غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر السؤال الكبير المطروح على رئاسة مصر الجديدة

لا أعرف رئيسا تولى السلطة في مصر وواجه تحديات ومخاطر كتلك التي تنتظر المشير عبد الفتاح السيسي في منصبه الجديد.

(1)

قدَر هذا المقال أنه كتب قبل إعلان نتائج الفرز في الانتخابات الرئاسية، وما كان لي أن أكتبه إلا لاطمئناني إلى أن زمن المعجزات الإلهية قد انتهى، وهو العامل الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه لكي تتغير النتيجة التي لم تكن سرا.

وربما كان الشخص الوحيد من بين التسعين مليون مصري الذي راوده الشك في النتيجة وظل ينتظر المعجزة هو السيد حمدين صباحي المرشح المؤيد للسيسي والمنافس له. وأقول "ربما" من باب إحسان الظن بالرجل والدعاية المجانية له، تحسبا للانتخابات الرئاسية القادمة أو التي بعدها. 

لأن المشير السيسي ليس له سجل في العمل السياسي العلني على الأقل، فثمة أسئلة كبيرة تنتظره، فسأكتفي منها بسؤال محوري واحد أطرحه في الختام.

ورغم أنه حاول أن يقدم بعض الإجابات خلال الأسابيع الأخيرة فإن أغلبها كان معدا سلفا وخضع للمراجعة والتشذيب، ثم إن "الجمهور" الذي التقاه خضع للانتقاء، ناهيك عن أننا نعرف جيدا أن كلام الحملات الانتخابية ليس آخر كلام، وهو الحاصل في الدنيا كلها حتى بالبلاد التي بها مؤسسات مستعدة لمناطحة الرئيس ومغالبته، فما بالك بنا حيث لا توجد مؤسسات تحاسب أو تراقب، فضلا عن أن الرئيس عندنا إذا لم يكن فرعون بالسليقة، فإن فريق "الفرعنة" جاهز للقيام باللازم طول الوقت.

(2)

قبل أن نلقي على الرئيس الجديد السؤال الأهم المتعلق بوجهته، فربما كان مفيدا أن نحدد أولا على أي أرض يقف، أتحدث عن تشخيص الوضع المصري الراهن وإثبات حالته في ما يمكن أن نسميه محضر استلام السلطة، وإذا جاز لي أن أشخص الوضع في كلمات معدودة فقد أقول إنه على الصعيد الداخلي مأزوم سياسيا واقتصاديا، والأزمة على كل جانب أشد منها على الجانب الآخر، وأذهب إلى أنها ربما كانت إحدى المرات النادرة في التاريخ المصري التي تلازمت فيها الأزمتان في وقت واحد بنفس درجة الحدَّة والحرج.

الأزمة السياسية (لاحظ أننا نتكلم عن الداخل وأن الحديث عن الخارج مؤجل) لها مظاهر عدة تتمثل في ما يلي: ضمور الأحزاب السياسية وعقمها، الأمر الذي جعلها عاجزة عن تقديم مرشح لانتخابات الرئاسة، غياب مؤسسات الدولة المستقلة التي يمكن أن تكون شريكة في القرار أو مراقبة له، أو على الأقل محصنة ضد ضغوط الهوى السياسي، تغول السلطة المركزية وإهدار فكرة الفصل بين السلطات، هيمنة المؤسسة الأمنية وإطلاق يدها إما بالقانون وإما بالتعامل معها باعتبارها فوق القانون، تفريغ الديمقراطية من مضمونها الوظيفي، والإبقاء على هياكلها من قبيل التجمل والحفاظ على الشكل (مجلس حقوق الإنسان نموذج لذلك)، تكبيل منظمات المجتمع المدني وتهميش دورها من خلال قانون منع التظاهر، الاستقطاب الحاد في المجتمع وانقسامه على نحو غير مسبوق في تاريخه.

هذه العناوين يمكن أن يضيف إليها الخبراء أمورا أخرى لا ريب، وهذا القدر الذي ذكرته -إذا صح- فإنه يصيب المجتمع بالهشاشة وضعف المناعة، الأمر الذي لا تكون انعكاساته الخطيرة مقصورة على الداخل فحسب، ولكنها بالضرورة على وزن مصر ودورها ومصالحها في الخارج أيضا.

لست بحاجة إلى التفصيل في الأزمة الاقتصادية التي صار الحديث عنها مادة يومية في تصريحات المسؤولين، كما أنها ظلت تمثل محورا مهما ومركزيا في أحاديث المشير السيسي وما يتسرب من معلومات حول برنامجه.

وقد ظهرت شواهد الأزمة في المجال العام، بحيث أصبح بوسع أي مواطن عادي أن يلحظ آثارها الضاغطة والمدمرة، إن لم يكن في الغلاء الذي توحش ففي البطالة وكساد سوق العمل الذي ضرب أغلب الأسر، وأي زائر للأقصر أو شرم الشيخ يستطيع أن يلمس حدة الأمة حين يرى الفنادق والأسواق التي أغلقت، والبواخر السياحية التي تحولت إلى خرائب مهجورة.

وقد وجدت تشخيصا وافيا للأزمة في الدراسة الأخيرة التي أعدها الخبير البارز بمعهد التخطيط الدكتور إبراهيم العيسوي، وتحدث فيها عن الاختلالات المزمنة في الاقتصاد المصري. وقد رصد فيها مظاهر تفاقم تلك الاختلالات بعد ثورة يناير 2011، وارتفاع مؤشرات ذلك التفاقم في أعقاب التغيير الذي حدث في يوليو/تموز 2013 الذي أضاف إلى الأزمة بعدا آخر تمثل في الخلل الذي تمثلت أصداؤه في تراجع معدلات الادخار والاستثمار، ومن ثم ضعف النمو الاقتصادي وتوالي العجز المزمن في الموازنة العامة وميزان المدفوعات وتضخم الدين العام الداخلي والخارجي بشكل غير مسبوق.

أهمية وخطورة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة -والكلام للدكتور العيسوي- أنها أدت إلى زيادة الاعتماد على الخارج، خصوصا في واردات الغذاء أو واردات المواد البترولية أو في ما يخص تمويل الاستثمارات.

فبعدما كان الميزان التجاري للبترول (أي الصادرات والواردات البترولية) يحقق فائضا بمبلغ 5.1 مليارات دولار في 9/2010 انخفض ذلك الفائض إلى 2.9 مليار دولار في 10/2011، ثم انقلب إلى عجز في حدود نصف مليار دولار في كل من 11/2012 و12/2013، بما يعني تحول مصر إلى مستورد صافٍ للمنتجات البترولية.

وقد استمر العجز في ميزان البترول بالربع الأول من 13/2014، وذلك على الرغم مما تلقته مصر من معونات مالية وبترولية من الدول الخليجية الثلاث السعودية والإمارات والكويت.

وكما أصبح معروفا فإن نقص الإمدادات من البترول والغاز أدى إلى أزمات في التزود بوقود السيارات وفي توفير السولار والمازوت للمصانع ومحطات توليد الكهرباء. وترتب على تلك الأزمات اضطراب حركة النقل وارتفاع كلفته، كما نتج عنها تكرر انقطاع الكهرباء الذي أسفر عن آثار سلبية على الأداء في مجال الإنتاج والخدمات وعلى نوعية حياة المصريين بصفة عامة.

وكانت نتيجة تلك الأوضاع المضطربة أن التصنيف الائتماني لمصر جرى تخفيضه أكثر من 16 مرة، إذ إنها أصبحت تدرج ضمن الدول عالية المخاطر المعرضة للتعثر أو العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية الخارجية في مواعيدها.

(3)

كل الشواهد تدل على أن الأزمة الاقتصادية ستكون العنصر الحاكم للرئاسة المقبلة في مصر، ذلك ليس استنتاجا منطقيا فحسب، ولكنه واضح أيضا في كلام المشير السيسي وفي ما تسرب من مقاطع لبرنامجه، نلاحظ ذلك مثلا في ما نشرته بوابة "الشروق" في 20/5 عن البرنامج أن الكلام فيه عن الحرية والديمقراطية إنشائي وفضفاض، في حين كان الجزء المتعلق بالاقتصاد أكثر وضوحا بصورة نسبية.

فالحرية في البرنامج هي "بيت القصيد، وهي الحد الفاصل بين حياة الإنسان وحياة غيره من الكائنات، وهي الهدف الثاني لثورتنا المجيدة، فلا كرامة بغير حرية ولا حرية بلا كرامة.. إلخ"، وفي البرنامج أنه يُعنى بالديمقراطية أيما عناية، إذ إن مجلس الوزراء والوزارة المعنية بشؤون التشريع (اللذين أقرا قانوني التظاهر والإرهاب الذي لم يصدر) تناولا أمورا أكثر تحديدا، مثل ضرورة إعادة النظر في الدعم والحد الأدنى للأجور والكروت الذكية.. إلخ.

إننا نلمح في البرنامج وفي تصريحات المشير ورئيس الوزراء أمرين أساسيين، أولهما ما ذكرته توا من تقديم الاقتصاد على السياسة، وثانيهما الالتزام بسياسات اقتصاد السوق الحرة المفتوحة أو ما يُسمى الليبرالية الاقتصادية الجديدة. 

وإذا دققنا في ذلك المسار فسوف تبرز لدينا ملاحظتان مهمتان، الأولى أنه يعد امتدادا للسياسة التي طبقت في ظل نظام مبارك، والثانية أنها تتوافق إلى حد كبير مع سياسات الدول الخليجية الداعمة للوضع المستجد في مصر، وكل من الملاحظتين له دلالته التي سيكون صداها واضحا في المرحلة الرئاسية القادمة، فالأولى ترجح الاستنتاج الذي يرى في القرائن المتوافرة (خصوصا بصمات الدولة الأمنية) عودة متدرجة لنظام مبارك، وهو لم يعد سرا في ظل الحضور المتنامي لعناصر ذلك النظام في مجالي الأعمال والإعلام، فضلا عن بروز ذلك الحضور في حملة تأييد المشير السيسي.

أصدِّق ما قاله المشير السيسي عن أنه ليس مدينا بأي "فواتير" لأحد، لكنني أزعم أن ذلك يمكن أن ينصرف إلى الداخل فقط، ذلك أن الدعم المالي الكبير -الذي تقدمه الدول الخليجية الثلاث للنظام المستجد والذي ذكر الفريق السيسي أنه وصل إلى عشرين مليار دولار في نحو عشرة أشهر- يعبر عن مشاعر طيبة لا ريب، لكنه يثير سؤالا كبيرا حول الاستحقاق المترتب عليه والمردود السياسي له.

 

يدعوني إلى طرح السؤال عوامل عدة، منها ما يلي:

- إن الدول حتى إذا كانت شقيقة لا تقدم مساعدات منتظمة بذلك الحجم لوجه الله، ولكنها تفعل ذلك تدعيما ومساندة لسياسات معينة، ولا لوم عليها في ذلك بطبيعة الحال، الدليل على ذلك أن الدول الخليجية التي اندفعت لمساعدة النظام الجديد هي ذاتها التي حجبت العون عن النظام السابق.

- إن الدول الخليجية -التي توافرت لها فوائض مالية عالية خلال السنوات الأخيرة- تطلعت إلى القيام بدور في المحيط العربي، خصوصا في ظل انكفاء مصر وتدمير العراق والقتال الدائر بين النظام السوري وشعبه، وهو ما أحدث فراغا شجع تلك الدول على التمدد ومحاولة التأثير على مجريات الأمور في أنحاء متفرقة بالعالم العربي، وثمة قرائن عدة دالة على ذلك. 

- إن تلك الدول وهي تحاول القيام بدور خارج حدودها تستهدف أيضا تأمين أوضاعها الداخلية، إذ منذ هبت رياح الربيع العربي فإنها حرصت على استرضاء شعوبها وأغدقت عليهم ماليا، في حين شددت وأغلقت الأبواب أمام أي حديث عن الإصلاح السياسي، وفي الوقت ذاته فإنها وظفت إمكانياتها لإجهاض أصداء الربيع خارجها للحد من تأثيرها داخل حدودها.

(4)

أتحدث عن هاجس لا أستطيع أن أكتمه، ذلك أن جيلي عاش المرحلة التي كان لمصر فيها تأثيرها في إرجاء الخليج، ثم وجدنا أن ذلك التأثير تراجع بصورة تدريجية. وفي الوقت الراهن، فإن التساؤل صار مشروعا عما يمكن أن يحدثه الخليج من تأثير على المسار العام في مصر.

وإذا أردت أن أكون أكثر صراحة فلعلي أتساءل عن حدود السقف السياسي الذي يمكن أن تتحرك في حدوده مصر المقبلة، في ظل اعتمادها المتزايد على الدعم المالي الخليجي، خصوصا أن مصادر الدعم الأخرى غير مضمونة إذا ما استمر التوتر الأمني لفترة أطول.

وإذ أكرر أنني أتحدث عن هواجس وليس عن معلومات فإنني قد أتساءل أيضا هل يمكن لمصر في ظل ذلك الوضع مثلا أن تسمح بالتظاهر السلمي أو بحرية التعبير وحيوية الحياة السياسية، وأن تفتح الأبواب لحق الناس في المشاركة والمساءلة، في حين أن ذلك كله مصادر وغير مسموح به في دول الخليج الحليفة المساندة لها؟

هذا سؤال بريء والله، يحترم دول الخليج وخيارات أهلها، لكنه يعبر عن قلق مواطن يحلم لبلده بوضع آخر، ويتمنى له أن يستعيد عافيته وقَوَامه بحيث يسير على رجليه مرفوع الرأس، لا أن يستمر حيا، لكنه ممدد في غرفة للإنعاش معتمدا على المحاليل والمعونات.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".