أشبعونا كلامًا معسولاً عن الإنسانية وشرعة حقوق الإنسان، وملأوا رؤوسنا بشعاراتهم ومبادئهم المزيفة؛ يدعون العدالة، ويتباهون بجوائز للسلام، في حين أنهم يعقدون خلف الكواليس مؤامرات ضد الإنسان والإنسانية!
سبعة عشر عامًا مرت مرور الكرام على أصحاب الحكم والسيادة!
سبعة عشر عامًا مرت كسبعة أيامٍ على المجرمين الحثالة وداعميهم، لكنها كانت كسبعة عشر قرنًا على عائلة الشهيد محمد الدرة!
جائزة "نوبل" للسلام كانت يجب أن تمنح لذاك البرميل الإسمنتي الذي احتضن محمد الدرة ووالده، وليس لمغتال البراءة والطفولة شارون وأمثاله!
في الثلاثين من أيلول عام 2000 طُبع على العالم وشم عارٍ لا يزول مع الزمن. ففي ذلك اليوم المشؤوم اغتيل أيقونة الانتفاضة وأطهرها.
أما عن تلك الرصاصة اللعينة التي خرجت من سلاح ذلك المجند الجبان لم تقتل محمد فحسب، بل أحيت الغضب، وأشعلت نيران الثأر في قلوب شعب الجبارين!
تتبعثر الحروف أمام معاناة والد الدرة، فلا كلمات يمكن أن تنصف وجع ذلك المسكين الذي فقد فلذة كبده أمام عينيه وفي حضنه.
وماذا عن أم محمد التي أرسلت صغيرها مع والده حيًّا، ليعود إليها مضرجًا بدماء العفة والطهارة من دون نبضة قلب!
آهٍ يا محمد!
آهٍ أيها الشهيد الجبار، كيف لرصاصة غادرة أن تشعل القوة في جسدك الصغير، وتجعل لسانك البريء ينطق بكلمات معسولة بالشهامة والمحبة، لتطمئن بها قلب والدك المشتعل!
لم يبدِ بطلنا وجعه، بل نطق بكلماته الأخيرة: "اطمئن يا أبي فأنا بخير"! يعجز اللسان عن وصف شجاعة هذا الكائن الصغير! لا بل يخجل الإنسان من وصف قوته وشهامته!
لن نحزن على استشهاده في هذا اليوم، ولن نواسي والدي الفقيد البطل، بل سنجعل من هذا اليوم عرسًا وطنيًّا نفخر به وبأطفالنا وأبناء شعبنا المقاومين، ونترك الحزن للصهاينة على هزيمتهم وكسر شوكتهم في الانتفاضة الثانية للأقصى، وكافة الانتفاضات!
وكما علمنا كبار قادتنا المقاومين، وعلى رأسهم الشيخ المقعد أحمد ياسين والفارس الفدائي فتحي الشقاقي: "أن نموت كي تحيا فلسطين"!