بقلم: سما حسن
لماذا قتلها زوجها؟ هو السؤال الغبي الذي يبلغ مدى غبائه أكثر من غباء من يستعد للبحث عن إجابة، وكأن هذا السؤال يعني أن النساء تستحق القتل ما دام هناك سبب مقنع ووجيه، وغالباً السبب المقنع والوجيه هو السبب المتعلق بالشرف وجسد المرأة هو شرفها، رغم أن الرجال الذين يقدمون أجسادهم وينذرون شهواتهم لنساء غير الزوجات كثر، ولكن لا يوجد في كل العالم رجل يقتل بسبب الشرف، بل هناك من يتسترون عليه ويدعون له بالهداية ويأمرون زوجته بالصبر عليه من أجل الأولاد.
لماذا قتلها زوجها؟ فلو كان هناك سبب غير الشرف فهو يستحق العقاب، وتستحق الضحية الرثاء، وإن قتلها من أجل الشرف فهي لا تستحق أن يترحم عليها أحد، وعلى الجميع أن ينحني احتراماً لغاسل العار وحامي حمى الديار نيابة عن الأب والإخوان.
لماذا قتلها زوجها؟ الحكاية لم تبدأ في تلك الليلة أبداً، لا يمكن أن تقتل امرأة في ليلة، خاصة أنها قد عادت لزوجها وقضت وقتاً طيباً معه ولديها الأمل بأن ينصلح حاله بعد تدخل الأهل، ومن أجل الصغار، ولكنه قتلها لأن الحكاية بدأت منذ سنوات، منذ أن كانت الزوجة المغدورة في الصف الحادي عشر بالتحديد.
الزوجة المغدورة لم تكمل التوجيهي، وقرر والدها أن تتزوج، فالأسرة في وضع مادي مستور، لا يحتمل ترف تعليم بنت في الجامعة، والصبر على بقائها في البيت كفم مفتوح للطلبات لسنوات قادمة، ولكن الأب نظر تحت قدميه ولم ينظر أبعد من ذلك، فوافق أن يزوجها دون أي مؤهل أو ساتر للزمن، ولمفاجآت الزمن.
الزوج كان يتعاطى الحشيش ولا أحد سيأتي ليخبرك بأنه حشاش فدع الخلق للخالق، بل سيجتمع الجميع لحضور حفل زفافه، والجميع سيتمنى أن يعقل، وهم لا يعرفون أن المخدر تغلل في دمه وعروقه وأنه لن يتوقف عن ذلك، بل هو بحاجة للتمويل لكي يستمر في التعاطي.
من المؤكد أنه قد باع مصاغها، وقد عاشت في ضنك العيش ولكنها تمتلك بعض الإرادة، فحاولت أن تعمل " كوافيرة" وتدق بابها الجارات الفقيرات مثلها، فتلك تظفر منها بقصة شعر وأخرى تظفر بصبغة أو تمليس، والنتيجة قروش قليلة تعين على حياة صعبة.
لكنه يضربها، كلما انسحب المخدر من دمه فهو يهيج، وفي كل مرة يلف الإيشارب "غطاء الرأس" حول عنقها، مهدداً أن يكتم أنفاسها لكي يحصل على القروش القليلة التي تحصل عليها بدورها من أمها أو أبيها، أو من عملها كمصففة شعر درجة رابعة أو خامسة.
في كل مرة تذهب لبيت والدها باكية وشاكية يتدخل "أهل الخير" ويعيدونها، وربما يعيدها والدها وإخوتها من أجل ألا تصبح مطلقة، ومن أجل أولادها، وهم لا يعرفون أنه في هذه المرة الأخيرة سوف تعود لهم جثة هامدة.
يضربها وتبكي وتسكت من أجل أطفالها، ثلاثة أطفال يرون أمهم تضرب وتهان وتذل، ويرون الرباط يلتف حول عنقها، ولكن في كل مرة لا تموت رغم أن كل شيء يموت في المرأة حين يرفع الرجل يده نحو وجهها أو جسدها.
في المرة الأخيرة، لمح القروش القليلة التي منحها لها والدها، وربما اقتطعها من مصروف البيت من أجل أن تتدبر أمور صغارها حين تعود لبيت خاو من كل مقومات الحياة الكريمة لأطفال وأمهم، فالمدمن لا يفكر بأي شيء سوى بالكيف، أن يتدبر الجرعة لكي لا يشعر بأعراض انسحابه من دمه، لكي يتوه عن العالم مؤقتاً، ولا يشعر بما يدور حوله، لا بالبطون الخاوية ولا بالطلبات الكثيرة، ولا بأمراض الشتاء التي تصيب الصغار، ولا شحوب وجه الزوجة التي تمتص الرطوبة صحتها وعافيتها وقلة الحيلة قبل الرطوبة بالطبع.
الفقر هو الأب الشرعي لكل الجرائم، والنظر للمرأة على أنها عبء ثقيل على الأسرة ولا تحتاج إلا الستر بالزواج هو الأم الشرعية لكل جريمة ترتكب بحق المرأة، وللأسف فلسان حال الآباء والأمهات في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة أن ظل رجل حتى لو كان حشاشاً أو سكيراً أفضل ألف مرة من البقاء في البيت وكأنها قنبلة، وقد قال أجدادنا: إن البنت إما للزوج أو للقبر.
لَمْ نُربِ بناتنا للحياة ولذلك هن يضربن ويقتلن، لَمْ نرب بناتنا على أن يكنّ قويات ولذلك يخضعن، وتنتفخ بطونهن من رجال أهانوهن وأذلوهن، ولو أن المرأة تربت لكي تكون قوية لما فكرت أن تنجب نصف طفل ليعيش نصف بؤسها، جريمة قتل الأم صفاء في غزة قبل أيام هي جريمة كل المجتمع الذي يريد أن يستر على البنات حتى لو عُدن لبيوت الآباء جثثاً هامدة مثلما حدث لصفاء.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"