بقلم: عبد المجيد سويلم
بسهولة ويسر كان يمكن أن يكون عنوان هذه المقالة «آهٍ لو فشلت ورشة المنامة»، أو «ماذا بعد فشل ورشة المنامة؟»، أو «بعد فشل ورشة المنامة ما العمل؟». لكن دعونا نعتبر أن العنوان الأصح، والأقرب إلى الحذر، والأكثر واقعية هو العنوان أعلاه.
ماذا لو فشلت الورشة؟
إذا فشلت بالمعنى المباشر أو إذا فشلت ان تنجح فسيكون لهذا الفشل (الفشل الفشل والفشل بالنجاح) له ما بعده، وربما سيكون الخطوة الكبيرة الأولى لإحباط الخطة الأميركية التي تسمى «صفقة القرن».
على كل حال مقدمات الفشل كبيرة. فقد تهاوت التوقعات، وتراجعت مستويات التمثيل، وسقطت المراهنة على انقسام سياسي كبير في مواجهة الخطة من المستوى الفلسطيني، كما تقلص الحضور من حيث المعنى والمغزى والمضمون عربياً ودولياً.
فالذين وافقوا على الحضور (سريعاً) لا يخفون معارضتهم لاعتبار الورشة خطراً إذا لم تترافق مع خطة سياسية واضحة حول الحقوق الوطنية الفلسطينية، والذين ما زالوا على تخوم الحضور يعلنون أنهم لن يوافقوا أبداً على أية خطط غير مستندة إلى الشرعية الدولية والقانون الدولي، بل وحتى قرارات الإجماع العربي.
كما أن من أهم مقدمات الفشل هي خيبة الأمل الإسرائيلية الكبيرة، إن كان لجهة الحضور الرسمي، أو لجهة تحويل الورشة إلى ورشة «خبراء»، بدلاً من ورشة سياسية بالدرجة الأولى، من حيث انعقادها والمشاركون فيها، ومن حيث مدلولاتها المباشرة والبعيدة.
صحيفة «معاريف» الإسرائيلية اليمينية قالت، أول من أمس، إن فشل الورشة هو انتصار لرام الله وللرئيس أبو مازن (نصّاً). المهم هنا هو أن فشل الورشة هو أكبر إرباك لكامل الخطة الأميركية. وتأجيل الإعلان عن «الشق السياسي» للخطة الأميركية إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية هو اعتراف ضمني بأن الخطة هي في حالة ترنُّح.
فشل ورشة المنامة هو بروفة لفشل كامل الخطة.
لماذا؟ لأن موعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية هو في الواقع موعد مخادع.
من أين للرئيس ترامب أن يضمن نجاح حليفه من اليمين الإسرائيلي المتطرف في الانتخابات القادمة؟!
ومن اين للثلاثي المتحمس للخطة اكثر من حماسة المستوطنين لها ان يؤمن للرئيس ترامب ما يريد على المستوى الداخلي الاسرائيلي!!؟
اليمين في إسرائيل دخل في معركة «الميراث» لما بعد نتنياهو، والقوى المتطرفة قومياً ودينياً قد تجد نفسها خارج اللعبة إذا ما تم تحالف أجزاء رئيسية من «الليكود» مع قائمة «أزرق ـ أبيض» بعد أن يتم التخلص من نتنياهو، أو الإطاحة به.
إذاً، فقدت الخطة كل العناصر المفترضة لها فلسطينياً وعربياً ودولياً وربما إسرائيلياً، فلن يتبقى للرئيس ترامب من مناصرين لهذه الخطة سوى الطاقم الذي أعدّها، وربما دولة ميكرونيزيا وبعض قادة بقايا جمهوريات الموز الغابرة.
إفشال ورشة المنامة بهذه المعاني كلها هو عمل سياسي كبير، وعلى الولايات المتحدة وإسرائيل أن تراجع حساباتها، لأن الشعب الفلسطيني ليس لقمة سائغة، وهو يثبت في أحلك الظروف وأصعبها أنه عصي على الانكسار.
إفشال ورشة المنامة عمل قائم على قدم وساق، وهذا العمل سيمتد للمرة الأولى منذ سنين طويلة إلى البعد الشعبي على المستوى العربي الشامل. والشارع العربي المرصود جيداً من الولايات المتحدة وإسرائيل ومن الأنظمة العربية ان دخل على خط مواجهة الخطة الأميركية فستتحول الخطة الأميركية إلى ورطة سياسية بكل ما في هذه الكلمة من معنى. لكن المفارقة هنا هي أن الولايات المتحدة إن فشلت «المنامة» أو أُفشلت تكون قد «أنجزت» لإسرائيل ما تم إنجازه، ويكون الرئيس ترامب قد مهّد الطريق لحملته الانتخابية القادمة، معوّلاً على دعم المسيحية الصهيونية وعلى دعم اليمين اليهودي في الولايات المتحدة.
أي أن إفشال ورشة المنامة وفشل الخطة في شقها السياسي لا يعني أنها سقطت، وسيتم إلغاء أو مراجعة ما قدمه ترامب لإسرائيل.
ولا يعني فشل وإفشال الخطة أن الولايات المتحدة ستعود للحديث عن دولة فلسطينية أو القانون الدولي، أو منع إسرائيل من «الضم»، أو حتى إيقاف الاستيطان.
فهذه المسائل تعتبرها إسرائيل «حقوقاً مكتسبةً» يجب «المحافظة» عليها والانطلاق منها نحو البحث عن حل سياسي.
وعلى العكس من ذلك فإن الثلاثي المتصهين يمعن في التهوّر، ويوغل في التطرف السياسي كل يوم.
الطاقم المتهوّر الجوّال، والطاقم المتصهين القابع في الإدارة (بنس وبولتون وترامب)، حسب درجة التطرف والتعصب، ليس لهم غير اليمين في إسرائيل، واليمين المتطرف في إسرائيل ليس لديه سوى هذين الطاقمين للإبقاء على ما تم (إنجازه) لإسرائيل، ولهذا بالذات فإن المنتظر هو المزيد من التهوّر، والمزيد من المعاداة للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.
بعد الإفشال لورشة المنامة سنشهد هجوماً أميركياً جديداً على القيادة الفلسطينية، وستوضع مسألة البحث عن بدائل وقيادات جديدة على جدول الأعمال المباشر.
وبعد إفشال ورشة المنامة ستنهال الضغوط الأميركية على العرب من أجل «المساهمة والمشاركة» في حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه، وستبدأ حملات إعلامية مسعورة في ملفات «الفلتان» و»الفساد» وغيرها وغيرها من الملفات التي تخطر على البال والتي لا تخطر أبداً.
أخطر هذه الملفات هو ملف التماسك الداخلي لأن القلاع لا تسقط إلاّ من داخلها.
آن الأوان لكي نستيقظ، ولكي نستعيد كل ما يمكن استعادته من إمكانيات الوحدة والتماسك على مستوى مؤسسات الشعب وعلى مستوى كل فئاته وقطاعاته ومكوناته، السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لأن المواجهة القادمة هي الفاصلة.
فإذا نجحنا في إفشالهم فليس أمام العالم وأمام العرب وأمام أميركا وإسرائيل سوى التسليم بالأمر الواقع الحقيقي وليس الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل بالقوة والعدوان.
وعلى القيادة الفلسطينية أن تعرف أنها لا تملك غير شعبها، وإرادته وقوته ومنعته للمواجهة.
ثقة الشعب الفلسطيني بقيادته واستعادة علاقة الدعم والتلاحم هي السلاح الذي سيحدد مسار هذه المواجهة، ووجهتها ونتيجتها الحاسمة.
هنا التحدّي والتحدّي هنا. هنا المعركة والمعركة هنا.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"