بقلم: هاني حبيب
تتسلم جمهورية مصر العربية رئاسة «الاتحاد الافريقي» خلال الدورة التي تنعقد فعالياتها في شباط القادم، تأكيداً لدورها بالغ الاهمية في القارة السمراء، منذ مشاركتها النشطة في مؤتمر اكرا عام ١٩٥٨، ثم لدى إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام ١٩٧٣، إلى التحول إلى الاتحاد الافريقي عام ٢٠٠٢، إلا أن أهمية هذا الدور يعود إلى ما قبل كل ذلك، وتحديدا إلى الفترة الناصرية، عندما كانت القاهرة تحمل لواء مساندة ودعم حركات التحرر الأفريقية، الأمر الذي أدى في ستينيات القرن الماضي إلى حصول عدد كبير من الدول الافريقية على الاستقلال من الاستعمار الفرنسي والبريطاني، وبروز قادة أفارقة أصدقاء للعرب والفلسطينيين، مثل الرئيس السنغالي ليوبولد سنغور، الذي كان أول رئيس إفريقي يتخلى عن الحكم طواعية لدعم التحول الديمقراطي في بلاده، والرئيىس الغاني نكروما، والكونتوي لومومبا، والأكثر بروزا وتأثيرا الزعيم الإفريقي العالمي اول رئيس أسود لجنوب افريقيا نيلسون مانديلا.
غير أن مصر عبد الناصر، لم تتوقف عن دورها المؤثر في القارة الافريقية بعد نيل دولها وشعوبها الاستقلال، فقد دعمت إعمار وتنمية العديد من شعوب القارة، إدراكاً منها أن الاستقلال السياسي يستلزم بالضرورة استقلالا اقتصاديا وتنمويا لقطع الطريق على الماضي الاستعماري.
وبالمقابل، دعمت دول عديدة في إفريقيا جمهورية مصر العربية، خلال وبعد حربي ١٩٦٧ و ١٩٧٣، اذ قطعت العديد من هذه الدول علاقاتها الدبلوماسية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. قبل الحرب الاخيرة، كانت إسرائيل تقيم علاقات مع حوالي ٢٥ دولة افريقية، الى ان هذه العلاقات تقلصت بعدها الى خمس دول فقط، في تلك الفترة، رأت الدول الافريقية، أن إحدى أهم دولها، تعرضت لعدوان واحتلال عام ١٩٦٧ من قبل إسرائيل، أما في حرب ١٩٧٣، فقد رأت هذه الدول أن مصر خاضت حرباً لاستعادة ما احتلته دولة الاحتلال الاسرائيلي، وظلت معظم الدول الافريقية تصوت لصالح القضايا العربية ككتلة منسجمة ومتكاملة مع الحقوق العربية وخاصة حقوق الشعب الفلسطيني في المنابر الدولية، مجلس الامن والجمعية العامة والمنظمات الدولية.
ولكن، ما بين الحقبة الناصرية، وتسلم مصر لرئاسة الاتحاد الافريقي بعد عدة أيام، جرت مياه كثيرة، فقد تغيرت هذه القارة كثيراً، وتأثرت بتغير الخارطة السياسية الدولية على الصعيد العالمي، كما تغيرت بنيتها السياسية الداخلية، من توترات وانقلابات وارهاب، فنحن الآن امام افريقيا مختلفة تماماً عما كانت عليه في ستينيات القرن الماضي، فقد عاد النفوذ الاستعماري من جديد، بثوب مختلف، تغيرت الانظمة وغادر القادة الكبار المؤسسون السياسة والحياة، وانعكس ذلك بشكل واضح على مواقفها من القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية، مع تزايد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، مستفيدة من إمكانيات الدولة العبرية في مجالات عديدة، كالتكنولوجيا والتسليح والتطور الزراعي وقصور المنظومة العربية في وضع سياسات تمكن دول القارة من الاعتماد على نفسها في مجال التنمية والدفاع عن مصالحها، هذا في المجال الاقتصادي، اما في المجال السياسي، فقد رأت هذه الدول، خاصة بعد اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، ثم مؤتمر مدريد للسلام بين العرب واسرائيل، ان هناك عملية سلام ومفاوضات تكفي لكي تبرر لهذه الدول اقامة علاقات مع دولة الاحتلال الاسرائيلي.
في السنوات الاخيرة، تنبهت اسرائيل الى القوة العددية التصويتية الهائلة للدول الافريقية في المنظمات الدولية، قام قادتها بعدة زيارات منسقة ومتكاملة من رئيس الدولة الى رئيس الحكومة وصولاً الى وزراء الخارجية لدول القارة، كما استقبلت عدداً من قادتها، كان آخرهم الرئيس التشادي الذي استقبل رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو مع تبادل العلاقات الدبلوماسية التي كانت مقطوعة، والزيارة المقررة قريباً للرئيس المالي، في ظل هجمة أميركية على الدول التي لا تصوت لصالح إسرائيل في المنظمة الدولية وتهديدها بقطع المساعدات المالية عنها، بالتوازي مع هرولة عربية للتطبيع مع إسرائيل، كل تلك العوامل، ستغير من طبيعة المواقف الإفريقية من الصراع العربي - الإسرائيلي، وفي الجوهر منه، الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فماذا نحن فاعلون؟!
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"