بقلم/ د. هاني العقاد
تصر اسرائيل علي الاستمرار في تنفيذ مخطط التهويد والاستيطان في الضفة الغربية والقدس وتجري عمليات التهويد بالتزامن مع عملية ضم اراضي الضفة الغربية وقضمها من خلال البؤر الاستيطانية الجديدة في كافة المحافظات واهمها الاغوار الشمالية وتوسيع المستوطنات القائمة علي اراضي المواطنين واضافة احياء جديدة لها وبناء وحدات سكنية جديدة في اطراف تلك المستوطنات بهدف توسيعها علي حساب اراضي المواطنين الفلسطينيين، كانت معظم المستوطنات الكبرى قد اقيمت لتقطع اوصال الضفة وتفصلها عن بعضها البعض وتفصلها عن مدينة القدس العاصمة، بالإضافة الي الطرق الالتفافية والمتنزهات التوراتية ومشاريع استيطانية كثيرة تحت مسميات متعددة. تركز اسرائيل منذ فترة طويلة كافة عمليات التطهير العرقي بالمدينة المقدسة وتوظف ادوات التطهر المختلفة لطرد الفلسطينيين من بيوتهم وقراهم التي سكنوا فيها منذ فجر التاريخ وتوارثتها اجيال بعد اجيال، حي بطن الهوى في سلوان وحي الشيخ جراح شاهدين على هذه السياسية العنصرية والتي لن وستبقي منطقة صراع ديموغرافي وجيني وسياسي إلى الابد.
القدس بإحيائها وحاراتها ومسجدها الأقصى وأبوابه الثمانية كلها هدف استيطاني تهويدي خطير لم تتوقف اسرائيل عن تحقيقه يوما من الايام مهما بلغت المواجهة مع الفلسطينيين، نعم تهدأ قليلا عمليات الهدم والطرد وتبعد المزيد من العمليات عن عيون الاعلام لكنها لم تتوقف .هذه الايام يعود مسلسل الكراهية واستخدام الشبيبة الاسرائيلية كأدوات لهذه السياسة تحت مسميات عديدة منها مؤخرا "مسيرة الاعلام "التي توقفت في 11 الشهر الماضي بسبب تصاعد المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين والتهاب كافة مناطق فلسطين بما فيها الداخل الفلسطيني المحتل ودخول المقاومة الفلسطينية المعركة وقصف القدس وتل ابيب مما دفع بمنظمي هذه المسيرات الاستيطانية لإلغاء ما كانوا ينون تنفيذه عشية ما كان يسمي " توحيد القدس " . مسيرة الاعلام ليس مسيرة سلام وانما "مسيرة حرب وكراهية" تنظمها شبيبة الصهيونية الدينية لتجوب مناطق الفلسطينيين واحيائهم وحاراتهم في القدس وتهتف بالموت للعرب وتثير الرعب والخوف للسكان المدنيين الامنين ويعتدي من خلالها هؤلاء المتطرفين على البيوت الفلسطينية بالزجاجات الحارقة والحجارة وتخريب الممتلكات وكل هذا يجري تحت حماية الدولة التي تتباهي بالديموقراطية في العالم.
القدس هي مدينة الحرب والسلام، تبدأ منها الحرب ويعم السلام ارجاء الدنيا من بواباتها ,انها الجبهة رقم (1) في معادلة الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني وستبقي هكذا الي ان تتحرر ويندحر الاحتلال المجرم عنها، بعد المواجهة الاخيرة في القدس والتي قالت فيها المقاومة الفلسطينية كلمتها تغيرت المعادلة ولم تعد غزة البقعة الساخنة والتي قد تشهد مواجهات دامية ولا اي من مدن الضفة الغربية بل القدس بمقدساتها الميدان الحقيقي للمواجهة، اي استقرار بالمنطقة واي امن يحتاجه الإسرائيليين لن يتحقق طالما قطعان المستوطنين يعيثوا فسادا في الأرض، توفر لهم دولة الكيان ما يحتاجونه من دعم امني ومالي لمواجهة الفلسطينيين في القدس . لا اعتقد ان اسرائيل ردعت بعد الحرب الاخيرة لكنها تعتبر ان كرامة جيشها ومستوطنيها اهينت لذا فان محاولات اقتحام الأقصى مستمرة وعناك دعوات عنصرية لها وتريد ان تثبت لمواطنيها والمستوطنين المتطرفين ان اسرائيل هي صاحبة الكلمة في القدس بطرفيها الشرقي والغربي وهي مدينة موحدة لإسرائيل.
لن يتخلى ساسة اسرائيل مهما تغيرت وجوههم عن تنفيذ المخططات التهويدية في القدس لن يتخلوا عن مخططات تقسيم المسجد الأقصى واستمرار المنظمات اليمينة المتطرفة التي تبرمج لمزيد من الاقتحامات ومسيرات الكراهية، المجتمع الدولي والامريكان يدركوا ان القدس هي الجبهة رقم (واحد) ان هدأت باقي الجبهات وان اشتعلت شرارة المواجهة فيها بين الفلسطينيين والإسرائيليين اشتعلت كل المناطق ودفع الجميع اثمان بالغة في الارواح والمقدرات. البدء من القدس يمكن ان يحقق هدنة طويلة الامد لإسرائيل وتستعيد الهدوء لمواطنيها من خلال الهدوء في الاحياء العربية الفلسطينية هناك، ووقف كل محاولات التطهير العرقي واقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم واحيائهم، لكن اعتقد ان اسرائيل لن تقنع بهذا وتعتبره ثمن كبير لا تستطيع ان تدفعه للفلسطينيين أي انها لا تستطيع التخلي عن الاحتلال والكراهية والعنصرية وكل الموبقات بحق الانسانية حتي لو تعرضت حكومة اسرائيل لضغط دولي كبير لتستجيب لنداءات العالم من اجل السلام العادل المبني علي اساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية .
ان كان العالم يبحث عن اجراءات لتحقيق هدنة طوية الامد في غزة فعلية ان يقنع ان القدس هي الجبهة رقم (1) وليس غيرها، يجب ان ينعم سكانها الفلسطينيين بالسلام وتتوفر لهم حقوقهم المدنية والسياسية وتحترم اسرائيل كافة المواثيق الدولية التي تعتبر القدس مدينة محتلة ينبغي انهاء الاحتلال فيها وعليهم ان يقنعوا ان صاعق التفجير لأي معركة يوجد على بوابات المسجد الأقصى وحواري القدس وبيد المقدسين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين على السواء. لذلك اي تهدئة يبحث عنها الوسطاء الان على اي جبهة غير القدس تبقي مضيعة للوقت ودون نزع اسباب التوتر والمواجهة في القدس واراضي الضفة الغربية اعتقد انها محاولات بائسة سرعان ما تتفجر الصواعق من جديد وتعود المواجهة الدامية في كل مكان وتنطلق الصواريخ من غزة لتقصف تل ابيب والقدس وكافة المدن الاسرائيلية هذه المرة من جنوب فلسطين حتى صفد. غزة ليست عنوان التهدئة ولا رام الله ولا نابلس ولا جنين والاغوار بل القدس وعليه لابد من بحث موضوع وقف مسيرات الكراهية ومخططات التهويد والتطهير العرقي وهدم البيوت والاعتقالات واقتحامات الأقصى ومحاولة تغير الوضع القائم في المدينة المقدسة اولا ومن ثم الحديث بحث التهدئة وطويلة الامد.