بقلم: عماد شقور
قد يكون الكاريكاتير الذي نشرته جريدة هآرتس الإسرائيلية، في عددها يوم الاربعاء قبل الماضي، أفضل تصوير وتعبير عن حالة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وعن مجمل حال إسرائيل ذاتها. يُصوّر هذا الكاريكاتير نتنياهو عاجزاً عن الحركة، ينادي، مستغيثا: «يا أصدقائي؟»، بينما يمشي «أصدقاؤه» الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مبتعدين عنه ومتخلّين عن «صحبته».
نعطي عيِّنة صغيرة من ثلاثة مواقف/أحداث تعرّض لها نتنياهو في الشهرين الأخيرين، أو قُل في الأسابيع القليلة الماضية، التي تجعل الكاريكاتير المذكور تصويرا بالغ الدقّة لواقع الحال:
1 ـ الصفعة الأولى: عندما طلب نتنياهو من ترامب، قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة، يوم السابع عشر من الشهر الماضي، بحث إمكانية عقد «اتفاقية دفاع مشترك إسرائيلية أمريكية»، كان رد ترامب بمثابة صفعة مدوية لنتنياهو حين قال: «نبحث في هذا الموضوع بعد الانتخابات في إسرائيل»، بما يعني: اهتم بشؤونك ووضعك الداخلي، ولا دليل لدينا بأنك ستكون رئيسا للحكومة الإسرائيلية المقبلة. بل ولعل هذا الرد يحمل في طياته أيضا تحفّظا أمريكيا من توقيع معاهدة كهذه مع إسرائيل. ويمكن كذلك أن نسجّل ملاحظة إضافية: جاء أول رد فعل في إسرائيل، من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوط، الذي قال «إن إسرائيل ليست بحاجة لمثل هذه المعاهدة»، ولم تجد دعوة نتنياهو هذه قبولا من الغالبية العظمى من الكتاب والمفكرين ورجال الأمن والسياسة في إسرائيل، وأيّدها عدد ضئيل للغاية من هؤلاء، لعل أبرزهم زلمان شوفال، سفير إسرائيل السابق لدى واشنطن، (من سنة 1990ـ1993، ومن سنة 1998ـ2000).
2 ـ الصفعة الثانية: عندما قام بزيارة خاطفة لبريطانيا للقاء «صديقه»، رئيس الحكومة البريطانية الجديد، بوريس جونسون، يوم الخامس من ايلول/سبتمبر الماضي، أي قبل أسبوعين من الانتخابات الإسرائيلية، وخاطب نتنياهو جونسون، في مستهل لقائهما، وأمام الصحافيين وعدسات المصورين، قبل بدء الجلسة الرسمية، (والتي استمرت نصف ساعة فقط): «…إنني هنا لأتحدث معكم حول سبل العمل المشترك للتصدي للتصرفات العدوانية والإرهابية الإيرانية». وكان رد/صفعة جونسون لنتنياهو: «وأنا هنا لأتحدث معكم حول حل الدولتين لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي تؤيده حكومتي».
3 ـ الصفعة الثالثة: وكانت هذه صفعة مركّبة، أو حتى ثلاث صفعات وملحقاتها، تلقاها نتنياهو في زيارته لمنتجع سوتشي على البحر الأسود، للقاء الرئيس بوتين، قبل أربعة أيام من الانتخابات في إسرائيل.
أ ـ كانت صفعة الافتتاح الأولى في «حفلة» الصفعات المركبة التي وجهها بوتين لنتنياهو، هي إهانته بجعله ينتظر في غرفة الانتظار ثلاث ساعات متواصلة قبل اللقاء. وكما قال رئيس حزب اليهود الروس في إسرائيل، حزب «يسرائيل بيتينو» العنصري، أفيغدور ليبرمان، الأكثر خبرة بالسياسة وأساليب التعامل في روسيا فإن «كل شيء مخطط في روسيا حتى تفاصيل التفاصيل. وعندما يحتجزون رئيس حكومة طوال ثلاث ساعات، فإن هذا ليس عفويا». وعلى صعيد السياسة العلنية قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إثر هذا اللقاء، إن نتنياهو «تعهد باحترام السيادة السورية وأن إسرائيل لن تعمل هناك»، في حين أن نتنياهو صرح بعكس ذلك تماما، وقال إنه «تم الحفاظ على حرية العمل لإسرائيل هناك». وسرّبت مصادر روسية قول بوتين لنتنياهو أثناء هذا اللقاء «أعرف أن إسرائيل موجودة في مرحلة تاريخية، ومعروف أنه يسكن في إسرائيل مليون ونصف المليون مهاجر روسي، وتعاملنا معهم دائما كأنهم أبناء شعبنا».
ب ـ تَلَت ذلك الصفعة الثانية من بوتين، في هذه السلسلة، عندما وجه نتنياهو لبوتين دعوة لزيارة إسرائيل «للمشاركة في الذكرى الـ 75 لتحرير معسكر أوشفيتز، (معسكر إبادة نازي في بولندا تم تحريره في الحرب العالمية الثانية)، حيث كان رد بوتين حرفيا: «إن الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، دعاه لزيارة إسرائيل»، وحوّل بوتين نتنياهو إلى مجرد مراسل، حيث طلب الرئيس الروسي من نتنياهو نقل رسالة لريفلين، تقول إنه سيكون سعيداً للقيام بذلك»، ونكاية بما اقترحه نتنياهو ليكون هدفا لهذه الزيارة، (وهو موضوع تحرير معسكر اوشفيتز)، فقد طلب بوتين: «إن كان ممكناً فإنه يأمل أن يفتتح نصباً لإحياء ذكرى سكان مدينة لينينغراد»، التي خضعت للحصار النازي في الحرب العالمية الثانية، (1939 ـ 1945).
ج ـ واعتمادا على ما قاله ليبرمان، من أن لا شيء في روسيا يتم عفويا، وإنهم حريصون هناك على تفاصيل التفاصيل، فإن ما نقله نتنياهو على لسان بوتين، من قوله «إن أمن إسرائيل مهم جداً بالنسبة له»، على أن أهم ما فيه هو ضمير الغائب في نهاية الاقتباس، بمعنى أن أمن إسرائيل مهم جداً بالنسبة «له» هو، أي لبوتين وليس ملزماً لروسيا كدولة.
أما ملحقات هذه الصفعة المدوّية المركبة فكثيرة، وقد يكون أهمها ما تناقلته الصحف على لسان مراقبين ومتابعين من «نظرة ذئبية» خص بوتين نتنياهو بها، و«ابتسامة صفراوية» ظهرت على وجه بوتين في لقائه بنتنياهو، وتفسيرات ذلك باحتمال ان يستبدل بوتين ابتسامته الذئبية هذه، إذا لم يفهمها نتنياهو، بأن «يكشّر الذئب عن أنيابه».
غاب العرب كلهم، شعوباً ودولاً وحكومات، عن كل جُمل وفقرات كل ما تَقدّم. لكنهم هم الأكثر حضورا بين السطور، وأولهم نحن الفلسطينيين.
غابت شبه الجزيرة العربية: ممالك ودولاً وسَلطنات وإمارات ومشيخات، لأن حكامها أرادوا وقرروا تغييبها، (وعفوا أستثني دولة الكويت).
أما ما عدا ذلك فحاضرون: العراق حاضر. سوريا حاضرة. لبنان حاضر. وأبرز الحاضرين هو الأردن:
ـ أعلن الأردن قراره إنهاء عقد إيجار المنطقتين الزراعيتين: عند مصب نهر اليرموك، وعند الحدود جنوب البحر الميت، وقطع كل محاولة إسرائيلية لمجرد بحث عقد إيجار هاتين المنطقتين الخاضعتين للسيادة الأردنية، بعد انتهاء خمس وعشرين سنة عجاف على توقيع اتفاقية وادي عربة.
ـ اعتقل مواطنا إسرائيليا تجاوز الحدود الأردنية بامتار معدودة.
ـ استدعى وزير الخارجية الأردني، ايمن الصفدي، أمس الأول، الثلاثاء، السفير الأردني في تل ابيب «للتشاور»، احتجاجا على تعنّت إسرائيل واستمرار اعتقالها للصبية الاردنية، هبة اللبدي، وللشاب الأردني عبد الرحمن مرعي، معتبرا أن هذا الاعتقال «غير قانوني، وغير أخلاقي» وأن هذا الاستدعاء هو «مجرّد خطوة أولى» على هذا الصعيد.
كل وطني أردني، وكل وطني فلسطيني، وكل قومي عربي، يقول للأردن: شكراً.
ومن المغرب العربي، من تونس، وبعد انتخابات ديمقراطية شفافة، فاز فيها بمنصب الرئاسة قيس سعيّد، جاء صوته واضحاً صريحاً يقول عن تطبيع العلاقة مع إسرائيل: «تطبيع مع من؟ إنها خيانة عظمى».
ركًزت فقرات هذا المقال كثيرا على بنيامين نتنياهو. لكن نتنياهو ليس شخصا عاديا، ولا هو مجرّد «أحدهم»، إنه صاحب أطول فترة زمنية على كرسي رئاسة حكومة إسرائيل، منها طوال أيام وأسابيع وأشهر وسنوات العقد الأخير أمضاها كاملة في محاولات فاشلة للقفز عن الجسر الفلسطيني، الذي يستدعي عبوره الاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، والإيفاء بكامل حقوقه الشرعية، وأولها، (وليس آخرها بالتأكيد)، تطبيق وإنفاذ حل الدولتين.
«استحلى» نتنياهو، واستطاب، توهمه تجاوز الجسر الفلسطيني، فألحقه بمحاولة تجاوز «الجسر الأردني» أيضا، في مغامرة سخيفة للوصول إلى «شبه» الجزيرة العربية. فماذا كانت النتيجة؟ وإلى أين وصل هذا «الساحر»؟ إنه لم يسحر إلا نفسه، ومن تمكن من «ضبعِهم» من يهود وأعراب هنا وهناك.
لا بد من تسجيل ملاحظة: نتنياهو هو التجسيد للسياسة الإسرائيلية الصهيونية العنصرية. وفشله وانكشاف بُطلان سحره، هو انكشاف وبُطلان السياسة الإسرائيلية العنصرية، واذا استمر هذا المسلسل العنصري فان خاتمته هو تحول بُطلان السياسة الإسرائيلية إلى بُطلان إسرائيل ذاتها كدولة وككيان سياسي.
لا بد من من ملاحظة ثانية: تمتلك إسرائيل الكثير الكثير من عناصر القوة. لكن جميع هذه العناصر، بدون أي استثناء، هي عناصر قوة متغيرة، غير ثابتة وغير دائمة، وأقوى هذه العناصر هو «عنصر التحالفات». وعندما يبدأ عنصر القوة هذا بالتحلل والذوبان، على طريق الاضمحلال والاندثار، (وعندما نضيف إلى كل ما تقدم ملاحظة ما تشير إليه تململات في الحزب الديمقراطي في أمريكا ذاتها، وتململات لا تقل عن ذلك دلالة لدى جيل الشباب اليهود في أمريكا تحديداً)، فإن في ذلك بذرة لشجرة تفاؤل فلسطيني.
التفاؤل ليس عيباً.
عن صحيفة القدس العربي
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"