صدر للدكتور/ محمد بكر البوجي كتاب نقدي بعنوان: النقد الرقمي الأدبي الإلكتروني (تجارب وقضايا) عن مكتبة دار المفكر العربي والنشر والتوزيع، طبعة -٢٠٢١م، ويقع الكتاب في مئتين واثنتين وستين صفحة من الحجم الكبير، وقد جاء الغلاف الخارجي في صورة أنيقة من تصميم الفنانة التشكيلية الفلسطينية أصال الهسي.
وقد ورد في تقديم البحث بقول المؤلف: " نستعرض في هذا الكتاب الرؤية الحالية نحو النقد الرقمي، نحن ما زلنا نحث الخطى نحو قضايا كثيرة وشائكة، حاولنا قدر الإمكان طرح بعض منها في محاولة لإثارة ذهن المتلقي العربي نحو ما هو آت كما استعرضنا تجربتنا الشخصية في مجال توظيف الرقمنة في النقد الأدبي الرقمي التفاعلي".
والواقع أن الساحة النقدية العربية المعاصرة قد شهدت عدداً من الاتجاهات والتيارات النقدية منها: الاتجاه التاريخي، والاجتماعي، والأسطوري، والشمولي، والأسلوبي، واللغوي، والنفسي، والفني، وغيرها.
وما دام الأدب في حركة متطورة متسارعة، وأن ثمة تحولات وتطورات تطرأ على حركة الأدب، فضلاً عن تطور العلوم الإنسانية واللغوية، فإن النقد الأدبي هو الآخر فن أدبي يجاري تطور الأدب ويسايره؛ لذا كان النقد الرقمي ظاهرة متجددة تعكس تطور اتجاهات النقد وتياراته .
ويعرف النقد الأدبي: بأنه النقد القادر على الكشف عن مواطن الجمال أو القبح في الأعمال الأدبية، ويعنى النقد دراسة للأعمال الأدبية والفنون وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها والكشف عن القوة والضعف والجمال والقبح وبيان قيمتها ودرجتها.
مما سبق يظهر بوضوح أن النقد الرقمي في ظل التحولات التي طرأت على المفاهيم الراسخة المرتبطة بعناصر العملية الإبداعية يمثل أيضاً طوراً جديداً من أطوار النقد الأدبي، بحيث لا يمكن فصله عن حركة تطوره الدلالية ما دام هو منفتحاً على تجربة النص الأدبي الرقمي بكل خصوصياته، وعناصره التكوينية .
وقد حاول المؤلف في مدخل الكتاب أن يعرف المتلقي بالعلاقة الوثيقة بين الأدب والتكنولوجيا، فيقول:
"هناك علاقة قوية بين الأدب والتكنولوجيا عبر التاريخ، ربما في المستقبل ما تقوله الآن يصبح كلاما قديما لا قيمة له، لأننا نعيش عالمًا متغيرًا سريعًا بسرعة البرق، كل مرحلة لها مصطلحاتها. كل مرحلة لها كتاباتها، كل مرحلة لها أفكارها، نحن نعيش حالة من علاقة النقد بالتكنولوجيا، هذه العلاقة موجودة سواء في السينما أو المسرح أو في الرواية والشعر، وفي كل مناحي الإبداع التي يستخدمها الإنسان في إبداعاته الأولى، بحيث تطورت لتصير رقمية".
ثم أخذ يفرق في مدخل الكتاب بين الأدب الرقمي، والمكتبة الرقمية، ليصل إلى إلقاء الضوء على مفهوم النقد الرقمي، يقول: "
"يمكن القول إن هناك فارقًا بين الأدب الرقمي والمكتبة الرقمية، المكتبة الرقمية هي أن أعيد تحويل الكتاب الورقي إلى كتاب إلكتروني، مثل كتب الجاحظ والعقاد وطه حسين، فأن أحول هذه الكتب إلى رقمية تتحول إلى مكتبة رقمية وليس نقدًا رقميا وليس أدبا رقميًا".
ويعرف الأدب الرقمي بقوله: "أما الأدب الرقمي، فهو أن أكتب مباشرة على الحاسوب، وأرسل ما أكتبه إلى مجلة رقمية منتشرة في الفضاء الكوني يقرؤها آلاف الناس، هذا هو الأدب الرقمي وهذا هو النقد الرقمي، لا أستخدم الورق ولا أستخدم القلم؛ وإنما أستخدم فقط التكنولوجيا وأكتب ثم أضغط بإصبعي لتنشر في مواقع إلكترونية".
ثم أخذ المؤلف يشير تحت عناوين ساطعة إلى النقد الرقمي وعناصر العملية الإبداعية، وإلى اللغة الرقمية".
ويرى أن المقصود بالنقد الرقمي أنه هو النقد السريع في الوسائط، والذي يعتمد
" على نص قرأه الناقد، فيكتب تعليقاً موسعاً ويرسله مع النص إلى مجلة رقمية، دون الاعتماد على الكتابة الورقية". وقد أشار في ثنايا حديثه عن النقد الرقمي إلى الأدب التفاعلي، ويذكر مثالاً على ذلك أن تتوالد رواية في مقاطع قد يشترك فيها بعض الكتاب، أكثرُ من كاتب قد يشترك في رواية رقمية، ويمكن قصيدة أيضًا يشترك فيها أكثر من خمسة أو ستة شعراء بحيث تصير القصيدة توالدية، وقد أشرنا إلى ذلك في كتابنا(الطاقة والتحليل الإبداعي).
وقد شرع يدعو المثقفين إلى الانخراط في الأدب الرقمي، والنقد الرقمي، وقام برصد جملة من التجارب في هذا المضمار؛ لتكون نموذجاً يحتذى في عالم النقد الرقمي .
ومن ذلك التجربة الأولى وهي عبارة عن حوارات جرت في منتدى الدكتور محمد بكر البوجي - غزة - فلسطين، وتشتمل : بشرى أبو شرار - علاء الغول - فاطمة السيد - غيرهم من الأدباء في الوطن العربي، من خلال الوسيط الرقمي (الفيس بوك). وقد جاء في بعض هذه الحوارات ما يأتي:
بدأت التجربة بتعريف الدكتور البوجي بالأديبة المبدعة بشرى أبو شرار، ثم أخذت الحوارات تترى عن طريق طرح أسئلة على صفحات الفيس بوك والأديبة تجيب عنها:
السؤال الثاني: الشاعر إبراهيم الوشاح أ. بشرى، هل وجدتْ بشرى نفسها في كتابة الرواية مقارنة بكتابة القصة القصيرة؟ لماذا ؟
إجابة الكاتبة بشرى أبو شرار:
حياتي أستمدها من حالات تسكنني في عالم الرواية، وهي رحلة جبلية صعبة، الرواية أكتبها على مدار عام أو أكثر، أعيش حالاتها وأزمات شخوصها، وحين أنتهي منها يسكنني الحزن لفراق شخصياتها، الرواية تكتبني وأكتبها، أما القصة القصيرة فهي حالة لحظية أسجلها وأمضي، لا أنتمي لها كما الرواية التي هي عالم أحيا به.
السؤال الثالث: الشاعرة هلا أحمد الكاتبة بشرى أبو شرار:
من أي الأبواب ندخل عالمها الروائي؟ هل تعتقدين فيما يسمى بالكتابة النسوية؟ وإلى أي درجة من الجرأة والإبداع والانتشار وصلت في مجتمعنا الشرقي ؟
إجابة الكاتبة بشرى أبو شرار:
الكتابة النسوية فريق أقرها، وفريق لم يعترف أن هناك كتابة نسوية، وأنا مع الفريق الثاني؛ لأن الأدب لا يفرق بين هذه الأجناس، حكاية الكتابة النسوية لجأ لها البعض حيث اتخذوا من الجرأة في التناول وبعض الأحيان بطريقة فجة لا تقدم أدبا، هنا ظهرت بدعة جديدة في عالمنا الأدبي في حكاية الأدب النسوي.
وفي تعليقة على قصيدة الشاعر السعودي معبر النهاري يقول:
"حاولت قدر الإمكان الولوج الثقافي إلى أبعاد النص دون النظر في الشكل الخارجي؛ لأنه لا يهمني كثيرًا الشكل، سواء كان عموديًا أو تفعيلة أو نثريًا، بقدر ما يهمني نبض النص وحيويته، ما يمنحني نبضاً وحيوية بقدر ما تتعمق العلاقة بيني وبين النص، فيمنحني أسراره، في النهاية أشكر كل المشاركين من شعراء ونقاد، فهم سر نجاح هذه التظاهرة الثقافية العربية".
ويُختتم الكتاب بعرض سيرة ذاتية وافية للدكتور محمد بكر البوجي باللغتين: العربية والإنجليزية، ثم يذكر محتويات الكتاب.
وهكذا تتوالى التجارب والحوارات، وهذه من منظار المؤلف تعد لوناً من ألوان النقد الرقمي الإلكتروني، إنها مجرد محاولة نأمل أن يكتب لها النجاح والاستمرار؛ ولذا يعد هذا الكتاب من الكتب الرائدة في ميدان النقد الأدبي الرقمي، وأكيد سيفيد منه الدارسون والباحثون والطلاب، في بحوثهم ودراساتهم في مجال النقد الأدبي الرقمي.
ويعترف المعرف بالكتاب، بأنه لم يُحِط بكل ما جاء في الكتاب من معلومات متعددة ومتنوعة.
وأخيراً، يمكن القول بأن د. محمد البوجي تمكن من أن يضع بين يدي المتلقي العربي كتاباً مهماً في النقد الأدبي الرقمي، وأنه بذل فيه الكثير من الجهد والبحث، وأنه كتاب يستحق القراءة والاطلاع، فضلاً عن الدرس والتحليل؛ لاستجلاء ما فيه من فوائد جمة.