يبدأ معظم الطلبة الفلسطينيين بإجازة نهاية العام الدراسي، والتي تمتد لثلاثة أشهر، ويستعد الأهالي لتلك المناسبة المنتظرة ما بين أمل وألم؛ فالإجازة وإن كانت إنهاء رحلة شاقة من تعليم الأبناء، وبداية لراحة مشتهاة، إلا أن واقع الإجازة لا يكاد يختلف عن واقع الدوام الدراسي
إنه الواقع المعيشي، يكتب المعادلات، وينسق جداول الحياة للمواطن الفلسطيني لا سيما الأمهات وأولياء الأمور؛ فأول ما يتبادر لذهنهم حين بدء هذا الموسم: كيف سنقضي الإجازة أمام هذه المتطلبات كالمصاريف اليومية، والرحلات، والملاهي، وملء أوقات الفراغ؛ فساعات الدراسة أصبحت شاغرة، إلى أن تنقضي الساعات الست بما يحاول الآباء والأمهات سده.
"أم عماد" تستقبل أبناءها محمد وياسر بعد تقديمهما آخر اختبار، وتبارك لهما ولأصدقائهما بالفرحة الكبرى التي يحبها أي طالب فلسطيني، ولكن لكل شيء ثمن؛ فالإجازة تعني مصروفا إضافيا، ومراقبة إضافية؛ لتتنهد أم عماد قائلة: كل إشي بده، واللي شالته مدرسة كاملة راح نشيلوا إحنا.
"أجت وأجت غلبتها" هكذا وصفت أم سائد الإجازة؛ كونها تعيش في محيط شعبي كحال المخيمات الفلسطينية، والذي يتصف بالاحتكاك المكاني والزماني، وتسوده العلاقات المشتبكة بين الأطفال، فالصغار سرعان ما يلعبون، وسرعان ما يقعون في مشاكل تقوض راحة العائلة، وتصنع من وسادة القيلولة " مسند شيخ عرب" للوقوف عند تصرفات الأطفال ومعالجتها.
أفضل الثياب، وحقيبة جديدة، و"طشة" على الملاهي والبحر، كان هذا جدول "أم خالد" مع بناتها؛ فكانت وعدتهن بقضاء فترة النقاهة واستراحة المحارب إذا ما التزمن بدراستهن، وكان لهذا الالتزام ضريبته؛ فتحتم على الأم أن تلبي الرغبات وتنفذ الوعود، عند أطفال لم يحن الوقت عندهم لنقول لهم: ارحموا جيبتنا!
وفي المقابل، يحمل الآباء الكفة الثانية من الميزان الأسري، إنهم بمثابة "وزارة المالية" وشجرة " النصف شيكل" التي يجب أن تثمر في كل لحظة..
ويجمع أولياء الأمور أن الإجازة رغم صعوبة مستلزماتها إلا أنهم يشعرون بالسعادة طالما رأوها في عيون أطفالهم، يبذلون الغالي والنفيس من أجلهم، محاولين رسم البسمة طوال الوقت على الخدود الوردية، وبذلك تتكامل الأدوار في صناعة "فدوس" على مقاس أطفالنا.
الخبير النفسي والاجتماعي د.درداح الشاعر، يرى أن الإجازة الصيفية ليست وقتا ضائعا أو إضافيا على الطالب ليضيعه، بل هو فرصة للاستثمار الأفضل في سبيل تربية الطالب بما هو مفيد، فنظرة الأهالي لهذا الوقت يجب أن تكون مدروسة، وذلك بملء أوقات فراغ أبنائهم بأنشطة تربوية كحلقات القرآن، والمخيمات ونحو ذلك.
وأكد الخبير الاجتماعي على أن العبء الملقى على الأهالي يمكن أن يتم توزيعه على الأهالي والمجتمع؛ تخفيفا عن أولياء الأمور في ظل هذه الظروف الصعبة
وأشارالشاعر، إلى دور مؤسسات المجتمع المدني والمحلي في رعاية الطلبة، داعيا الأهالي لإلحاق أبنائهم بها؛ كونها تحتوي على برامج منسقة ومعدة لاستثمار الإجازة بشكل إيجابي على كافة المستويات عند الطلبة سلوكيا ومعرفيا.
خاتما حديثه: " الإجازة فرصة ثمينة يمكن من خلالها توظيف التربية السليمة وتوجيه الطالب نحو الأنشطة الممتعة والمفيدة؛ ما يساهم في خلق جيل يقدر نعمة الفراغ كما يقدر باقي النعم.