غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

نقد ذاتي

عبد الغني سلامة

بقلم: عبد الغني سلامة

ليس هناك من يتآمر على السلطة الوطنية أكثر من السلطة نفسها؛ فكلما حققت إنجازا، جاء من يهدمه، وكلما بنت جدارا للثقة مع الجماهير، جاء من يقوضه، وبين الفينة والأخرى يأتي أحدهم بفضيحة، أو بفعل منكر ليؤكد للعالم أننا سلطة فاسدة..

وهؤلاء يأتون من داخل السلطة، ومن مواقعها المتقدمة، من النخب الحاكمة، يأتون طوعا بأفكار غبية، وبممارسات هدامة، تزيد من مساحة الفجوة التي تفصل السلطة عن الشعب يوما بعد يوم..

فوق رؤوسنا ستون مصيبة على الأقل، تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة، وأزمة شاملة على وشك الحدوث، وهنالك صفقة القرن، وإجراءات ومخططات الضم للأغوار والمستوطنات، ومخططات تهويد القدس التي تجري على قدم وساق، وجائحة الكورونا، بكل تبعاتها وتداعياتها.. وبدلا من مواجهة ذلك كله، وبدلا من طرح الخطط والاستراتيجيات الوطنية لإنقاذ شعبنا ومشروعنا الوطني مما يحيط بهما من مخاطر وتحديات، يأتي هؤلاء لطرح مشاريعهم الخاصة..

بالأمس، حاول بعضهم تمرير قرارين لا يستفيد منهما سوى من هم برتبة وزير، وعلى حساب الموازنة العامة، في وقت المحنة، والأزمة الاقتصادية التي تطل برأسها.. والغريب أنه عندما أقدم الأطباء على اتخاذ خطوات احتجاجية للمطالبة بحقوقهم، قيل لهم هذه "وقاحة"، بسبب أزمة الكورونا.. وعندما طرحت تعديلات قوانين لخدمة كبار المسؤولين قيل هذا "اجتهاد قانوني".

بعد ذلك، تمرير قرار بقانون بشأن تعظيم دور ديوان الرئاسة، ومنح امتيازات خاصة لبعض العاملين فيه، وخلق هياكل مالية وإدارية لتعزز مصالحهم الشخصية..

ولحسن الحظ، تم التراجع عن القرارين، وإلغائهما، طبعا بفضل الضغوطات الشعبية، ودور المنظمات الحقوقية، ولولا إعلام "السوشال ميديا" ربما مر القراران دون أن نعلم بهما!

وقبل مدة، خرج بعض المتملقون بكتاب "قدوتنا رئيسنا"، ثم "أوبريت ملك السلام".. وأيضا تم إلغاء الفكرتين من قبل الرئيس نفسه.. وهذا يكشف عن قضية أخطر؛ وهي آلية اتخاذ القرار في مؤسسة الرئاسة، ومن يتخذ القرار؟

أصحاب هذه الأفكار والمشاريع المسيئة للشعب الفلسطيني ولتراثه النضالي، والمسيئة للرئيس أيضا، الذين يتصرفون بمستوى هابط ومبتذل من النفاق، والذين لا يهمهم سوى مصالحهم الضيقة والأنانية.. ما هم إلا عبء ثقيل على الوطن وعقبة كبيرة أمام المشروع الوطني، وآن الأوان لكشفهم بالأسماء، وتقديمهم للمحاكمة..

هؤلاء يريدون سلب السلطة دورها الوطني المأمول، وتحويلها إلى مجرد كومبرادور، ووسيط للاحتلال.. سياسيا، المراوحة في نفس المربع "الفاشل"، وأمنيا، حماية الاحتلال، واقتصاديا إبقاء الاقتصاد الوطني تابعا وملحقا بالاحتلال..

هؤلاء يتعمدون إفشال أي مجهود باتجاه إنهاء الانقسام، أو إجراء الانتخابات، أو تقوية منظمة التحرير، وإعادة دورها ومكانتها الوطنية.. يتعمدون تقويض جهود مكافحة الفساد، وتعطيل كل محاولات الإصلاح (إصلاح المنظمة، وإصلاح السلطة)، لا يريدون عقد دورات منتظمة للمجلس الوطني، أو للمؤتمر الحركي، لا يريدون استنهاض ثورية فتح، ولا غيرها من الفصائل الوطنية، ولا استنهاض الشارع، ولا دعم المقاومة الشعبية.. ولا يريدون منح الشباب والمرأة والكفاءات أي دور.. لا يريدون تطوير مناهج التعليم، ولا تغيير الأنماط السلبية السائدة على مختلف المستويات..

كل ما يريدونه الحفاظ على مصالحهم الشخصية، وتضخيم كروشهم، وحساباتهم البنكية.. هؤلاء، لديهم بيوتا خارج الوطن، وهم مستعدون للهروب إذا انهارت الأوضاع، أو إذا لم يعد الوطن بقرة حلوب.. سيكونون كالفئران، أول من يهرب من السفينة الغارقة..

وحتى نكون واضحين في نقدنا، لا بد من التمييز بين فئتين: فئة تتعمد التخريب، بعقلية منهجية ومدروسة، وفئة تخرب وتهدم دون قصد، أو نتيجة اجتهادات خاطئة، أو تقصيرا منها عن أداء دورها، وصحيح أنه في الحالتين النتيجة كارثية، وكما قيل: "الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة"..

لدينا أمناء فصائل عفا عليهم الزمن، ووزراء تبوؤا مناصبهم بالصدفة، أو لاعتبارات مناطقية وحزبية.. ووزراء أعظم منجزاتهم ضبط حضور وانصراف الموظفين.. ولدينا وكلاء غير مختصين، ومديرين عامين جل همهم التنغيص على صغار الموظفين.. ولدينا سفراء لا يفعلون شيئا يستحق الذكر..

الأزمة ليس فقط في السلطة كما يتوهم (أو يروج) البعض، المشكلة أيضا وبنفس درجة الخطورة تكمن في فئات عديدة من المجتمع.. فمثلا لدينا تجار كبار يتهربون من دفع الضريبة، وهم على علم بأنهم بذلك يدعمون جيش الاحتلال، ويحرمون السلطة من أهم مورد مالي..

لدينا 25 ألف مليونير فلسطيني.. أغلبيتهم الساحقة لا يتبرعون حتى بزراعة شجرة في ميدان عام..

لدينا قوى معارضة لا تجيد سوى الانتقاد، وبث الروح السلبية، ومهاجمة السلطة على الحق والباطل، ليس لديها أي مشروع بديل، أو خطة طوارئ، أو أشخاص أكفاء قادرون على تولي المناصب الهامة لإحداث التغيير الإيجابي.. المعارضة يا سادة يا كرام في الدول المحترمة تكون شريكة في الحكم، وشريكة في تحمل المسؤولية، ولا يقتصر دورها على الردح والشتم..

وحتى لا نكون سوداويون في النقد، وحتى لا نفقد الأمل، لنتذكر أننا شعب حي، وباقٍ فوق أرضه رغم كل الصعاب، لدينا ذكرى أرواح ألوف الشهداء، ووصاياهم النبيلة، لدينا خمسة آلاف أسير في المعتقلات الإسرائيلية، عدا عن مئات الآلاف ممن سبقوهم، لدينا تراث كفاحي عريق، وما زالت فئات عريضة من جماهيرنا تتصدى يوميا لمخططات الاحتلال الاستيطانية في الميادين، بصدورهم العارية، ولدينا شباب واعدون، وكفاءات عظيمة في شتى المجالات، لدينا مثقفون وأدباء وفنانون، لدينا وطن جميل نحبه، ومستقبل مشرق نتطلع إليه، ومستعدون للتضحية في سبيله..

لدينا اليوم بالذات، حكومة مستنيرة، تعمل بجد وإخلاص، وتحاول جهدها تنظيف إرث ثقيل من الممارسات الخاطئة والمنكرة..

وحتى ننجح، لا بد أولا من إجراء نقد ذاتي جريء، وتقييم كل المراحل السابقة، وفي سياق هذه المراجعة، ومن نتائجها سنتخلص من طبقة الطحالب التي نمت على هامش ثورتنا، واستغلت نقاط ضعفنا، حتى استقوت، وباتت هي من يصنع القرار..

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".