لم يخب ظننا في عناصر الشرطة الإسرائيلية عمومًا والعرب منهم بشكل خاص. وأقصد بالعموم كون هؤلاء، كعناصر، يأتون من أسفل السلّم الاجتماعي الإسرائيلي ويخدمون في جهازٍ ظلَّ محكومًا بظروف نشأته، ولم يصمّم كشرطة مدنية على غرار أجهزة الشرطة العاملة في دول العالم الطبيعية.
فقد أنشئت شرطة إسرائيل عشية قيام الدولة عام 1948 كوحدة عسكرية داخل عصابة "الهاغاناة"، التي تحوّلت بدورها بعد قيام إسرائيل إلى "الجيش الإسرائيلي"، وانفصلت هذه الوحدة عنه لتصبح "شرطة إسرائيل"، وأعيد بناؤها واحتلت مكان شرطة الانتداب بعد تفكيك الأخيرة، وإقالة المئات من عناصرها.
وحول المادة البشرية التي تشكلت منها "شرطة إسرائيل"، يمكننا الاستدلال بما كتبه دافيد بن غوريون في يومياته حول الموضوع، بتاريخ الرابع عشر من آب/أغسطس 1948، إذ ورد التالي "يوجد لقائد الشرطة سخاروف حتى الآن 1700 شرطي 400 منهم في القدس، بعضهم ليسوا مادّة جيّدة، بينهم عناصر تهربت من الجيش وبينهم مرتشون ولكن سيتم تطهيرهم بشكل تدريجي".
اجتماع ظروف النشأة المحكومة بالبعد الأيديولوجي المتعلق بقيام الشرطة الإسرائيلية كقوة أمن داخلي، تخصّصت، أساسا، في السنوات الأولى لقيام الدولة بفتح عيون الدولة على من تبقى من فلسطينيين داخل حدودها، إلى جانب منع "المتسلّلين" من اللاجئين الفلسطينيين داخل الوطن وخارجه من العودة إلى قراهم ومدنهم، وهو دور تطوّر قي السبعينيّات مع ازدياد الوعي الوطني الفلسطيني ونشوء منظمة التحرير الفلسطينية إلى ما يسمى بـ"مكافحة الإرهاب" والتعامل مع أحداث "الإخلال بالنظام العام"، والذي يُتَرْجَم بقمع تحركات فلسطينيي الداخل السياسية.
اجتماع هذا العامل مع ما تحدث عنه بن غوريون، والمتعلق بالمادة البشرية القادمة من أسفل السلم الاجتماعي، يجعل الشرطة ووحداتها الضاربة، مثل "اليمّام" و"اليسّام" و"حرس الحدود"، أدنى مرتبة أخلاقية حتى من وحدات الجيش الإسرائيلي الأخرى، بل أنّ الجيش يوظّفها في كثير من الأحيان للقيام بالأعمال القذرة التي تنطوي على استعمال القوة المفرطة والقمع الوحشي والقتل، وقد ضلعت هذه الوحدات وخاصة حرس الحدود بالكثير من المجازر بينها مذبحة كفرقاسم.
في ظل هكذا شرطة، لا يُترك للعربي العادي أي مجال للانخراط في صفوفها، كونها أقيمت أساسا ضدّه وما زالت تجدد هذا العهد الملازم لنشأتها في كل مرحلة وأخرى من مراحل تطورها، تنفتح الأبواب أمام عرب غير "عاديين"، يأتون إمّا من هوامش المجتمع أو من مجموعات وعناصر محبطة وفاشلة اجتماعيا، ترى في ارتداء زي شرطة تعويضًا معيّنًا عن التهميش والفشل والإحباط وطريق سهلة للحاق بالركب الاجتماعي الذي فاتها، وحتى للانتقام من المجتمع الذي همشها.
في هذا السياق لا يختلف هؤلاء (عناصر الشرطة العرب) عن أولئك (الذين ينزلقون إلى عالم الجريمة)، كونهم يأتون من ذات الهوامش وذات القاع الاجتماعي ومن ذات الإحباط الشخصي، وهي عوامل تقود جميعها إلى الخروج عن إجماع المجتمع وعن سلوك الإنسان العادي إلى تحدّي ضعفهم وتحدّي المجتمع عبر العودة إليه مسلحين، إمّا بسلاح الشرطة أو بسلاح الجريمة.
من هنا، فإنّ إيكال مهمة مكافحة أولئك (الذين ينزلقون لعالم الجريمة) لهؤلاء (عناصر الشرطة العرب) هو أصلًا نوع من العبث، ناهيك عن أن الركون إلى الشرطة الإسرائيلية عمومًا في مكافحة الجريمة لدى المجتمع العربي هي أيضًا حالة عبثية، لأنّ نظرة الشرطة لمجتمعنا مشوّهة أصلا. فهي ترى في الهوامش والمحبطين والفاشلين اجتماعيا والذين ينحدر من بينهم عناصر الشرطة وأعوانها العرب، حلفاء لها بينما تنظر للإجماع الاجتماعي والسياسي نظرة شك وعداء.
في هذا السياق، يمكن فهم عملية التغطية المستهجنة على فعلة جمال حكروش النكراء والتواطؤ معها من قبل قيادات الشرطة والنيابة العامة.