د. محمد مشتهى
القول بأن الفساد هو مالي أو إداري ونقطة على السَّطر، هذا ليس كافي، وإن أخطر الفساد هو فساد العقول، صحيحٌ أن كل تنظيم يوجد فيه تداول للمال هو عُرضة للفساد، لكن القول بأن هذا التنظيم على إطلاقه فاسد!! فهذا ليس من المنطق، ربما واحد أو اثنين أو عشرة أو أكثر من ذلك فاسدون ويسرقون المال، لكن هل الكل يسرق؟ قطعا لا، وليس كل شخص لَبِس قميصاً جديداً صار فاسد أو اشترى سيارة أو تملك بيت صار فاسد، كل تنظيم فيه أموال متداولة يكون فيه شبهة أو شبهات فساد، والحد من الفساد يكمن بالتدقيق، والمنطق يقول: الفساد يُعتبر محدود بمحدودية مَن يُتدَاوَل بأيديهم المال وليس بالإطلاق، والسؤال هنا: كم شخص في التنظيم يمكن أن تقع بين يديه أموال كثيرة؟ بالتأكيد العدد محدود، إذن إطلاق الفساد على مجمل التنظيم غير منطقي، حتى هذا لا يعني أن كل من يقع تحت أيديه مال هو فاسد، والأصح ألاّ يُقال إن ذاك التنظيم كله فاسد بل يمكن القول بأن هناك فاسدين نعم، لا يوجد محاسبة نعم، لا مساءلة نعم، ولا متابعة نعم، لكن أن يُقال إن هذا التنظيم كله فاسد هذا غير منطقي.
يقول الله عز وجل: "وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ" صدق الله العظيم، إذن هناك صَنف من الناس في حال أُعطِيَ يشعر بالرضى ثم يصمت، وفي حال لم يُعطَ يتكلم ويصرخ ويغضب، والفاسد لا يُحسَد على فساده، أي ليس مطلوبا من الشخص أن يَحسد فاسدا بل يشفق عليه وأن يواجهه وليس أن يتمنى ما لديه من مالٍ حرام.
كل مجتمع فيه العفيف وفيه السيء وفيه المُحترم وفيه أيضا الفاسد، وأنت مفروض أن يكون قدوتك المُحترم وليس السَّيء، الفاسد الذي يحلب في مؤسسة من مؤسسات التنظيم نعم هذا فاسد ومطلوب محاسبته، ويمكن القول إن هناك خلل في التنظيم، لكن لا يجوز أن يُقال أن التنظيم كله فاسد، إطلاق الأحكام وتعميمها فيه ظٌلم وايضا فيه خطورة، وهذا الإطلاق لا يليق بإبن تنظيم محترم أن يقوله، حتى على مستوى الدول وكافة المجتمعات يوجد فاسدين ويوجد أيضا محترمين، وفي التنظيمات قطعا يوجد فاسدين وقطعا يوجد خيّرين.
الشعار الذي رفعه اللبنانيون مؤخراً "كِلّن يعني كِلّن" هذا شعار خطير وملغوم في نفس الوقت، وخطورته تكمن في أنه يحمي الفاسد، لأنه عندما يتم وضع الفاسد والمُصلِح في ميزان واحد ثم التصويب على الجميع، بذلك ومن حيث تدري أو لا تدري أنت تدعو لحماية الفاسدين بهذا الشعار ولا تواجه المفسدين، وهي دعوة للفساد وليست دعوة للإصلاح، حتى إن إطلاق حُكم الفساد ثم تعميمه هو رغبة ومطلب يَصُب في مصلحة الفاسد، لأنه يتستر خلف هذا التعميم وهذا الشعار، وببساطة إطلاق التعميم لا يشكل خطرا على الفاسد ولا يُعرّيه، أما الذي يشكل خطر ويُعرّي ويواجه الفاسد هو خلق نظام محاسبة ومحاكمة، وهكذا شعارات وأحكام وتعميمات مطلوب أن يُرَد عليها بهذه اللغة وألا يتم التساوق معها.