بقلم: طلال عوكل
المشاركة الشعبية الواسعة لمناسبة إحياء الذكرى الثالثة والأربعين ليوم الأرض، قدمت مشهدا آخر، وشاهدا جديدا، على وحدة الشعب الفلسطيني وتمسكه بأرضه وحقوقه التاريخية، ولكن هذه المشاركة أيضا تقدم مشهدا وشاهدا آخر، على انقسام الفصائل والسلطات.
قبل يوم الأرض بأيام قليلة كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يهدي نتنياهو صكا، بالسيادة على هضبة الجولان السورية، الذي كانت إسرائيل قد أعلنت ضمه العام 1981، وعد آخر، يحمل توقيع ترامب، بعد وعد بلفور العام 1917، ليشكل وعد بلفور بداية المرحلة الأولى من المشروع الصهيوني، فيما يشكل وعد ترامب المرحلة الثانية من ذلك المشروع.
المرحلة الأولى من المشروع الصهيوني، نجحت في إقامة دولة إسرائيل على 78% من أرض فلسطين، فيما المرحلة الثانية منه، تستهدف التوسع لالتهام بقية الأرض الفلسطينية، وأجزاء من المحيط العربي، في الطريق إلى الشعار الذي رفعته الحركة الصهيونية "من النيل إلى الفرات" أرضك يا إسرائيل.
لم يعد ثمة غموض، بشأن نية إسرائيل وبدعم كامل من الولايات المتحدة، للقفز على الجزء الأكبر من الضفة الغربية، كما قال الرئيس محمود عباس في كلمته أمام القمة العربية التي انعقدت في تونس يوم أمس.
ما لا يرغب الفلسطينيون بشكل عام، الاعتراف به، هو أن السياسة التوسعية الإسرائيلية، لم تعد تترك مجالا للبحث في إمكانية تحقيق المشروع الوطني، على الأراضي المحتلة العام 1967، وبأن تلك السياسة، تدفع الأوضاع، دفعا نحو الصراع المفتوح على كل أرض فلسطين التاريخية.
إن التأخر في التعامل السياسي الواقعي مع هذه الحقيقة، من شأنه أن يستنزف الكثير من وقت وجهد الفلسطينيين، قبل أن يعيدوا صياغة استراتيجياتهم، استنادا لهذه الحقيقة.
صحيح أن الأرض بتتكلم عربي، وأن إسرائيل مهما فعلت من أجل مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، لا يغير من انتماء الأرض، طالما أن الشعب الفلسطيني موجود على أرضه، حتى لو بدا عليه الوهن والتشتت، لكن ذلك لا يبرر إطلاقا، السياسة الجارية، التي تضعف المواجهة، وتستنزف قدرة الفلسطيني على الصمود.
لن تغير السياسة التوسعية من واقع انتماء الأرض، حتى لو مضى على احتلالها مئات السنين، فها هي تصادر 78% من أرض فلسطين التاريخية منذ أكثر من سبعة عقود لكن الفلسطينيين لم يسلموا بذلك، ولن تنجح إسرائيل في الفصل بين الشعب الفلسطيني وأرضه.
على أن السياسة لا تستند إلى القدرية، فإذا كان العرب، سيمررون، ما تنطوي عليه السياسة الأميركية والإسرائيلية، بشأن الجولان، فإنهم يكونون قد أعطوا إشارة مسبقة، لتشجيع الحلف الأميركي الإسرائيلي على استباحة الأرض والحقوق الفلسطينية.
على العرب أن لا يكتفوا بإصدار بيانات الشجب والرفض والاستنكار، وكان حريّ بهم، أن يقرروا عودة سورية إلى المؤسسات العربية سواء القمة أو الجامعة العربية، خصوصا بعد أن اتضح للجميع أن سورية قد بدأت تتعافى، وستبدأ قريبا في تجاوز المخططات التي تعرضت لها.
الأرض الفلسطينية والعربية تتسرب ويجري التغول عليها من قبل إسرائيل لاستكمال المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني التوسعي فيما العرب ضعفاء، منقسمون، ومتصارعون ضد بعضهم البعض، وبعضهم يمالئ الحلف الأميركي الإسرائيلي، متجاهلا، أن التوسعية الأميركية الإسرائيلية لا تقف عند حدود فلسطين وجوارها، بل إن النيران ستأتي عليهم.
ولكن يجدر بنا أن ننبه الفلسطينيين، قبل العرب، بشأن ما يفعلونه تجاه أرضهم وحقوقهم، وحيث إن واقعهم لا يختلف عن واقع الجماعة العربية. الفلسطينيون يرفضون "صفقة القرن"، ويقاومون كلّ على طريقته السياسة الإسرائيلية العنصرية التوسعية، وبعضهم يعلي من سقفه فيدّعي أنهم قادرون على إفشال "صفقة القرن"، إن لم يكونوا قد أفشلوها فعلا. أي ادعاء هذا، فيما الكل يعترف بأن استمرار الانقسام الفلسطيني يشكل ذخرا استراتيجيا لإسرائيل؟ وإذا كان البعض يقول ذلك من باب اتهام الآخر بالمسؤولية عن استمرار الانقسام خدمة للسياسة الإسرائيلية، فإن على هذا البعض أن يتذكر ما قاله بنيامين نتنياهو من أن إدخال بعض الأموال القطرية، إلى غزة، هو جزء من استحقاقات الحفاظ على الوضع القائم بين الفلسطينيين الذي يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية.
وعلى هؤلاء وأولئك أيضا أن يقرؤوا واقع الحال الفلسطيني بعين فاحصة حيث إن الانقسام وتبعاته، يساهم مساهمة فعّالة، في تقويض عوامل الصمود للمواطن الفلسطيني.
ينبغي أن نسأل هؤلاء إذا ما كان صمود الفصائل، يشكل بديلا عن صمود الشعب، من أجل تحرير الأرض.
في قطاع غزة كان مشهد إحياء ذكرى يوم الأرض، واضحا حيث كان للحشد المنضبط هدف واضح، ورسالة واضحة، ذات طابع مطلبي واستحقاق لضمان سريان مفعول التفاهمات التي نجح في تحقيقها الوفد الأمني المصري على قاعدة هدوء نسبي مقابل تخفيف للحصار.
جيد أن ترغم فصائل المقاومة إسرائيل على تخفيف ورفع الحصار الظالم المفروض على القطاع منذ اثني عشر عاما، ولكن إذا كان السؤال الذي يتردد أن السلطة أيضا تمارس الحصار على قطاع غزة، فلماذا لا يبحث المعنيون عن صيغة تفاهم، تؤدي إلى رفع هذا الحصار؟
في الحقيقة، فإن من يثق بالوعود الإسرائيلية، إما أن يكون جاهلا في السياسة، أو أنه يبحث عن مسكّنات وتبريرات، ذلك أن إسرائيل لن تعطي الفلسطينيين إلاّ ما أرادت أن تعطيه، وبما يخدم سياساتها ومصالحها.
التفاهمات التي وُقّعت لن تؤدي إلى تغيير واقع الحال المرير الذي يعيشه الناس، ولن تشكل إنقاذا لأحد، ذلك أن الطرف الآخر المعني بتنفيذ تلك التفاهمات سيكون غير موجود بعد بضعة أيام فقط بسبب الانتخابات.
ولو افترضنا أن إسرائيل ستنفذ تلك التفاهمات فسيكون واهما من يعتقد أن حال الناس في القطاع سيتبدل كثيرا، ما يعزز القناعة بأن إنهاء الانقسام مهما كان الثمن هو مفتاح السرّ في رفع تلك المعاناة ورفع الفيتو عن القدرة الفلسطينية لمواجهة "صفقة القرن".
عن صحيفة الأيام الفلسطينية