المقال يعبر عن رأي كاتبه
بقلم / أكرم عطا الله
في التاسع عشر من كانون الأول الماضي أي قبل ثلاثة أشهر نشرت مقالا بعنوان "خطر أميركي داهم"، جميعنا كان يتابع كيف كانت تتشكل الإدارة الأميركية وتعييناتها بما يتعلق بملف الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، بدءا من اليهودي جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب مرورا بالسفير الأميركي لدى إسرائيل دافيد فريدمان والمؤيد لنقل سفارة بلاده إلى القدس وكذلك باقي التعيينات التي كانت جميعها تنذر بشتاء ساخن بالنسبة للسياسة الفلسطينية ما أن تتسلم تلك الإدارة مواقعها.
التعيينات لم تكن وحدها مؤشرات الخطر الأميركي بل إن التصريحات التي رافقت تسلم هذه الإدارة أكدت لجميع المتابعين بأن الإدارة الجديدة تحمل نوايا مدعاة للقلق بالنسبة للقضية الفلسطينية سواء بالحديث عن نقل السفارة الأميركية وكذلك تصريحات الاستيطان حين اعتبرته لا يشكل عقبة أمام التسوية ثم ان حل الدولتين ليس بالضرورة أن يكون مسارا للتسوية.
انقطاع الإدارة الأميركية عن التواصل في البدايات مع القيادة الفلسطينية عزز تلك الشكوك شبه المؤكدة خاصة بعد الاستقبال الحار لبنيامين نتنياهو في البيت الأبيض والمؤتمر الصحافي المشترك الذي تم قبل اللقاء بما يخالف البروتوكول السياسي ما يعني أن الرجلين متفقان على كل شيء قبل بدء الاجتماع، ثم تواصلت الإدارة الأسبوع الماضي بمكالمة بين الرئيسين الأميركي والفلسطيني.
غير أن ما يتواتر عن الشروط التي حملها مبعوث الرئيس ترامب للرئيس أبو مازن تبدو صادمة من إدارة تحمل إرثا أميركيا أشرف خلال العقدين والنصف الماضيين على عملية التسوية فهي تعكس انقلابا على كل شيء وتضع الفلسطينيين في مأزق كبير بعد أن سرى اعتقاد أن مسار التسوية المتدرج يسير نحو الدولة الفلسطينية وإن كان بسرعة السلحفاة بعد موقف إدارة بوش ومحاولات جادة من قبل الرئيس أوباما لكن من الواضح أن إدارة ترامب بدأت تتصرف بلغة تعيدنا إلى نقطة الصفر.
الثلاثي المكلف الملف الفلسطيني الإسرائيلي من قبل إدارة ترامب أيضا مدعاة للقلق مبكرا، جيسون غرينبلات الذي التقى الرئيس الفلسطيني ليحمل أسوأ المطالبات المهينة سواء بوقف تحويل مخصصات أسر الشهداء الذين سقطوا في حروب الثورة أو بعدم اعتراض الفلسطينيين على بناء المستوطنات أو وقف تحويل أموال لقطاع غزة أو محاربة ومقاومة إسرائيل والتي تعكس شخصية الرجل، أما كوشنير فهو سليل عائلة قريبة للمستوطنين وكذلك ديفيد فريدمان رئيس جمعية مناصري مستوطنة "بيت إيل"، هؤلاء يشكلون عنوانا لكتاب واضح صفحاته يلفها السواد بالنسبة للفلسطينيين.
نتنياهو الذي يتبجح بالقول إن حكومته جاهزة لمساعدة دول لتعزيز علاقتها بالولايات المتحدة، أي أنه يشكل مدخلا لقلب وعقل ترامب بات يشعر هو وحكومته بنشوة انتظرها لثماني سنوات وبات يتصرف باعتباره سيد السياسة وأن الفرصة سانحة لتنفيذ كل مشاريعه دفعة واحدة ليس فقط على الصعيد الفلسطيني وابتلاع الضفة وتسارع الاستيطان ولكن أيضا على صعيد الإقليم وتطويع دول عربية وبناء تحالفات معها عندما تحدث عن محور سني وعلاقات مع دول سنية، بالتأكيد السنة منها براء، لكن الغريب ألا نسمع رأيا أو موقفا من تلك الأطراف أو حتى مفتيها ترفض ما قاله نتنياهو.
ليبرمان الذي يعيش مناخ النشوة الإسرائيلية لم ينتظر طويلا ليرسل رسالة شديدة اللهجة ولكنها ربما لن تكون الأشد في هذه الظروف وللإعلان عن تصعيد سياسي إسرائيلي مترافق مع هذا التوافق الأميركي الإسرائيلي بإعلان الصندوق القومي الفلسطيني كمؤسسة إرهابية وهذه المؤسسة هي جزء أصيل من منظمة التحرير التي تم عقد اتفاق أوسلو معها وهذا القرار يتطابق تماما مع واحد من الشروط التي حملها موفد الرئيس الأميركي، ماذا يعني ذلك؟
والأخطر الذي يشكل سابقة لم تحدث من قبل هو اجتماع جيسون غرينبلات موفد ترامب مع قادة المستوطنين في الضفة الغربية ما يعني أن الإدارة الأميركية الجديدة تمارس عملية قطع تام مع سياسة إدارة أوباما التي وإن لم تستطع وقف الاستيطان، لكن مواقفها النظرية تجاه المستوطنات والبناء الاستيطاني كانت واضحة وخطورة هذا اللقاء أن المستوطنين يشكلون أحد أعمدة القرار في الدولة العبرية بالنسبة للولايات المتحدة ينبغي التشاور معهم ووضع رؤيتهم ومطالبهم بعين الاعتبار وهو ما يشكل نسفا مبكرا لأي عملية تفاوض قد تريدها الإدارة الأميركية.
كافة الدلائل تشي بأن الولايات المتحدة ذاهبة باتجاه وضع السياسة الفلسطينية في مأزق حقيقي نذره التعاون التام مع حكومة اليمين في إسرائيل لوضع تصور لحل، وربما أن ذلك يعرض على الفلسطينيين ما هو فائض عن حاجة الأمن الإسرائيلي في الضفة الغربية مع استثناء غزة باعتبارها خارج الحسابات الإسرائيلية ويجب أن يكون كذلك فلسطينيا وحينها على الفلسطيني إما أن يقبل أو يرفض، وباعتبار أن هذا لن يكون مقبولا يظل الخيار الثاني وهو الرفض وتبعاته بتحميل الفلسطينيين مسؤولية إفشال محاولة التسوية وما يترتب على تلك المناورة ربما في ظل هذه الإدارة يمكن اعتباره المأزق الأكبر الذي يواجه القضية الفلسطينية والقيادة الفلسطينية.
أمام ما تحمله الأسابيع والأشهر القادمة من تحرك أميركي أسوأ من السكون هذه المرة يبدو الفعل الفلسطيني هو الأهم أمام مفاوضات أصبحنا نبحث عن كيفية تمريرها بلا خسائر كما كان يفعل نتنياهو في فترة أوباما. وبالتالي فإن الخيار أمام الفلسطينيين هو التوحد أمام خطر أميركي حقيقي داهم يحمل قدرا من الاستعلاء تجاه قضايا الكون بما فيها قضيتنا، الوحدة وإعادة بناء النظام السياسي بما يضمن موقفا موحدا بلا خروج عن القاعدة وكذلك إعادة ترميم العلاقات الفلسطينية العربية بعدما سادها توتر في نصف العام الأخير فالعرب رغم ضعفهم يشكلون عنصر قوة للقضية الفلسطينية.
الأمل بما نملكه من أوراق قوة قد تكون بدياتها اليوم، مع زيارة الرئيس اليوم لمصر، فالخلاف الذي حدث لا يمكن فهمه في سياق حاجة الفلسطيني لكل العواصم وأولها القاهرة .. لأن الموقف المصري بات ضروريا أمام هذه الإدارة التي تنذر بشيء كبير ولكنه غير مريح..!