دعت مؤسسات حقوقية على لسان متحدثين باسمها، اليوم الأربعاء، لضرورة إيجاد حل سريع وفعال لقضايا العنف ضد النساء، القائم في قطاع غزة والضفة الغربية، وضرورة الالتزام بالقوانين الدولية الخاصة بذلك، سيما بعدما وقعت فلسطين ودون أي تحفظات على هذه الاتفاقيات.
هذه الدعوات جاءت خلال ورشة عمل نظمتها شبكة المنظمات الأهلية، والهيئة المستقلة لحقوق الانسان، بعنوان "أوضاع المرأة الفلسطينية"، في غزة.
ممثلة شبكات المنظمات الأهلية عبير ياغي، أشارت إلى أن هذه الورشة تأتي في سياق حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف ضد المرأة.
وأوضحت أن هذه الحملة العالمية تنادي بوضع نهاية للعنف ضد النساء والفتيات، مبينة أنها تبدأ في 25 نوفمبر من كل عام، اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وتنتهي في 10 ديسمبر اليوم العالمي لحقوق الانسان.
ولفتت ياغي إلى أن التطورات الأخيرة في الساحة الفلسطينية، وانتشار جائحة كورونا، والعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، والانقسام الفلسطيني، جميعها عوامل اثرت على النساء.
وقالت: "النساء كان لهن النصيب الأكبر من التعرض للتوتر والاكتئاب والعنف، باعتبارها هي عمود العائلة والأكثر قدرة على تحمل الأزمات"، مشيرة إلى أن هذا الأمر تبين من خلال التقارير الصادرة عن المؤسسات المختصة
وطالبت ياغي لضرورة انهاء الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وتوفير الحماية اللازمة لجميع سكان قطاع غزة، وعدم التقليل من أهمية دور المنظمات الأهلية الفلسطينية والتدخلات الإنسانية والتنموية.
وشددت على أهمية تقديم الدعم اللازم لزيادة تقديم الفعاليات المقدمة للنساء، مبينة أن المنظمات الأهلية النسوية هي الأكثر دراية بالواقع الفلسطيني، والأكثر على الاستجابة الفورية لمختلف الاحتياجات الإنسانية.
وختمت ياغي حديثها "ندعو لتفعيل القوانين والإجراءات التي تعمل على حماية النساء وتمكينهم من الوصول للعدالة، خاصة قانون حماية الأسرة من العنف".
تكلفته باهظة جدًا
من ناحيتها مديرة مؤسسة طاقم شؤون المرأة نادية أبو نحلة، شددت على أن تكلفة العنف باهظة جدًا على الدول، مشيرة إلى أنها تكلف الدول الكثير من الموارد المالية للتصدي لهذه الظاهرة.
وذكرت أن تخفيف هذه التكلفة يتم من خلال التوجه للتنمية ورفع قدرات الأفراد، والمواطنين، وتنمية الموارد، وإدارة المجتمعات، وتقديم الخدمات لمعالجة كل القضايا على العنف المبني على النوع الاجتماعي.
وبشأن اختيار اللون البرتقالي كرمز للتصدي للعنف ضد المرأة قالت أبو نحلة "اللون البرتقالي يرمز للعالم المشرق والآمن بعيدًا عن كل أشكال الألم والتمييز والخوف وفقدان الأمن لكل العالم".
وأوضحت أن هذا اللون عبارة عن دعوة موجهة للعالم لإنهاء العنف، وللاتحاد لإنهاء العنف ضد النساء.
ولفتت أبو نحلة إلى أن العنف ضد النساء متواجد في كل أنحاء العالم، حتى تلك الدول التي تتخذ تدابير وتدخلات لها علاقة بالمساواة، وتكافؤ الفرص، وأنه لا يقتصر على الحالة الفلسطينية أو العربية بحسب.
وأشارت إلى أن العنف في الحالة الفلسطينية يعد مركبًا ومزدوج، ضد النساء، الأول ناتج عن الاحتلال واجراءاته وممارساته، فيما النوع الآخر هو من المجتمع وتعامله مع النساء.
وأوضحت أن العنف الذي يتسبب به الاحتلال قائم على سبيل المثال في قطاع غزة، وما حصل خلال آيار/ مايو الماضي، من تعرض النساء للحرب والعدوان والذي قتل خلاله 39 امرأة، فيما أصيب أكثر من 275 امرأة جراء العدوان، عدا مئات النساء اللواتي تشردن وفقدن منازلهن، وافراد من أسرهن.
وأضافت "العنف ضد النساء في القدس والضفة الغربية، يتمثل بالترحيل وهدم المنازل، والاستيطان، ومصادرة الأراضي، وأخرها ما حدث في الشيخ جراح، ومنطقة سلوان، التي تتعرض بشكل يومي لهدم المنازل التي تعتبر مكان الأمان الأول للنساء".
ولفتت إلى أن أكثر من 34 امرأة رهن الاعتقال داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، يعانين من ظروف صعبة، وقاسية، ونقص للخدمات الصحية، وحتى يمنعن من زيارة أبنائهن.
وتابعت "شاهدنا قبل حوالي أسبوعين ما حصل من الأسيرة المحررة أسيرة أبو كميل، وما تعرضت له من شكل بشع من الاحتلال وممارساته".
وأشارت إلى وجود العديد من التجاوزات التي قام بها الاحتلال بحقوق المرأة والمتمثلة بالمنع من السفر والعلاج، والحصول على درجات علمية مختلفة، بالإضافة إلى قطع الكهرباء، ونقص الكثير من المواد الأساسية.
وأردفت حديثها: "بالإضافة إلى الاحتلال، لا زالت سيطرة للأفكار غير الداعمة للنساء داخل مجتمعاتنا، وسيادة لمفاهيم بالية من العادات والتقاليد قائمة على فكرة تكريس التمييز ضد النساء".
وأكدت أن هذه الحالة خلقت أشكالًا متعددة وكبيرة من العنف داخل الحيز الخاص تحديدًا الأسرة، ما يتوجب وجود تدخلات كبيرة، لمعالجة الوضع الداخلي.
وطالبت أبو نحلة بضرورة الإسراع وإقرار قانون حماية الأسرة، الذي بدأ الاعداد له منذ العام 2005، دون أذن صاغية، بالإضافة إلى تعديل قانون العقوبات الشخصية وتوحيده، وتعديل القوانين الممتدة منذ الانتداب البريطاني.
وأرجعت أهمية اتخاذ هذه التدابير حتى نتمكن من مقاتلة المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال، واستعادة الحقوق الوطنية والعيش بكرامة.
تعقيدات صعبة
من جهتها مديرة دائرة المرآة في المركز الفلسطيني لحقوق الانسان منى الشوا، أشارت لوجود تعقيد وانتهاكات صعبة تقع على النساء.
وقالت الشوا: "النساء هن الضحايا والخاسرين الأكبر في حال أي عدوان يقع على غزة، دائمًا النساء هن من يدفعن الثمن الأعلى في أي عدوان أو حرب يقع على القطاع".
وأشارت إلى أن النساء في قطاع غزة يعشن دون حماية وتحت الخوف من العدوان مجددًا، في ظل سماح المجتمع الدولي لـ"إسرائيل" بممارسة انتهاكاتها، دون محاسبة.
وقالت الشوا "فلسطين وقعت على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، في 2014، ووفق الاتفاقية قدمت فلسطين تقريرها الأول عام 2018، وقدمت ردودها على توصيات اللجنة في العام 2020، إلا أنها لم تقم بالتوصيات التي أشارت اللجنة إليها، ولم تلتزم بجميع التوصيات".
وبيّنت أن فلسطين طبقت الاتفاقية بشكل محدود، وهذا دليل على عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لتطبيق الاتفاقية.
واستدركت الشوا أن "بعض التدابير التي قامت بها السلطة تخص فقط النساء بالضفة الغربية، دون قطاع غزة نتيجة الانقسام القائم".
ولفتت إلى ان فلسطين كانت في ردودها على اللجنة المتابعة لتطبيق الاتفاقية تتحجج بوجود حملة معارضة لها تارة، وأخرى بصعوبة توحيد الأنشطة القانونية بين الضفة وغزة، لأنها تتطلب انهاء الانقسام وعقد الانتخابات.
وأضافت "تحججت السلطة بأنها لم تعمل على مشروع قانون العقوبات من سنة 2011 وقانون الأحوال الشخصية وإعلان حالة الطوارئ".
المؤشرات مرتفعة وخطيرة إلا أنها ليست مقلقة
من ناحيته منسق المناصرة المجتمعية في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان مصطفى إبراهيم، ذكر أن حالة العنف ضد النساء في تدهور كبير، من خلال الشكاوى التي تتلاقها الهيئة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وقال: "الإجراءات والتدابير التي تقوم بها السلطات في الضفة الغربية وقطاع غزة غير كافية سواء على الصعيد القانوني أو الإجراءات التي نعانيها من ثقافة الصمت".
وأضاف: "ثقافة الصمت أدت لمقتل الكثير من النساء أو على الأقل التراضي العشائري بين العائلات وعدم افراد الأجهزة المعنية مساحات أوسع للتعامل مع قضية العنف".
وأوضح ابراهيم أن المركز الاحصائي تحدث بأن 27% من النساء تعرضت لعنف على يد الزوج بواقع 17.8% عنف جسدي، 56% عنف نفسي، و8% لعنف جنسي، فيما بلغتا لنسبة الكلية لتعرض النساء المتزوجات أو اللواتي سبق لهن الزواج، للعنف بنسبة 37%.
وأضاف "بيانات العام 2020 تشير إلى أن مشاركة النساء في مواقع صنع القرار محدودة مقارنة مع الرجال، أي أن 11% من أعضاء المجلس الوطني نساء، فيما 5% من أعضاء المجلس المركزي فقط من النساء، و13% من أعضاء مجلس الوزراء هم من النساء، 11% نسبة السفيرات في السلك الدبلوماسي، وامرأة واحدة تشغل منصف محافظ من أصل 16 محافظًا".
وتابع إبراهيم "91% من رؤساء النقابات المسجلة في وزارة العمل هم من الرجال و9% نساء، وهذا يشكل وضع خطير جدًا في التمييز الواضح ضد النساء".
وأشار إلى وجود قضايا خطيرة تجري في المجتمع الفلسطيني، خاصة قضايا القتل على ما يسمى خلفية الشرف.
ولفت إلى أنه خلال العام الجاري لم تسجل الهيئة أي حالة قتل على هذه الخلفية، مستدركًا "لكن هذا لا يعني أن هناك عنف ضد النساء، وأن هناك نساء قتلن ولم يصنفن على هذه القضية".
وذكر أن عدد الاناث اللواتي قتلن بظروف غامضة بلغت 10 حالات، في حين أن الوفيات المسجلة كانتحار 7 حالات.
وأرجع ابراهيم ذلك لعدم معرفة خلفية الوفاة من النيابة، مضيفًا "هذا الأمر يثير الشك، ويؤدي لطرح العديد من التساؤلات، وهو ما يوجب على النيابة العامة بالاهتمام بالتحقيق للوصول إلى الأسباب الحقيقية والمسؤولين عنها ومحاسبتهم".
وفيما يتعلق بالتعذيب أثناء الاحتجاز، قال: "رصدت الهيئة نحو 28 شكوى من النساء في الضفة وغزة، تعرضن لسوء المعاملة على أيدي أجهزة انفاذ القانون، 12 في الضفة و16 في غزة".
وأشار إلى أن خلفية التعذيب وسوء المعاملة لا تختلف عما يتعرض له الرجال أثناء التحقيق أو وقت الاحتجاز، وتكون بغرض الحصول على اعتراف بشأن ما هي معتقلة لأجله، أو الشبهة أو التهمة.
وتابع "حرية التنقل والسفر للنساء، سجلت حرمان 4 نساء بناء على شكاوى وصلتنا، بمنع الحصول على زواج للسفر منهم من منع للحصول على جواز السفر لمرافقة ابنها المريض للعلاج خارج قطاع غزة، أيضًا منع من اكمال دراستها العليا".
وأكمل إبراهيم حديثه "الصراع السياسي واستمراره ينعكس على حرية التنقل والسفر وعلى حق المواطنين، وخاصة النساء في الحصول على جوازات السفر".
وبالجانب الصحي قال: "هناك 48 تلقتها الهيئة على ادعاءات بالإهمال الطبي ضد وزارة الصحة، ولم تكن لجان التحقيق حقيقية ولا تعبر عن حقيقة ما يجري، وعدم تعويض الضحايا ممن يتلقوا الإهمال الطبي".
وفيما يخص عمل النساء والبطالة، قال إبراهيم: "انخفض عدد النساء العاملات، حيث بلغت نسبة مشاركة الاناث بالقوى العاملة 19% في قطاع غزة، مقابل 17% في الضفة، وانخفضت نسبت التفاوت في معدل البطالة على معدل الجنس بنسبة 13% حيث بلغ معدل البطالة للإناث 41% مقابل 21% للذكور".
وأشار إلى أن نسبة المشاركة لكل من النساء والرجال في الأعمال انخفضت نتيجة جائحة كورونا.
وختم إبراهيم حديثه "المستخدمات في القطاع الخاص يتقاضين أجرًا شهريًا أقل من الحد الأدنى، المنصوص عليه بالقانون، ولا تقوم السلطات المختصة على اجبار هذه المؤسسات على الالتزام بالقانون في هذا الشأن".