"مهما جرى من دمار وخراب وشهداء، لن نستسلم، لن نتخلى عن منازلنا، سنعود ونبنيها، سنحيا فيها من جديد ونعيد رسم أحلامنا" هذا ما ردده لسان السيدة خضرة الشافعي من مخيم المغازي وسط قطاع غزة، أثناء وقوفها على أنقاض منزلها المدمر، تدور بعينيها الدامعتين وسط الغبار الكثيف الذي يجتاح المكان علها تجد نافذة أو سلم تصعد من خلاله إلى شقتها.
جميع محاولاتها باءت بالفشل، فلم يُبقِ لها جيش الاحتلال من المنزل سوى بعض الركام التي تهاوت حجارته وسقوفه بعضها فوق بعض، حاولت بيديها الناعمتين مساعدة زوجها في إزالة الحجارة من أحد الحواصل التجارية، فمنزلها مكون من ثلاثة طوابق، الأول منها مخصص للتجارة والثاني والثالث شقق سكنية للنوم.
تمكنت السيدة خضرة وأسرتها بعد أن فقدت أجسادهم الكثير من العرق والأوزان نتيجة جهد متواصل على مدار أيام عدة، من تنظيف أحد الحواصل التجارية؛ لكن المشهد النهائي كان مخيفًا، فقد تشكل "كهف" بمعنى الكلمة، إذ أن الطبقتين العلويتين سقطتا كل واحدة على جهة مختلفة كأن السقوف والأعمدة أوتاد لخيمة صغيرة.
لم تعدم السيدة الشافعي وسيلة للعيش على ركام منزلها إلا واستخدمتها، أقامت خيمة صغيرة أمام الركام واحتضنته بأقمشة وألواح من الزينكو التي تطايرت بفعل القصف الإسرائيلي المدمر، وعلى الركام أقامت مطبخها ومنشرًا للغسيل، وتحته غرفة صغيرة للنوم تتسع لجميع أفراد الأسرة، حيث تنام تحت الأعمدة المتهالكة.
وتخشى السيدة الشافعي وفقًا لما تحدثت به لمراسل "شمس نيوز" على حياتها وحياة أسرتها من أي قصف إسرائيلي، إذ تقول: "كلما وقع انفجار في محيط منزلنا تتطاير الحجارة والرمال فوق رؤوسنا، وهنا لم يبقَ لنا سوى الاحتماء تحت ركام المنزل رغم خطورته أيضًا"، وتشدد على أنها لن تنزح مرة أخرى من منزلها مهما حدث، حتى لو سقط ركام المنزل فوق رأسها.
بداية النزوح القسري
حكاية تدمير منزل السيدة خضرة الشافعي بدأت عندما وصلت عقارب الساعة إلى الخامسة فجرًا حينها سقطت أول قذيفة، في تلك اللحظة هرعت السيدة خضرة الشافعي وزوجها وأطفالهم الستة للخروج وسط دوي انفجارات عنيفة؛ لكن المشهد خارج أسوار المنزل مرعب، آلاف الناس يركضون يحاولون النجاة بأرواحهم، أحدهم يسقط أرضًا والثاني تحمله والدته على رأسها، وثالث يجلس على جانب الطريق من شدة التعب، والكثير منهم يحملون أمتعتهم على "كارة حمار، أو تكتك أو سيارة أجرة"، ولسان حالهم يردد: "وين بدنا انروح؟".
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
حدث هذا النزوح بتاريخ (الرابع من يناير 2024) حينها لم تجد الشافعي سبيلًا للفرار تحت القصف الإسرائيلي سوى النجاة بروحها وأطفالها والتوجه إلى مدينة رفح جنوب القطاع باعتبارها منطقة آمنة كما يدعي الاحتلال الإسرائيلي، مر يوم وأسبوعين وشهر على النزوح القسري؛ لكنها لم تتأقلم مطلقًا مع هذا الوضع فكان قرارها العودة إلى منزلها رغم الخطورة الكبيرة.
تقول: "رجعت لقيت البيت كله مقصوف ومدمر ورغم هذا الأمر ارجعت اسكن في البيت ومن كثرة الخوف والشظايا أنا بنام تحت الركام، والحمد لله على كل حال".
لم تغفل السيدة الشافعي أثناء حديثها لمراسلنا عن الإشارة إلى الحرارة المرتفعة والحشرات الغريبة التي تسبح داخل الكهف، فهي تشهد ارتفاعًا كبيرًا على درجات الحرارة والرطوبة؛ لذلك تضطر لطهي الطعام على النار في أوقات تشهد انخفاضًا على درجات الحرارة علمًا بأنها تطهو على الحطب منذ بداية حرب الإبادة التي دخلت شهرها العاشر على التوالي.
وللبقاء صامدة في منزلها تحاول السيدة الشافعي كلما حدث انفجار تتحدث مع أبنائها الستة عن خطورة الانفجارات والصواريخ فهي تريد كما قالت: "أن تُحسس أبنائها بأننا نعيش في حرب وخوف ودمار لذلك عليهم أن يتحملوا وأن يتأهبوا لأي حدث مفاجئ".
ولم تنسَ السيدة الشافعي توضيح الآثار الخطيرة التي خلفتها الحرب على طفلها الصغير، فقد شعرت بفرحة كبيرة عندما تمكن الطفل قبل الحرب من تنظيف نفسه -عدم التبول أو إخراج البراز على نفسه-؛ لكن في منتصف الحرب عادت لوضع البامبرز على طفلها الذي يشعر بالخوف والرعب نتيجة القصف الإسرائيلي الهمجي والمستمر على القطاع.