غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

إيران وإسرائيل وصراع حدود النفوذ

إيران وإسرائيل

بقلم: مثنى عبد الله

في تصعيد غير مألوف ومفتوح على عدة جبهات، شمل لبنان وسوريا والعراق، تحرك العدو الصهيوني مُعلنا عن مسيرة استهدافات متعددة مؤخرا. بعضها تبناها علنا، وغيرها بالتحليل السياسي والعسكري تُدرك أنه هو من قام بها كذلك.

في لبنان هاجم بطائرتين مُسيّرتين الضاحية الجنوبية من بيروت، وفي البقاع استهدف موقعا عسكريا تابعا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة. كما تم استهداف العاصمة السورية دمشق، ومواقع ومخازن سلاح يقال إنها تابعة للحشد الشعبي في بغداد وصلاح الدين في العراق. هذه الاستهدافات دفعت الى الواجهة تساؤلات عدة منها، هل تتوسع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل إلى جبهات جديدة؟ وكيف يمكن قراءة هذا التحول الأخير؟

بداية لابد من القول بأن إيران وإسرائيل توصلتا منذ عقود إلى صيغة من التعايش النفعي والتخادم الاستراتيجي بينهما. وقد تعمّقت هذه الصيغة بعد غزو واحتلال العراق، وتحوّل إيران إلى محتل ثان بعد الاحتلال الأمريكي. وصيغة التعايش معروفة في العلاقات الدولية، فعندما تتواجد قوتان في المحيط نفسه، وتكون لديهما طموحات هيمنة ونفوذ وتوسع للسيطرة على المنطقة، يحصل بينهما سباق سياسي وعسكري وأمني، يقود بالتالي إلى تفاهمات بصيغة غير مباشرة على حدود القوة والنفوذ بينهما، تجنبا للصدام الذي يعي كل طرف أنه لن يخدم مصالحه، وهذه بالضبط هي المعادلة التي حكمت العلاقة بين إسرائيل وإيران.

لكن الذي حصل مؤخرا هو أن الحرب السورية حرّكت حدود القوى والنفوذ بين الطرفين. فإيران المنتشية بنصر مؤزر، ونفوذ مُشترى بالدم والمال الإيراني في سوريا، لم تعُد مقتنعة بحدود نفوذها السابق، فاندفعت الى مديات جديدة. والذي جرى من استهدافات إسرائيلية، هو محاولة لدفع الاختراقات الإيرانية إلى الخلف، كي تبقى ضمن الاطار المرسوم سابقا، لذلك لم نر ردا إيرانيا على كل الضربات الجوية والصاروخية السابقة، التي استهدفت مواقعها في سوريا، لأنها تدرك جيدا حدود اللعبة.

النقطة الأخرى التي كانت أحد أسباب التصعيد الأخير، هو تعدد واجهات النفوذ الايراني في المنطقة، فبعد أن كان حزب الله هو الواجهة الوحيدة، الذي اتفق مع إسرائيل على قواعد اشتباك معينة، فإن الواجهات الوكيلة لإيران قد تعددت وامتدت إلى العراق واليمن وسوريا وفلسطين. وبالتالي ترى إسرائيل أن هذا خرق كبير لحدود القوة وتوزيعها بين الطرفين يوجب التصعيد الأخير، كما يوجب انخراطها هي الأخرى في دفع حدود نفوذها، لذلك جاء الإعلان عن انخراطها في المنظومة الأمنية لحماية الملاحة في الخليج العربي، ردا على التهديدات الإيرانية الأخيرة. في هذه الحالة بالذات – أي حالة التصعيد – يُعوّل الكيان الصهيوني على نقاط قوة عدة، يعتقد أنها تدعمه في التوجه الجديد، فهو في أفضل حالات الدعم الامريكي المفتوح على مصراعيه في ظل الإدارة الحالية، التي بلغ دعمها له حد التقاطع التام مع كل السياسات الأمريكية المعروفة سابقا. كما أن إيران تعاني من حصار اقتصادي أمريكي، وبالتالي فإن صانع القرار فيها يحشد كل إمكاناته وجهوده للتغلب على الحصار، بما لا يدع له مجالا للرد على التصعيد الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك أن إسرائيل تعتقد بأن أذرع النظام الإيراني هي الأخرى تعاني من الحصار والعقوبات الأمريكية، وصانع القرار في طهران حد من حرية انخراطها في ردود أفعال غير محسوبة خوفا من الانعكاسات السلبية عليه. هذه العوامل مجتمعة عززها العامل الانتخابي كذلك، فالحملة الانتخابية التي يخوضها نتنياهو في السابع عشر من الشهر الجاري، توجب الاستثمار في هذه الاستهدافات لتسويق نفسه في الداخل، على أنه الوحيد القادر على حماية الأمن القومي الإسرائيلي. الشيء الجديد في الاستراتيجية العسكرية للعدو الصهيوني هو الدخول الى الساحة العراقية، التي بقيت بعيدة عن الفعل العسكري المباشر، لكنها كانت في عين الفعل الاستخباراتي الاسرائيلي منذ عام 2003 وبشكل مكثف. ويبدو أن صانع القرار الذي كان يعلن عن استهدافاته في سوريا، غير مستعد الآن للإعلان عن هجماته في الساحة الجديدة، لأنها تستهدف نقاط ارتكاز وبنى تحتية إيرانية، وليست خطط هجمات جاهزة على خط الشروع ضده، كما في الحالة السورية. وهنا تقاطعت واشنطن مع تل أبيب في الرأي بشأن الحدث، فهي ترفض أن تكون الأجواء العراقية ساحة عمل لسلاح الجو الإسرائيلي. ومرد هذا التقاطع هو عدم استعداد الولايات المتحدة لوضع سفارتها وقواعدها تحت خطر الاستهداف في العراق. كما أنها لا ترغب في إحراج العديد من القيادات السياسية فيه، الذين لهم صلات جيدة معها ويترجمون تواجدها على الأرض ويحفظون مصالحها.

لكن إسرائيل لا تلتزم بنصائح واعتراضات الآخرين، بضمنهم واشنطن، لأن فائض القوة لديها يسحب الأمن القومي الإسرائيلي على كل أمن آخر، حتى فوق الأمن القومي الامريكي.

صحيح هنالك تحليلات ذهبت لرسم سيناريوهات حرب محدودة في البداية، ثم تطورها الى حرب إقليمية واسعة، لكن حالة التعايش الايراني ـ الإسرائيلي مازالت حتى الان هي التي تحكم حدود اللعبة، وبالتالي فإن اندلاع حرب في المنطقة لن يأخذ مديات مفتوحة، كما لن يكون خارج السقوف التقليدية، ودّعك من الظواهر الصوتية التي تأتي من الضاحية الجنوبية في بيروت. السبب في ذلك عدم وجود مبررات عقائدية أو وجودية تحكم (حالة العداء) الايراني ـ الاسرائيلي. فمعادلة الخصومة بين الطرفين ليس فيها فلسطين، لا من قريب ولا من بعيد. فإيران على الرغم من دعمها لفصائل فلسطينية، والصراخ المستمر بأنها زعيمة المقاومة في المنطقة، فإن فلسطين فرصة استثمار لرسم حدود نفوذها لا أكثر. تذكّروا بأن الاتحاد السوفييتي السابق كان أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية، لكنه كان الدولة الاولى التي اعترفت بإسرائيل، فدعمه لم يكن لأسباب عقائدية، بل استثمار لرسم نفوذه في معادلة النفوذ التي كانت سارية مع الولايات المتحدة الامريكية آنذاك. وهنا يجب التذكير بأن العدو الصهيوني ليس، بقياسات العداء، أشرف من العدو الايراني. كما أن ما حصل ويحصل في القضية الفلسطينية بفعل العدو الصهيوني، لن يعلو عليه ما حصل ويحصل في العراق وسوريا ولبنان واليمن بفعل العدوان الإيراني.

إن القوى الدولية المتحكمة بالمنطقة، التي لديها مصالح كبرى فيها، تعلم جيدا أن طموح الفاعل الايراني هو دور إقليمي كبير مسموح لها به، وهي مستعدة للقبول بمصالح إسرائيل في ضوء ذلك. كما تعلم طهران أن من يمنح هذا الدور هو فقط الولايات المتحدة، لكن الولايات المتحدة لن تعطي إيران ما تريد، لان هذه المنطقة غير مسموح بها الهيمنة الاحادية في الاستراتيجية الامريكية.

عن صحيفة القدس العربي

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".