شمس نيوز / عبدالله عبيد
يعيش الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة هذه الفترة أسوأ حالاته في ظل انعدام فرص المستقبل ومؤشراته، جراء الحصار الإسرائيلي الذي مازال مستمراً منذ عشرة أعوام والحروب الثلاثة التي خلفت العديد من المشكلات من بينها إعادة الإعمار، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، كل هذه المؤشرات تدلل على انعدام الحياة في غزة.
المشكلات التي يعاني منها القطاع ولّدت العديد من الظواهر الدخيلة التي يلجأ إليها المواطنين للهروب من واقعهم المأساوي، فمن الهجرة إلى أوروبا مروراً إلى ارتفاع نسب الجريمة، وصولاً إلى الانتحار الذي يحرّمه الشرع ويعتبره من أكبر الكبائر، على رغم أن غزة تعتبر من أكثر المناطق "المحافظة".
وشهد قطاع غزة خلال الفترة الماضية ارتفاعا في نسبة حالات الانتحار خاصة في فئة الشباب، كانت آخرها في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة حينما أقدم الشاب (ع.ي) على إلقاء نفسه من فوق عمارة سكنية بسبب الديون المتراكمة عليه وعدم قدرته على سدادها، فيما تنوعت محاولات الانتحار في القطاع بين الحرق وتناول السم والسقوط من علو والشنق، ونجحت أربع محاولات فيما فشلت العشرات خلال العام الجاري.
وتوفي المواطن "م. غ" (45 عامًا) من مخيم النصيرات وسط غزة، في الرابع من الشهر الجاري، بعد أن أحرق نفسه داخل مقر مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
الوسيلة الوحيدة للهروب
المواطن أبو خميس شتات ( 52 عاماً) من شمال مدينة غزة، يقول "إن البيئة المحيطة والواقع الذي تعيشه غزة، أدى وسيؤدي إلى العديد من الظواهر التي لم تخطر على بال أحد من قبل"، منوهاً إلى أن الانتحار إحدى هذه الظواهر والتي ستزداد إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.
ويضيف خلال حديثه لـ"شمس نيوز"، أن المواطن الذي يقدم على الانتحار فكر ألف مرة قبل انتحاره" إلا أنه اعتبر الانتحار الوسيلة الوحيدة التي قد تؤدي إلى الهروب من الواقع.
ليخالفه الرأي الشاب وائل داوود (25 عاماً)، الذي اعتبر غياب الوازع الديني لدى بعض المواطنين في غزة هو من دفعهم إلى الإقبال على الانتحار.
وبحسب أقوال داوود لـ"شمس نيوز" فإنه مهما ضاقت الدنيا على الإنسان إلا أن التقرب إلى الله في تلك الحالة أفضل بكثير من التفكير بارتكاب المحرمات كالإقبال على الانتحار أو حتى التفكير به، مشدداً على ضرورة وضع حد ورادع قبل أن تنتشر هذه الظاهرة، "بالإضافة إلى تحسين أوضاع الناس في غزة"، حد قوله.
الأوضاع غير مريحة
حالات انتحار كثيرة سُجلت في قطاع غزة خلال العام الجاري والأعوام السابقة، فمنهم من وضع حداً لحياته على الفور، وآخرون فشلوا في تحقيق أهدافهم في الموت بعد أن تلقوا العلاج في المشافي، ليرى الخبير النفسي درداح الشاعر، خلال حديثه لـ"شمس نيوز" أن كل حالة انتحار لها ظروف وملابسات خاصة بها.
وبحسب الشاعر فإن الأوضاع المحيطة بالإنسان في غزة "غير مريحة"، فهناك شعور عام بالضيق والتوتر والتأزم النفسي، بسبب الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية وانسداد الأفق السياسي والانقسام، الأمر الذي يدفع إلى محاولة الانتحار.
وتوقع ازدياد حالات الانتحار في الأيام القادمة إذا لم يكن هناك انفراجة قريبة بغزة، مشدداً على ضرورة تكاثف جهود الجميع من أجل إخراج الشباب من هذه الدائرة الضيقة التي لا تؤدي إلى بناء الإنسان والوطن، بحسب الشاعر.
وأضاف: إذا لم يكن هناك انفراجات في الواقع النفسي للشباب أو أمل في غد واعد ومستقبل مشرق، بالتأكيد ستزداد هذه الضغوط والأعباء النفسية على الإنسان، وبالتالي يفكر بمخرج من هذه الأزمات النفسية والاقتصادية من خلال فكرة الانتحار".
ظواهر مختلفة
ووثقت مراكز حقوق الإنسان أربع حالات انتحار منذ بداية العام الجاري 2016، بخلاف عشرات الحالات الفاشلة. فيما سجل العام الماضي 2015، خمس حالات ، والعام 2014، سبع حالات، والعام 2013، سبع حالات أيضاً.
وأفاد الناشط الحقوقي، صلاح عبد العاطي أن الحصار الذي تعيشه غزة منذ عشر سنوات تسبب في ارتفاع نسب الفقر والبطالة وانعدام فرص العمل لدى قطاع واسع من الشباب الفلسطيني، منوهاً إلى أن هذه العوامل أدت إلى بروز ظواهر مختلفة من بينها الرغبة في الهجرة خارج البلاد وارتفاع نسب المنتحرين ومحاولات الانتحار، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الجريمة بشكل عام.
وقال عبد العاطي لـ"شمس نيوز"، إن الانقسام والمناكفات السياسية أدت إلى الشعور باليأس لدى المواطنين والشباب، إلى جانب عجز حكومة التوافق عن القيام بواجباتها في غزة، وكل ذلك يدفع إلى الانتحار".
وأضاف أن "من بين أخطر العوامل التي تدفع إلى الانتحار في غزة انعدام فرص المستقبل ومؤشراته أمام الشباب والمجتمع الفلسطيني"، مطالباً قيادة الشعب الفلسطيني إلى مراجعة السياسيات التي تؤدي إلى معاناة المواطنين، والعمل من أجل المصالح العامة للمجتمع".
ومن وجهة نظره فإن المؤشرات من خلال التوثيق تشير إلى تصاعدها، " حيث لا يخلو أسبوع إلا ونسمع حالة انتحار أو تنفيذ الانتحار"، مؤكداً أن السبب الرئيسي والأغلب لحالات الانتحار في غزة تعود لأسباب اقتصادية.
رأي الشرع
من جهته، أكد د. سالم سلامة نائب رئيس رابطة علماء المسلمين أن الانتحار حرام شرعا، لأنه يدل على عدم رضا العبد بقدر الله، مشدداً على أن المنتحر ليس له إلا النار.
وقال سلامة لـ"شمس نيوز": من ينتحر فمصيره النار لأنه لم يرضَ بقدر الله لم يصبر على ما أُبتلي به"، لافتاً إلى أن أغلب حالات الانتحار التي سجلت في غزة "مرضى نفسيين".
وأضاف: المريض لا حرج عليه لأن الله رفع عنه فيكفي أنه يعاني من مرض، وقد يكون له شفيعاً يوم القيامة، لكن إذا كان شخصاً عاقلاً فهذا سيدفعه إلى النار وبئس المصير".
وعن حكم الصلاة على المنتحر، أوضح سلامة أن الإنسان العادي الذي ينتحر لا يُصلى عليه ولا يدفن في مدافن المسلمين، مستدركاً "لكن إذا كان مريضاً فتجوز الصلاة عليه بالمسجد ويكفن ويدفن بمقابر المسلمين"، حسب قوله.
وكانت الفصائل الفلسطينية حذرت الشهر الماضي من خطورة الأوضاع "المأساوية" في قطاع غزة ووصولها إلى مستوى سيئ جداً، والذي أدى إلى العديد من حوادث الموت قهرا من بينها "الانتحار" بسبب الحصار، محمّلة الاحتلال والمجتمع الدولي المسئولية الأولى عن هذه الأحداث جراء استمرار الحصار والإغلاق على غزة.
وفي ظل الحصار والمشكلات التي يعاني منها قطاع غزة، فمن المحتمل أن يشهد ظواهر وأزمات متجددة إذا لم يتحرك المسؤولون لإنقاذ المجتمع، لأن من يدفع ثمن هذه المشكلات هو المواطن المغلوب على أمره.