بقلم: أشرف أبو خصيوان
في زمن الفساد السياسي، والانقسام الجغرافي، وتصريحات سياسيّي البلاد عن تصديهم لجائحة كورونا، وغياب جامعات الوطن عن تَصُدر مشهد البحث العلمي في مختبراتها في محاولة لإيجاد علاج لتلك الجائحة، نبقى نحن والوطن على لائحة الانتظار. وفي خضم تلك الأزمات نتساءل متى يبتسم لنا الفجر كي نحقن أنفسنا بلقاح العلم والمعرفة والحضارة، ليس لمواجهة الجائحة، بل لمواجهة الانقسام النفسي الذي حصد مستقبلنا ومستقبل أبنائنا من بعدنا.
في نصف الوطن لا زلنا ننتظر من سيدفع لنا ثمن كورونا، ثمن البقاء في بيوتنا كي نُحافظ على أنفسنا ونقي المجتمع شر انتشار الوباء، كورونا التي أصابت عقولنا وبطوننا، وأبقتنا أحياء في بيوتنا، وأشباحا في مدننا. وأبقت لنا مستقبلًا مجهولًا وعالمًا مجنونًا يلهث خلف جائحة لا تُرى بالعين المجردة. نحن لا نصنع ما يصنعه العالم، نحن فقط نبحث عن طُرق جديدة لمواءمة الحياة في ظل كورونا بعيدًا عن صناعات لن تنفع أصحابها حاليًا، مثل الطائرات والحاملات والنوويات والغرف السرية والمغلقة والمدافع والبارود، فماذا صنعتم لمواجهة كورونا، ومن سينفعنا.
في نصف الوطن، لا زالت كورونا تُظل الطريق عنا، سعيًا منا ومنها لعدم الدخول في صدام نفسي آخر. تكفينا سنوات الحصار، وحياة الظلام. ويكفينا قهرًا التحلل من مسارات المصالحة وتوحيد نصفي الوطن أو أنصافة.
تحت مجهر كورونا، تُطبخ معالم صفقة سياسية جديدة، بروح التفاهمات، من أجل إنقاذ ما يُمكن إنقاذه من الوطن أو نصف الوطن. ملامح الطّبخة السياسية الجديدة تُشارك فيها أقطاب سياسية من هنا وهناك، بعد أن تظفر كورونا أو غيرها بسيد البلاد، كي تكون بديلًا جاهزًا تحت ظل راع جديد للمصالحة. فقد دخلت بلاد الثلج على الخط من أجل إطفاء نار مُلتهبة منذ 14 عاما، هي نيران الانقسام والشقاق، والتشرذم والبعثرة.
تطفو على السطح أصوات جديدة من أجل توحيد شطري حركة فتح تحديدًا، وتمهيدًا لمصالحة أكبر بين الأحزاب المتخاصمة. فقد بات واضحًا أنه لا مصالحة بدون وحدة حركة "فتح"، وأن سلطة رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، على قطاع غزة باتت معدومة في ظل خيارات حركة "فتح" الضعيفة بعد بعثرة التنظيم وعدم القدرة على احتواء أوراق جديدة في صفوفه، وبعد سنوات العصف التي مرت بها الحركة.
ما هي ملامح الاتفاق الجديد؟
هناك ملامح اتفاق، وقد يُشارك ممثلو نصف الوطن في إرساء معالم جديدة للقضية الفلسطينية خلال الأشهر القادمة وذلك في محاولة أخيرة منهم للتصدي لصفقة القرن وكورونا، والتصدي لمحاولات ضم أراضي الضفة الغربية وغور الأردن.
يقضي الاتفاق الجديد بين القوى الفلسطينية في غزة والضفة والخارج على أن تتولى مجموعة بؤرية مركزة قيادة الحكم في الأراضي الفلسطينية تمهيدًا للانتخابات التشريعية والرئاسية. تستعد أقطاب سياسية لعقد تحالفات وشراكات سياسية على الإدارة، وتوزيع المناصب والمراتب في ما بينها في محاولة ثانية منهم لإقناع الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس بالتحديد. إنّ هذه القيادة وهذه الوجوه قادرة على رص الصف الفلسطيني من جديد، وتغليب مصالحه السياسية والاقتصادية على مصالحهم الشخصية، وإنهم قادرون على إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتحييد خلافاتهم الداخلية جانبًا حتى يتم التصدي لكافة العقبات السياسية والاقتصادية والتي تتعلق بإسرائيل تحديدًا وتجنب الانفصال بين غزة والضفة.
وترعى الاتفاقَ أطراف عربية ودولية جُديدة قادرة، في لحظة تاريخية، على حسم معركة الانقسام الفلسطيني وإنهائه، وإعلان الوحدة الفلسطينية وتحقيق المصالحة والاتفاق على برنامج سياسي موحد يقضي بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وترعى تلك الأطراف تطبيق ذلك.
ليس جديدًا على الشعب الفلسطيني أن تظهر مثل هذه الأفكار أمامه. فقد أعاد مثل هذه النظريات. ولكن عندما يحين وقت التطبيق تتلاشى وتبقى أوهاما عالقة في ذهنه لمدى بعيد تساهم في زيادة حالة الكآبة والكبت بداخله، وربما تصل به إلى مرحلة الكُفر بما أنزلت علية من مقترحات لها علاقة بالمصالحة أو الانقسام أو الوحدة الوطنية.
عن موقع عرب 48
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"