هذه هي اللحظة التاريخية المماثلة للأسئلة التي طرحها الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر العام 1949 على بن غوريون، وتهرب هذا الأخير من الاجابة عليها قائلا: "إن هناك اسئلة لا يمكن الاجابة عليها". وكان سؤال بوبر بسيطًا وعميقًا " دولة لليهود من ـجل ماذا؟ " أي ماهي الرسالة التي تحملها هذه الدولة للآخرين، وهي الاسئلة بخلاف موقف بن غوريون الغامض الذي تهرب من الإجابة عليها كنوع من الدهاء السياسي، قام نتنياهو بالإفصاح عن الإجابة عليها، دولة يهودية قومية للشعب اليهودي لأجل أن يملك وحده حصرًا حق تقرير المصير بنفسه على أرض اسرائيل، ولكن ارض أسرائيل التي لا يتم تحديد جغرافيتها او حدودها.

وبدلًا من التفكير الجدي في محاولة الاندماج أو الانصهار التاريخي لكي تكون إسرائيل جزءًا من هذه المنطقة عبر هذه المصالحة مع التاريخ والجغرافية، فان النخبة الحاكمة في إسرائيل اليوم تقودها مرة اخرى الى هذه النزعة الثانية من محاولة التغريب، كجسم غريب في هذه المنطقة.

وقد تكون هذه مناسبة أيضا للرجوع الى ما يقوله كارل ماركس عن هذه الحالة المشابهة، الذي يلاحظ بنوع من العبقرية ومدهش أن الناس غالبًا يصنعون تاريخهم بإرادتهم، ولكنهم في غضون هذه العملية وهم ينخرطون بكليتهم في هذه المهمة، فانهم غالبا ما ينتج عن اعمالهم خلق ظروف جديدة مستقلة عن ارادتهم ومختلفة عما كانوا يرغبون به. والراهن أن موازين القوى الاقليمية قد لا تمثل تحديا أمام النخبة الحاكمة في اسرائيل ولكن هذا الوضع مؤقت.

ولكن واقع الحال انهم وهم يقرون هذا القانون فان الماّل الوحيد الذي تنتهي اليه هذه المغامرة، ليس فقط الانقلاب على الإرث السابق لصهيونية الدولة العلمانية والليبرالية، وانما الاصطدام في الوقت نفسه باستحالة تحقيق وتقرير المصير من جانب واحد، على الرغم أو ضد الفلسطينيين. إذا كان التوازن الديمغرافي بين الطرفين اللذين يتقاسمون العيش على أرض فلسطين هو العامل الحاسم.

وبهذا المعنى فان الذهاب إلى اقصى التطرف قد يرتد إلى عكسه، بان يؤدي ذلك بالنهاية الى تحديد هوية الدولة والارض باعتبارها دولة الفلسطينيين والاسرائيليين من النهر إلى البحر. وفي التاريخ كان التطرف غالبا يرتد إلى نقيضه.

صحيفة الأيام

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".