قلم/ أكرم عطا الله
لم يعد الأمر يتسع للمناشدات والكلمات وسط أجواء التشاؤم التي تتلبد بها السياسة الفلسطينية، ولم يعد الأمر يحتاج الى خبراء التحليل السياسي وأساتذة العلوم السياسية وعارفي خباياها لنقول أن هذه الجولة من المصالحة ستكون شبيهة لأخواتها وأن التفاصيل تحمل دوماً ألغاماً تحت سطور أية مبادرة أو حل ولم يعد الأمر بحاجة لتأكيد الجهل العارم الذي يجتاح السياسة الفلسطينية نظراً لقلة التجربة والخبرة وأشياء أخرى تتعلق بفهم السلطة والعقل الشرقي البعيد عن أصول السياسة.
لكن الموضوع هنا في هذا الخنق المتواصل لغزة بهذا الشكل الجنوني، فالمسألة امتدت لأكثر من عقد وفي هذا شيء يتجاوز المنطق ولم يعد التعويل على القوى الفلسطينية التي وضعت شعبها في هذه المحرقة بلا خجل من الممكن أن تخرج قطاع غزة من ورطته التي علق بها بتنفيذ فلسطيني لكن بالقطع لم يكن التخطيط فلسطينياً على الاطلاق لكن كما قال اللواء برهان حماد الذي قاد الوفد المصري أثناء الانقلاب أن قوى فلسطينية جرى استخدامها من جهل لتنفيذ فصل غزة عن الضفة.
فالأمر هنا وهذا لا يحتاج الى كثير من البحث يتعلق أولاً وعاشراً باسرائيل التي قررت مبكراً التخلص من قطاع غزة والاستيلاء على الضفة الغربية واذا كان المشروع على هذه الدرجة من الوضوح فلماذا نجهد أنفسنا بتحليل ما يحدث ونغرق بتفاصيل أحياناً تأخذنا بعيداً عن جذر المشكلة وأصلها باحثين أحياناً عن الجاني الذي جرى استخدامه ونترك صاحب المشروع فالبحث في الثانويات يغرقنا في الانتقام الذاتي وجلد الذات فيما التفكير بالمشروع الكلي قد يأخذنا نحو وضع الأسس لمواجهته لكن جولات المصالحة تقول أننا غرقنا حتى آذاننا في وحل الانقسام ولا مخرج.
لذا علينا أن نذهب للكليات دفعة واحدة ما الذي تريده اسرائيل من غزة؟ مخطيء من يظن أن ليس هناك تصوراً اسرائيلياً لهذه المنطقة التي تفيض وطنية حد القلق بالنسبة لاسرائيل وهي عبء منذ عقود فاسرائيل تريد اخراجها وقد قطعت شوطاً بهذا المشروع وتريد أن ينتهي الكيان الفلسطيني مقاماً ومحصوراً بغزة أو رأس الكيان السياسي وما تبقى في الضفة عبارة عن كتل بشرية تتام متابعتها من غزة تماماً كما الشهور الأولى لدخول السلطة هو النموذج الذي ارادته.
اختل هذا التصور واندلعت الانتفاضة وانتقل عرفات الى رام الله قاطعاً الطريق على هدوء المسار الاسرائيلي لتنتقل اسرائيل الى خطة بديلة التفافية لاستكمال المشروع ولأن غزة هي التي أطلقت شرارة الانتفاضة وقلبت الطاولة وهي الهدف كان لابد وأن يحدث فيها ما حدث وأن حصار أحد عشر عاماً واستمراره وكي وعي الغزيين بهذا الشكل من حروب ودمار وافقار وسط صمت كوني رهيب ليس مصادفة فلو لم يكن الأمر يتعلق باسرائيل لما وافق العالم على هذا الموت البطيء والسريع لغزة بالقطع.
اذن هناك مشروع اسرائيلي واضح وهو غزة وفصلها واعادة موضعة النظام السياسي فيها أي أن غزة رائدة المشروع الوطني مطلوب منها أن تقبره بيدها ويلعب الاسرائيلي على عامل الزمن حتى تقبل غزة وأثناء ذلك يجري استخدام أبشع أدوات انعدام الحياة الانسانية لتطويعها حتى تقبل بالمشروع وبات من الواضح أن لا فكاك ولا انهاء للحصار الا لقبولها.
اذن أمام غزة خيارين اما دفن المشروع الوطني وكتابة شهادة وفاته وإما دفن أهلها وكتابة شهادة وفاتهم وعصرهم وكل ذلك حتى القبول بالمشروع الاسرائيلي أي بالنهاية هناك مهندس واحد ولديه مشروع واحد أصبح اضحاً للجميع وما يحدث بغزة سوى عملية صلب هي الأقسى حتى تقبل مرغمة وما حدث أحدث قدر من الوعي بالنسبة لسكانها الذين مروا بهذه التجربة الطويلة المريرة.
وأمام هذا الواقع وهذا الوضوح ماذا على الفصائل أن تفعل وكيف تقطع الطريق ؟ هنا السؤال هل بامكانها مواجهة المخطط الاسرائيلي أم أنها على هذه الدرجة من الاستسلام ؟ ان قطع الطريق يحدث بوحدة وتكامل الوطن وبصراحة ان استمرار حكم حماس لغزة يزيد من الطين بلة وكذلك استمرار اجراءات السلطة تزيد من سحق غزة، الأمر معروف ومعروف أيضاً ماذا على كل طرف أن يفعل ولكنهم يناقشون تفاصيل المصالحة وتوزيع السلطة والثروة... يا لهم ...!!