كشفت تصريحات وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون حول ارتكاب جيش الاحتلال عمليات تطهير عرقي في شمال قطاع غزة عن تصدعات عميقة في المشهد الإسرائيلي الداخلي وتفتح المجال لانتقادات دولية متزايدة ضد السياسات الإسرائيلية في غزة، لكن تلك التصريحات تظهر حجم المناكفات السياسية ووصولها لمنحدر كبير في دولة الاحتلال.
ويعتقد كاتبان ومحللان سياسيان أن تصريحات يعلون تحمل دلالات مهمة وغير مسبوقة فيما تعكس حالة الشرخ الكبيرة التي وصلت إليه قيادة الاحتلال وقصور حكومة بنيامين نتنياهو في الدفاع عن الجنود والضباط الذين سيتعرضون لخطر الملاحقة والمتابعة من قبل الجنايات الدولية لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
ورغم كل الانتقادات التي وجهت ليعلون إلا أنه خرج بتصريح يؤكد ما قاله، إذ نقلت عنه القناة (12 العبرية) قوله "أوجه كلماتي إلى السياسيين الذين يتحدثون بفخر عن التطهير العرقي شمال قطاع غزة واستيطانه باليهود، وهذا يُعرَّف في القانون على أنه "جريمة حرب".
وأضاف "خرجت بتصريح علني من أجل وقف ذلك بعد أن تواصل معي قادة من الميدان، وأخبروني أنهم أوضحوا لهم أنهم يرحلون جميع الفلسطينيين من شمال القطاع لأسباب عملياتية، بينما يسمعون السياسيين يتحدثون عن هدف آخر (إخلاء واستيطان يهودي).
وشدد على مخاوف الجنود والضباط من أن هذه الجرائم ستعرضهم للمساءلة أمام المحكمة الجنائية في لاهاي.
مناكفات سياسية
الكاتب والمحلل السياسي أسامة سعد يرى بأن تصريحات وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون تحمل دلالات مهمة وغير مسبوقة فيما تعكس حالة الشرخ الكبيرة التي وصلت إليه قيادة الاحتلال الإسرائيلي عقب فشل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في إدارة الحرب وجرها لمصالح شخصية.
ويعتقد سعد في تصريحات خاصة لـ "وكالة شمس نيوز" أن تصريحات يعلون بشأن "قيام جيش الاحتلال بتطهير عرقي شمال غزة وتحوله إلى أكثر الجيوش لا أخلاقية"، لا تعبر مطلقًا عن صحوة ضمير، إنما تعبر عن مناكفات سياسية شخصية مع بنيامين نتنياهو، مستدلًا بذلك على ملف يعلون الإجرامي عام 2004 عندما كان رئسًا لهيئة الأركان.
وأوضح أن حالة الشرخ السياسي بين نتنياهو وقادة جيش الاحتلال السابقين قائمة قبل وقوع حرب الإبادة على قطاع غزة، فالاختلاف بينهم ليس على الحرب أو التنكيل بالفلسطينيين إنما على طريقة إدارة الحرب ونتائجها والبعد الشخصي الذي يقود به نتنياهو الحرب.
وقال: "إن يعلون حاول من خلال تصريحاته بالتطهير العرقي عدم إلصاق جريمة التطهير بالجيش الإسرائيلي، بل يريد إلصاقها ببنيامين نتنياهو الذي يستخدم الجيش لأهداف شخصية من خلال إطالة أمد الحرب".
وتؤكد تصريحات يعلون بما لا يدع مجالًا للشك وفقًا للكاتب السياسي أسامة سعد بأن الحكومة التي يقودها نتنياهو ه حكومة مجرمة بتكوينها الأيديولوجي وممارساتها الفعلية فيما يحدث في قطاع غزة بشكل عام وفي شماله بشكل خاص من جريمة إبادة جماعية وتطهير عرقي وهما جريمتان تختص بالمعاقبة عليهما المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت دائرتها التمهيدية قرارات اعتقال بحق نتنياهو ووزير حربه السابق يؤاف غالانت.
ولفت سعد إلى أن تصريحات يعلون عززت ما ذهبت إليه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بأن حكومة نتنياهو ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، وعززت القناعات التي باتت ثابتة لدى المحكمة والدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية ضد حكومة الاحتلال لارتكابها جريمة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني وقد انضمت لجنوب افريقيا العديد من الدول ولذلك بات الاحتلال معزولا من الناحية القانونية.
وفيما يتعلق بتأثير تصريحات يعلون على جنود الاحتلال اعتقد الكاتب سعد بأن تأثير تصريحات رئيس هيئة الأركان في جيش الاحتلال الأسبق موشيه يعلون ستكون على الجنود الإسرائيليين لكن تأثيرها ستكون محدودة.
وتوقع الكاتب سعد إلى أن السبب وراء محدودية تأثير تصريحات يعلون يعود لحملات الكراهية المركزة التي تدرس لجنود الاحتلال وتكوين عقيدتهم القتالية، مشددًا على أن الاحتلال يحظى بغطاء أمريكي ودعم مطلق على كافة الصعد الأمر الذي يضع العدالة الدولية بل النظام الدولي كله على المحك.
دلالات خطيرة
من جهته يعتقد الكاتب والمحلل السياسي الدكتور رائد نجم أن اعتراف موشيه يعلون بأن جيش الاحتلال يرتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي شمال قطاع غزة تحمل دلالات خطيرة على المشهد السياسي الإسرائيلي.
ويهدف يعلون وفقًا للكاتب نجم لتحقيق هدفين أساسيين من خلال تصريحاته التي لاقت استهجان جميع أفراد المستوى السياسي في "إسرائيل"، الأول هو الدفاع عن المؤسسة العسكرية الإسرائيلي وضباطها وجنودها باعتباره رئيس أركان سابق ووزير حرب سابق في جيش الاحتلال، في ظل تجاهل حكومة نتنياهو للخطورة التي يتعرضون لها من قبل محكمة الجنايات الدولية.
وقال د. نجم لـ"شمس نيوز": "إن موشيه يعلون أصدر تلك التصريحات الخطيرة ضد الجيش بعدما وصلته شكاوى رسمية من ضباط وجنود الاحتلال لعدم وجود لجنة حكومية رسمية تدافع عنهم في الدول الغربية لارتكابهم جرائم حرب في قطاع غزة".
وأضاف: "في حال لم يتم تشكيل لجنة تحقيق رسمية في دولة الاحتلال للتحقيق في ارتكاب جنودها لجرائم حرب فإن الجنايات الدولية ستصبح مفوضة بتشكيل لجنة تحقيق في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال في غزة وانتهكت القانون الدولي، مما يعرض الجنود والضباط للمحاكمة والاعتقال في دول أوروبية عدة".
لمتابعة آخر المستجدات الميدانية والسياسية للحرب على غزة اشترك بقناة شمس نيوز على منصة تيلجرام
ويهدف يعلون من تلك التصريحات دفع حكومة نتنياهو لتشكيل لجنة تحقيق عاجلة لقطع الطريق أمام الجنائية الدولية أو من أي جهة أخرى لتبرئة مؤسسة الجيش العسكرية من أي اتهامات قد يتعرض لها الضباط والجنود في المحاكمة الدولية".
ولفت د. نجم إلى أن تصريحات يعلون ليست صحوة ضمير مطلقًا إنما تأتي في إطار الدفاع عن جنود الاحتلال ومساعدتهم في التهرب من التعرض للمحاكم الجنائية، وتحميل مسؤولية أي متابعات وملاحقات للضباط والجنود إلى حكومة نتنياهو".
والهدف الثاني من تصريحات يعلون الذي حدده الدكتور نجم هو توجيه قصور إلى المستوى السياسي ويحمله المسؤولية الكاملة عن أي خطر يتعرض له الجنود والضباط في العالم، لافتًا إلى أن نتنياهو تهرب من تشكيل لجنة للتحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر في مقابل تقديم حياة الجنود للخطر والمتابعة في الجنايات الدولية.
وقد تؤثر تصريحات يعلون وفقًا للكاتب السياسي د. نجم على المشهد السياسي الإسرائيلي من خلال الضغط الشعبي وأن الحكومة تقدم الجنود للمحاكمة الجنائية الدولية وهي تحاول النجاة بنفسها وهو جزء من حالة السجال السياسي في المشهد الإسرائيلي.
ودعا د. نجم إلى ضرورة استغلال تصريحات يعلون باعتباره قائد رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي قضى جل حياته في خدمة الجيش والمؤسسة العسكرية للاحتلال قائلًا: "يجب تغذية الملفات القانونية المرفوعة في المحاكم الدولية، باعتبار تصريحات يعلون شهادات مهمة جدًا من ضابط رفيع المستوى".
ولفت إلى أن الجنائية الدلية تستطيع تعزيز موقفها بمطالبة يعلون للحصول على شهادته بارتكاب جنود وضباط جيش الاحتلال لجرائم حرب ضد القانون الدولي.
وبين د. نجم أن على المستوى الدبلوماسي الفلسطيني تعزيز السردية الفلسطينية بالترويج لتصريحات يعلون والتي ينطبق عليها المثل الشعبي "وشهد شاهدٌ من أهلها"، للاعتراف والإقرار بما فعله جنود جيش الاحتلال من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.