غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

خبر الشاب شمعة.. "عالم الكالسيوم" الذي يتجرع مئتي حبّة دواء خلال 5 دقائق

خاص/ صابرين عزيز

أكثر ما يرعب المرء هي فكرة الارتطام، ارتطام جسده معًا من الداخل دون التمكن من توقف هذا الألم، أو معرفة مصدره بالتحديد، وهذا الشيء بالذات كان مصدر الغياب عن الحياة التي رافقت الشاب خليل شمعة، منذ اثنين وعشرين عامًا، أي بعد أحد عشر شهرًا من ميلاده، إضافةً إلى الإهانة التي ابتلعتها أمّه من الأطباء والمجتمع على حد سواء.

كان يقول الطبيب له "بديش أعالجك، روّح"، وذات يوم وصل الحد أشدّه، ومع ضغط الوجع في جسده، مشى من مستشفى الشفاء، مسافة تزيد عن 2 كيلو، مع البكاء بحرقة، حتى إحدى البنايات، هناك سأل عن الإعلام، فوصل لإحدى الوكالات، "قلت لهم أنّي أتعاطى مئة وعشرين حبة علاج في اليوم، وأتعذب وأطرد من الشفاء، نحن نتوجع من الداخل، عظامنا من الداخل تتقطع" بهذا الموقف يبدأ خليل ووالدته سرد قصته لـ" شمس نيوز".

 تقول أمّه: "حاول الأطباء في غزّة معرفة سرّ التشنجات التي يصاب بها خليل وهو طفل، لكن العبث والفراغ أوّلهم إلى أنّه مصابٌ بزيادة الكهرباء في المخ، فوصفوا له علاجًا بعد عملية تخطيطٍ خاطئة، مما جعلني أوقف العلاج بعد عام من إعطائه إياه، لأني شككت بفعاليته".

استقرت حالة خليل حتى الخامسة من عمره، وخرجت التشنجات من جسده لتتركه يعيش طفولته كما يحلو له، وفجأةً؛ غاب عن وعيه، ووضعوه في العناية المركزة، "كانت التشنجات صعبة جدًا، وأصبحنا نطالب الأطباء بتشخيص المرض أو تحويله لمستشفى تستطيع التعامل معه، وكل ذلك دون استجابة" وتضيف والدته. 

وتابعت "استمرت حالته هذه حتى أصبح بعمر الاثني عشر، لم يدرك أي منّا -الأطباء ونحن- وضعه، أعصابه أصبحت هشة، ضعيفة جدًا، وفقد بصره نهائيًا، مما حرّك الأطباء نخوتهم قليلًا وكتبوا له تحويلة إلى مستشفى في الداخل، كان أخوه محمد أيضًا مصابًا مثله، لكن على أخف، أي كل ستة أشهر تأتيه نوبة تشنجات، فعملنا ليخرجا معًا لنفهم ما فيهما من مرض".

عندما وصلوا إلى مستشفى "أوخلف" بدأ العلاج يعيد بصر خليل، واكتشفوا أن ما يعانيه هو نقص نمو في الغدة الجار درقية، مما يسبب نقص شديد في الكالسيوم، فبدأوا بإعطائه مئة حبة علاج في اليوم، بينما في غزّة كان يأخذ حبتين فقط، وبعد أربعين يومًا عادوا إلى غزة حاملًا خليل بصره من جديد دون جسده الذي ما يزال يعاني من الضعف.

يقول خليل:" في أول يوم للحرب الأخيرة على غزّة شللتُ بالكامل، تمّ نقلي على "الشيّالة"، انقطع العلاج عني، وأصبح لا فائدة منه، كنت أقول للطبيب وأنا أهضم أغلب الحروف اكتب "عاجل" لكنه كتب "رفض المريض العلاج" وأنا لم أرفض قط، بل رفضت الأترومال، الذي كانوا سيعطوني إياه لأتخلص من الألم" تدخلت والدته " كانوا سيقتلوه، الأترومال يقتله، لأنه يعاني نقص في الكالسيوم في المخ أيضًا، كان مات بالمرّة، في تلك الفترة أصبح وزنه من 50 إلى 30 كيلو، ومع إلحاحه كتب الطبيب "عاجل" وتم رفضه لأسباب أمنية".

حاليًا يأخذ خليل من مئة إلى مئتين حبّة علاج، وصل بدراسته إلى الثانوية العامة، وبسبب الشلل الذي أصابه توقف عن الدراسة، لكنهم سموه بـ"عالم الكالسيوم" لأنه شخّص العديد من الحالات بعد خبرته في العلاج، كان يسأل الأطباء في اسرائيل عن مرضه وما تشخيصه، ويتمنى لو يكمل دراسته لكنه لا يستطيع التحكم بالقلم.

أحضر علبة دواء من صندوق مكدس فوق بعضه يحسبه الناظر لأول وهلة "علب كولا" وقال:" هذه العلبة فيها ستين حبة، أتجرعها مرّة واحدة، خلال خمس دقائق".

وتصف أمّ خليل حالتها بكل أسى تظهره ملامحها التي تجاوزت الوجع" ذات مرّة ذهبت إلى الطبيب أقول له، أنت بتعرف الحالة" فردّ عليّ أنا من متى بعرفك؟!" أمام العديد من الأطباء، كأنّ بيننا علاقة، أنا جئت لأخبرك عن حالة ابني، وأنت تقول لي "هو أنا عمري شفتك؟!" أهانني بشدة، حتى عندما طلبت من بعض المؤسسات المساعدة في تعجيل التحويلة، قالوا بإهانة" اذهبي إلى الشؤون الاجتماعية" أنا لم أطلب شيء منهم سوى تعجيل التحويلة، ولا أريد الذهاب إلى الشؤون".

وفي نهاية حديثها لنا قالت "زوجي مريض نفسي، ورفضت المستشفيات علاجه لأنه بحاجة لمتخصصين، ومعه أعصاب، ابنتي ذات الاثني عشر عامًا تعاني من دقات قلب سريعة، بحاجة إلى عملية في الخارج، وغير خليل ومحمد عندي ابن يعاني من تشوهات خلقية، لكني لن أطلب من أحد المساعدة سوى بتعجيل علاجهم".

بدوره، يقول الطبيب المعالج محمد زغبر  إن على خليل أن يتناول أكثر من 100 قرص كالسيوم يومًا ليستطيع تحسن في حالته، والطريقة الأمثل لمعالجته هي توفير علاج من مشابهات هرمون الغدة الجار درقية".

وأضاف الطبيب "هناك علاجًا من مشابهات هرمون الغدة الدرقية، وهو علاج حديث قد يحدث قفزة نوعية للعلاج وكمية الأقراص التي يتناولها يوميًا، ويمكن زراعة غدة جار درقية وهي عملية نادرة جدًا على مستوى العالم."